الوقت- ما زال الاحتلال يدفع ثمنا باهظا لعدوانه الجاري على غزة، وقد استهدفت بعض هذه التأثيرات قلب الداخل الصهيوني الذي يشمل النواحي الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وآخره ما يعانيه مستوطنوه الفارون وجنوده من أزمات عقلية، وإدمان مفرط على الكحول وعنف منزلي إذ يتلقّون العلاج النفسي، ومع مرور الوقت فإن الموارد اللازمة لعلاجهم باتت مستنفدة، ما يستدعي منهم الانتظار وقتا طويلا جداً للمساعدة الصحية، لأن استمرار الحرب يُسبب صعوبات نفسية لدى الكثير من الإسرائيليين، جنودا ومستوطنين، ما أوجد تحديات غير مسبوقة لمقدمي الرعاية الصحية النفسية، في ضوء عجزهم عن التكيف مع الحياة دون هذه العلاجات، ومواصلة إلحاق الضرر بأجسادهم، وحدوث إصابات ذات تأثير عقلي.
آثار الحرب على المستوطنين
بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على الحرب في غزة، تظهر الأبعاد المدمرة لهذه الحرب على المجتمع الإسرائيلي وعلى فئة الشباب بشكل خاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 وبحسب المراكز التي تقدم الدعم للمستوطنين الفارين، فالكثير منهم لا يتلقى رعاية طبية، فيما يعاني المراهقون على وجه الخصوص من اضطرابات نفسية قادتهم إلى إدمان الكحول، ويتزايد عدد حالات الطلاق بين الأزواج.
ويعيش في إسرائيل أكثر من مليوني شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما. ومع اندلاع الحرب، تم استدعاء مئات الآلاف منهم إلى الخدمة الاحتياطية، والعديد منهم في الخدمة النظامية، فيما تأثر الشباب أكثر من أي فئة عمرية أخرى بالهجوم المفاجئ في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكذلك بالأحداث التي تلته في أشهر الحرب، ولا يقتصر الضرر على الجانب العقلي والنفسي بل تضرر الشباب أيضًا في مجالات أخرى مثل التعليم والتوظيف نتيجة للحرب، الأمر الذي يتطلب من الشباب إجراء تغييرات في روتين حياتهم اليومية.
أفاد ربع الشباب بأنهم تأثروا بانعدام الأمن وتبعات الحرب من جرحى، تهجير، تدمير منازل/ممتلكات، تجنيد كما كان هناك من تسللت إليهم قوات حماس أو كانوا حاضرين في إحدى الاحتفالات التي أقيمت في تلك المنطقة .
كما تفيد تقارير بأن 28% من الشباب اضطروا إلى ترك وظائفهم لأسباب مختلفة كالذهاب في إجازة مرضية، إغلاق أعمالهم، عدم القدرة على الذهاب إلى العمل بسبب الوضع الأمني، الطرد من العمل، أو الاستدعاء كقوة احتياطية، كما أثرت التغييرات الوظيفية على الوضع الاقتصادي، وتبين أن قدرة 53% من الشباب على الوفاء بالتزاماتهم المالية قد ضعفت.
أثرت الحرب أيضًا على المناهج الدراسية - حيث كان من المقرر أن يبدأ 23% من الشباب الدراسة في عام 2023، لكنهم تخلوا عنها نتيجة للحرب، كما أثرت الحرب على مدى ثقة الشباب بالحكومة - حيث قال 64 بالمئة إنه لم يعد لديهم ثقة بالحكومة الإسرائيلية.
بعبارة أخرى، هناك العديد من الإسرائيليين لديهم ردود فعل ما بعد الصدمة، ممن تأثروا بالحرب، ولذلك فإن هناك زيادة في طلبات الإغاثة النفسية، وبالتالي فإن إطالة أمد الحرب يجعل الوضع أكثر صعوبة، ولا سيما على صعيد النازحين من مستوطنات الشمال والجنوب، ممن تم إجلاؤهم من منازلهم إلى واقع لا يزال فيه إطلاق الصواريخ، ومن انتقلوا واستأجروا شقة في المدينة، أو انتقلوا مع الكيبوتس الخاص بهم إلى مكان آخر، أو من بقوا في الفنادق حتى يومنا هذا.
