الوقت- أدت التطورات الجيوسياسية والديناميكيات الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة، وتزايد المنافسة بين منتجي الطاقة للحصول على حصة من الأسواق الناشئة، إلى حصول جمهوريات آسيا الوسطى على فرص جديدة لتقليل اعتمادها على الأسواق التقليدية والتحرر من العزلة الاقتصادية، وفي هذا الصدد، تم في الأيام الأخيرة التوصل إلى اتفاق مهم في مجال الطاقة الإقليمي، من شأنه أن يكون له تأثير كبير على معادلات الغاز من آسيا الوسطى إلى القوقاز.
وبموجب هذا الاتفاق، وقعت شركة الغاز الحكومية التركمانية "تركمنغاز" وشركة خطوط الأنابيب التركية الحكومية "بوتاس" اتفاقية لتصدير الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى تركيا، وحسب تقرير إعلامي تركماني يشير إلى محادثة هاتفية بين قربان قولي بيردي محمدوف، رئيس الجمعية الوطنية في تركمانستان، فإن عشق آباد توصلت إلى اتفاق مع طهران لنقل الغاز التركماني إلى تركيا عبر إيران بموجب خطة مبادلة، ومن المقرر أن يبدأ تصدير الغاز في الأول من مارس/آذار 2025.
ولم يقدم المسؤولون التركمان والأتراك حتى الآن معلومات عن حجم وسعر صادرات تركمانستان من الغاز إلى تركيا، ولكن في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أعلن مراد أرخاييف، نائب رئيس شركة الغاز الحكومية التركمانية "تركمان غاز"، أن تركمانستان تعتزم زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى إيران إلى 40 مليار متر مكعب سنويا في إطار الاتفاقيات مع طهران وأنقرة.
وأعلن رئيس الجمعية الوطنية في تركمانستان قربان قولي بيردي محمدوف أن بلاده اقترحت بناء خط لنقل الكهرباء من محطة ماري للطاقة إلى الحدود الإيرانية عبر طريق ماري-مشهد.
وقال بردي محمدوف إن جميع المفاوضات اللازمة تم إجراؤها وتم التوقيع على الوثيقة ذات الصلة وسيتم تنفيذ المشروع من قبل الشركات الإيرانية، وترتبط إيران وتركيا حاليًا بخط أنابيب للغاز بطاقة 14 مليار متر مكعب سنويًا، لكن تركيا تستورد 9.6 مليارات متر مكعب فقط من الغاز سنويًا من إيران، ويمكن لإيران الحصول على ما بين 14 إلى 18 مليار متر مكعب من الغاز من تركمانستان سنويا.
وفي وقت سابق جرت مفاوضات مع إيران وجمهورية أذربيجان لتصدير الغاز التركماني إلى تركيا عبر اتفاقيات مبادلة، حتى أن شركات تركية وأذربيجانية وقعتا اتفاقية بهذا الشأن، كما أنه بموجب اتفاق تم توقيعه في يونيو/حزيران 2022 بين يريفان وتركمانستان وأذربيجان، تم الاتفاق على نقل نحو 1.5 إلى 2 مليار متر مكعب من الغاز التركماني عبر إيران إلى أذربيجان، وستحصل إيران على جزء من هذا الغاز كحقوق عبور أو رسوم مبادلة.
بالإضافة إلى ذلك، في يونيو 2024، وقعت شركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان (سوكار) وشركة الغاز الحكومية التركية (بوتاش) اتفاقية للتعاون في تصدير الغاز التركماني عبر أذربيجان ودول ثالثة إلى تركيا، ويرى بعض الخبراء أن البنية التحتية لخط الأنابيب بين تركيا وإيران بحاجة إلى تحديث وتطوير لاستقبال الغاز التركماني، وبما أن خط أنابيب الغاز التركي الإيراني لم يتم استغلاله بالكامل، فإن تركمانستان قادرة على تصدير نحو 4 إلى 5 مليارات متر مكعب من الغاز إلى تركيا عبر إيران دون الحاجة إلى تحديث وزيادة سعة خط الأنابيب الحالي، ومن ناحية أخرى، من خلال توسيع خطوط الأنابيب إلى حدود تركمانستان، سيتم نقل المزيد من الغاز إلى تركيا في أقصر وقت ممكن.
أوروبا هي الوجهة النهائية للغاز التركماني
بفضل الاتفاق الجديد بين تركمانستان وتركيا بشأن تصدير الغاز، ستزيد جمهورية أذربيجان صادراتها من الغاز إلى أوروبا، ويعتقد الخبراء أن تركيا ستستهلك الغاز المستورد من تركمانستان في سوقها المحلية وتصدر جزءاً من الغاز الأذربيجاني الذي تستهلكه حاليا في السوق التركية إلى أوروبا.
