الوقت- جفت الأقلام عن وصف معاناة أهالي شمال قطاع غزة المحاصر والأهوال التي يعيشونها، أناس محاصرون تحت الأنقاض، ويُمنع عناصر الإنقاذ من الوصول إليهم، تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين مع نفاد في الإمدادات الأساسية، وقصف للمستشفيات التي أصبحت مكتظة بالمرضى وجاء الشتاء ليرمي بثقله على من في الخيام، كل ذلك ما هو إلا اختصار بسيط لوضع الفلسطينيين في شمال غزة المحاصر.
مستجدات الوضع في شمال غزة
جاء في تقرير موجز لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مجموعة من النقاط الأساسية في مستجدات الوضع في غزة وشمالها، ومن أهمها، منع سلطات الاحتلال الإسرائيلية لمدة قاربت شهرًا، جميع المحاولات التي بذلتها المنظمات الإنسانية من أجل إرسال المواد الغذائية إلى السكان في المناطق المحاصرة في محافظة شمال غزة.
في وسط غزة وجنوبها، يتعرض أكثر من 100 مطبخ تنتج 400,000 وجبة في اليوم لخطر إغلاقها بسبب نقص المواد، ومن جانب آخر لا تزال ظروف الرعاية الصحية في شمال غزة بالغة الخطورة، إذ قُصف مستشفى كمال عدوان مرتين خلال الأسبوع الماضي ومُنع إرسال الإمدادات المنقذة للحياة إلى مستشفى العودة.
يشكل حوالي 42 مليون طن من الركام وتكدُّس مخاطر المتفجرات على نطاق كبير تهديدًا وشيكًا للمدنيين، في الوقت الذي تُفرض فيه القيود على إدخال الموظفين والمعدات المتخصصة وتنفيذ أنشطة التخلص من الذخائر المتفجرة.
تفيد نقابة الصحفيين الفلسطينيين بأن 10 في المئة من الصحفيين العاملين في غزة قُتلوا منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، على حين لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلية تمنع دخول الصحفيين الأجانب.
وفي سياق متصل، صرّحت كاثرين راسيل، المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف، في سياق إشارتها إلى للقتل الممنهج الذي تقوم بها قوات الاحتلال، فضلًا عن حادثتين تعرضت في إحداهما مركبة تقل موظفي اليونيسف لإطلاق النار في شمال غزة وأُصيب في الأخرى عدة أطفال على مقربة من عيادة للتطعيم ضد شلل الأطفال في محافظة غزة، بأن هذه الأحداث «تشكل أمثلة إضافية على العواقب الوخيمة التي تفرزها الغارات العشوائية على المدنيين في قطاع غزة»، كما حذّر المدير الإقليمي لمنظمة إنقاذ الطفولة من أنه إذا «لم يتدخل المجتمع الدولي قريباً، فسوف يُمحى جيل كامل من الأطفال في غزة مع مستقبلهم».
الوضع يزداد سوءاً مع اقتراب فصل الشتاء
مع اقتراب فصل الشتاء، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن الافتقار إلى الغذاء وغيره من الإمدادات الإنسانية الحيوية التي تدخل قطاع غزة قد تتصاعد إلى مجاعة، ويفيد قطاع الأمن الغذائي بأن نحو 1.7 مليون إنسان، أو 80 في المئة من السكان، لم يحصلوا على حصصهم الغذائية الشهرية في شتّى أرجاء غزة وأن عدد الوجبات المطهوة التي توزع يوميًا تراجع إلى 450,000 وجبة في شهر تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يمثل انخفاضًا نسبته 25 في المئة، بالمقارنة مع شهر أيلول/سبتمبر.
واضطر العديد من المطابخ إلى إغلاق أبوابها، وبات يتعين على المنظمات الإنسانية العاملة أن تعدل محتويات الوجبات للتكيف مع نقص الإمدادات في المطابخ التي بقيت تزاول عملها، وما يزيد من تفاقم الانخفاض الكبير في المعونات الإنسانية النقص الحاد في السلع التجارية، إذ أشارت التقارير إلى أن ما لا يزيد على 100 شاحنة من السلع التجارية دخلت القطاع بين يومي الـ 1 والـ 26 من تشرين الأول/أكتوبر.