فظائع نفسية بين المستوطنين
قالت القناة 12 العبرية، نقلًا عن تقارير الدعم النفسي للمستوطنين، فإن أكثر من 100 ألف مستوطن يعانون من مشاكل عائلية وعنف منزلي، ناهيك عن الاكتئاب وحالات الانفصال، والمشاكل الزوجية، وخاصةً بين الجنود العائدين من الحرب بإعاقات مستديمة، حتى وصل الأمر إلى اعتراف واضح من أحد الجنود: "كدتُّ أقتل زوجتي".
ووفق التقرير، فإن هناك حالات من النزاع العائلي والشجار "المقلق" الذي ينشب بين الآباء والأبناء، بسبب رغبة عدد كبير منهم بالعودة إلى المستوطنات، فيما يفضل آخرون البقاء داخل الفنادق، ولفت التقرير إلى مشكلة أخرى "كبيرة" وهي الآباء الوحيدون، الذين يعيشون بمفردهم ويتحمّلون المسؤولية كاملةً بسبب مغادرة الطرف الآخر للخدمة العسكرية الاحتياطية، أو فرق الطوارئ، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة، وتسرب الأطفال من المدارس، وتعاطي الشباب الكحول، ومشاكل العنف، وتدني احترام الذات، والعزلة، والقلق والكوابيس في الليل، والشعور بالوحدة.
وأوضحت القناة العبرية، أن هناك ارتفاعاً كبيراً في عدد المرضى في مراكز الرعاية في جميع أنحاء البلاد، لقد تعرضوا وما زالوا يعانون من اضطرابات كبيرة، وقد انقلبت حياتهم رأسًا على عقب، وتأثر الروتين بشكل كبير، ولن تعود الأمور كما كانت مرة أخرى". وفقًا لتقرير الرعاية النفسية لأحد المراكز، وذكرت أن نسبةً كبيرة من المستوطنين الفارين لديهم مخاوف من تكرار "طوفان الأقصى" في حال عودتهم للمستوطنات الجنوبية، وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة التي تتجدد في كل عدوان يشنّه الاحتلال على الفلسطينيين، لكنها في هذه المرة تبدو أكثر خطورة،
انهيار نظام الصحة العقلية للجنود الإسرائيليين
أقر الجيش الإسرائيلي بأنه يواجه المشكلة الكبرى في الصحة النفسية منذ عام 1973، وذلك على خلفية الحرب التي تخوضها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مع جيش الاحتلال منذ طوفان الأقصى.
وكشفت تقارير عبرية عن تجاوز عدد المعوقين من الجيش الإسرائيلي 70 ألفا لأول مرة، بينهم 8663 أصيبوا بعد بدء الحرب على غزة في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحسب القناة 7: "تجاوز عدد الجنود المعوقين الذين يتلقون العلاج في أقسام إعادة التأهيل التابعة لوزارة الدفاع 70 ألفا لأول مرة، بعد انضمام 8663 جريحا منذ الـ 7 من أكتوبر (والباقون في حروب سابقة)".
وأشارت إلى أن "35 بالمئة من المصابين بعد الـ7 من أكتوبر يعالجون من أمراض عقلية، مقابل 21 بالمئة منهم إصاباتهم جسدية".
وأضافت: "يستعد قسم التأهيل في وزارة الدفاع لاستقبال نحو 20 ألف جريح جديد منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية عام 2024".
وتابعت: "تظهر البيانات المقدمة من المؤتمر الطبي الإسرائيلي أنه يتم إدخال أكثر من ألف جريح جديد من الرجال والنساء إلى الجناح كل شهر لتلقي العلاج".
ختام القول
لعل أهم الأسباب التي تؤدي إلى زيادة أعداد الإسرائيليين المصابين بأعراض ما بعد الصدمة، من الجنود والمستوطنين على حد سواء، أن الحرب الحالية لا أحد يعرف متى ستنتهي، وبالتالي فإن إطالة أمدها، وحقيقة عدم وجود نهاية لها تلوح في الأفق، تعتبر حافزا يزيد من التوتر والضعف العقلي، وبات الشعور الإسرائيلي العام أن هذه حرب تخدم المصالح الذاتية السياسية التافهة، بدليل الانخفاض الحاد من 200 في المئة إلى 60 في المئة في الإبلاغ عن الخدمة الاحتياطية، ومغادرة الدولة.