وجاءت اتفاقية تبادل الغاز هذه بعد أن سعت الدول الأوروبية إلى نقل الغاز من آسيا الوسطى إلى القارة الخضراء على مدى العقد الماضي لتلبية بعض احتياجاتها من الطاقة، ولذلك، تم اقتراح بناء خط أنابيب للغاز عبر قاع بحر قزوين، ولكن بسبب استهلاكه للوقت والاستثمار الضخم المتضمن في هذا المشروع، تخلى الغربيون أيضًا عن هذا الأمر وتحولوا إلى طرق بديلة، بما في ذلك نقل الغاز المسال من دول مثل قطر والولايات المتحدة، وفي الوضع الحالي، يعتزم الأوروبيون تلبية احتياجاتهم من الطاقة عن طريق نقل الغاز التركماني إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا.
ومن ثم فإن اتفاقية تبادل الغاز بين تركمانستان وتركيا تجلب فوائد كبيرة لأوروبا، ويتيح هذا الاتفاق لأوروبا تقليل اعتمادها على الموردين التقليديين مثل روسيا وتعزيز أمنها في مجال الطاقة من خلال الوصول إلى الغاز التركماني.
كما أن دخول الغاز التركماني إلى السوق الأوروبية قد يؤدي إلى زيادة المنافسة في سوق الطاقة، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتحسين الظروف للمستهلكين، ويمكن أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تطوير البنية التحتية للطاقة وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين أوروبا وتركيا وإيران وتركمانستان، ما من شأنه أن يساهم في نهاية المطاف في الاستقرار والأمن الإقليميين، ومن شأن هذه الاتفاقية أيضًا أن تساعد أوروبا في تحقيق رؤيتها لإمدادات طاقة أكثر استدامة وتنوعًا وتؤدي إلى تحسين أمن الطاقة والاستقرار في القارة.
وبما أنه من المتوقع أن تواجه أوروبا تحديات مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الهروب من ضغوط واشنطن من خلال تنويع أسواق الطاقة، وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، عندما انقطعت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، استغلت الولايات المتحدة هذه الفرصة، ومن خلال الاستيلاء على سوق الاتحاد الأوروبي، باعت غازها إلى الشركاء الأوروبيين بأربعة أضعاف السعر، ما أثار غضب الزعماء الأوروبيين، ولذلك، فمن غير المستبعد أن يستخدم ترامب، الذي يسعى إلى ابتزاز حلفائه من خلال فرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية، نفوذ النفط والغاز للضغط على الأوروبيين في المستقبل.
إهانة لحملة الضغط القصوى
وبما أن إدارة ترامب طبقت مرة أخرى سياسة الضغط الأقصى ضد إيران وتحاول استبعاد البلاد من أسواق الطاقة في المنطقة والعالم، فإن اتفاقية تبادل الغاز بين تركمانستان وتركيا قد يكون لها آثار كبيرة في فشل سياسة "الضغط الأقصى"، ومن شأن هذه الاتفاقية أن تزيد من القدرات الجيوسياسية للبلاد في قطاع الطاقة من خلال تعزيز دور إيران كطريق عبور رئيسي في المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الاتفاق قد يعمل على تحييد آثار العقوبات الغربية وإنشاء طرق بديلة للتجارة الدولية لإيران، كما أن هذا الاتفاق يسمح لإيران بالحصول على فوائد اقتصادية كبيرة من خلال الحصول على حقوق العبور والاستفادة من البنية التحتية القائمة، ومن الممكن أن يساعد هذا في تحسين اقتصاد البلاد وتقليل الاعتماد على مصادر الإيرادات المعتمدة.
ومن ناحية أخرى، تستطيع إيران تلبية جزء من احتياجاتها المحلية من خلال تلقي الغاز من تركمانستان وتزويده إلى تركيا، وهو ما يزيد من أمن صادراتها من الطاقة، ومن شأن تنفيذ هذه الاتفاقية أيضًا أن يعزز تفاعلات إيران مع الدول المجاورة مثل تركمانستان وتركيا ويؤدي إلى تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع هذه الدول، ولذلك، يمكن اعتبار هذه الاتفاقيات المتعلقة بالطاقة بمثابة مشروع طويل الأمد من شأنه أن يحول إيران وآسيا الوسطى والقوقاز إلى مراكز للطاقة في العالم في المستقبل، من خلال زيادة عبور الغاز وحتى بناء خطوط الأنابيب لتسهيل نقل هذه الطاقة الغنية إلى أوروبا.
إن إيران، التي تمتلك 42 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وتركمانستان التي تمتلك 7 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعي، تستطيع أن تلعب دوراً مهماً في تلبية احتياجات أوروبا وحتى شرق آسيا من الغاز. ونتيجة لهذا، ومع تطوير هذه الممرات العابرة، ستصبح إيران طريقاً سريعاً يربط الشرق بالغرب.
ومن ناحية أخرى، فإن تنفيذ اتفاق تبادل الغاز عبر إيران من شأنه أن يضعف مشاريع نقل الغاز المنافسة الأخرى مثل خط أنابيب عبر بحر قزوين، ويعزز مكانة إيران في أسواق الطاقة، ولذلك فإن مثل هذه الاتفاقات تظهر أن إخراج إيران من أسواق الطاقة غير ممكن، وكما فشلت سياسة الضغط القصوى في إدارة ترامب الأولى، فلن يكون من الممكن قطع صادرات إيران من الطاقة هذه المرة أيضاً.