ومنذ ما يقرب من شهر، مُنعت جميع المحاولات التي بذلتها المنظمات الدولية في مجال العمل الإنساني في سبيل الوصول إلى السكان إلى شمال غزة وتقديم الغذاء لهم، وباتت المطابخ الثمانية التي كانت تزاول عملها في المحافظة لا تعمل أو لا يمكن الوصول إليها الآن بسبب القصف الإسرائيلي.
الوضع أشبه بالكابوس
في ظل المعاناة الكبيرة التي يعيشها أهالي قطاع غزة قالت منظمة أطباء بلا حدود: إن قطاع غزة يشهد "قدرا من المعاناة يتجاوز الخيال"، حيث يواجه الناس في مناطق بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا واحدة من "أكثر الهجمات وحشية وعنفا منذ بداية الحرب".
وتتعرض المنطقة، وفق المنظمة، لقصف إسرائيلي عشوائي عنيف، وهو ما يتسبب في وقوع خسائر مدنية هائلة، وأصبح الوضع معه "كابوسا".
وأشارت المنظمة إلى أنه "طوال حملة الموت والدمار الإسرائيلية، ظهر نمط واضح من العنف الذي لا يمكن تصوره: يُطلب من الناس في غزة اتخاذ خيار مستحيل بين البقاء، في تحدٍ لأوامر الإخلاء، ليصبحوا أهدافا مشروعة ويُقتلوا؛ أو المغادرة، ليخاطروا بحياتهم".
وقالت المنظمة، في بيان لها: إن "الفظائع تتراكم على الفظائع على مستوى مختلف عن أي شيء رأيناه خلال تجربتنا العملية مع أطباء بلا حدود".
وأضافت: إن "حلفاء إسرائيل يتحملون مسؤولية ثقيلة عن هذا الوضع المزري الناجم عن دعمهم الثابت للحرب".
حظر الأونروا تكريس لجريمة الإبادة الجماعية
رغم الانتقادات ومعارضة عدد من الدول في العالمَين: العربي والعالمي لقرار حظر عمل وكالة الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة والدعوات إلى عدم التصويت – وفي مقدمتها دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اللذين أكدا أن القرار "سيجعل النشاطات الضرورية للأونروا أمراً مستحيلًا، ويتعارض تعارضًا مطلقًا مع القانون الدولي، ومع المبادئ الإنسانية الأساسية" – فإن الولايات المتحدة حثت كيان الاحتلال الإسرائيلي على إعادة النظر في القوانين المناهضة للأونروا، محذرةً من أن "الملايين معرضون لخطر الكارثة".
يرى البعض أن الاستهداف الإستراتيجي والمنهجي التراكمي لوكالة الأونروا يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء حقهم في العودة، وهذا صحيح، لكنه يمثل ربع الكوب السياسي، أما الجزء المتبقي فيتعلق بمسألتين جوهريتين:
الأولى: تنظيف ساحة الجريمة وغسل يد العصابات الصهيونية من أعمال التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في نكبة العام 1948، واقتلاع وطرد حوالي 950 ألف فلسطيني إلى خارج فلسطين، وتحويلهم إلى لاجئين بعد اغتصاب ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، وتثبيت قاعدة مفادها: "لا لجوء إذًا لا نكبة".
ولهذا، كان مسعى الرئيس الأمريكي السابق ترامب الذي بذل الوقت والجهد والمال السياسي؛ لنزع صفة اللجوء عن أبناء وأحفاد من طُرد من فلسطين كمرحلة أولى للتخلص من اللاجئين.
أما الثانية: فهي تثبيت شرعية دولة الاحتلال في الأمم المتحدة من خلال شطب القرار الأممي رقْم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ 11 من ديسمبر/ كانون الأول 1948؛ إذ لا تزال شرعيّة وجود الاحتلال معلقة في الأمم المتحدة.