الوقت - في تصعيد جديد على الساحة السياسية الدولية، أدانت وزارة الخارجية الجزائرية زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، إلى الصحراء الغربية، معتبرة إياها "أمراً خطيراً" و"استخفافًا سافرًا بالشرعية الدولية". وقد جاء هذا البيان بعد أن قامت الوزيرة الفرنسية بزيارة إلى مدينة العيون في الإقليم المتنازع عليه، في خطوة تُعد الأولى من نوعها لعضو في الحكومة الفرنسية إلى المنطقة منذ اندلاع النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو.
الزيارة التي أجرتها داتي، وهي وزيرة فرنسية ذات أصول مغربية، تمثل خطوة استفزازية جديدة في علاقات فرنسا مع الجزائر، وتزيد من حدة التوتر بين البلدين، وفي تصريحات أدلت بها للصحافة الفرنسية، وصفت داتي الزيارة بأنها "تاريخية"، مشيرة إلى أن هدفها هو التأكيد على "السيادة المغربية" على الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق، وتضيف داتي في تصريحاتها بأن الزيارة تأتي في إطار دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي المغربي الذي يروج له المغرب لحل النزاع القائم في الإقليم منذ عقود.
رد فعل الجزائر
في رد فعل قاسي، اعتبرت وزارة الخارجية الجزائرية أن هذه الزيارة تشكل "استخفافًا سافرًا بالشرعية الدولية"، حيث وصفتها بأنها "أمر خطير للغاية" يستدعي الإدانة على عدة مستويات، وأكد البيان الصادر عن الخارجية الجزائرية أن "الزيارة تسعى إلى ترسيخ الأمر الواقع المغربي في الصحراء الغربية، وهي أرض لم يكتمل فيها مسار تصفية الاستعمار بعد، ولم يتمكن شعبها من ممارسة حقه في تقرير المصير".
وتابعت الجزائر في بيانها أن هذه الخطوة تساهم في تعطيل جهود الأمم المتحدة التي تسعى منذ سنوات إلى التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم للنزاع على أساس احترام الشرعية الدولية، حيث ترى الجزائر أن هذه الزيارة تتعارض بشكل مباشر مع القرارات الأممية التي تؤكد على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
فرنسا على الخط
الزيارة التي قامت بها وزيرة الثقافة الفرنسية إلى مدينة العيون ليست سوى جزء من سلسلة من التحركات الفرنسية التي أثارت غضب الجزائر في الفترة الأخيرة، في يوليو 2024، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أثار موجة من الاستنكار في الجزائر عندما أرسل رسالة إلى ملك المغرب محمد السادس، أعرب فيها عن دعم بلاده لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي اعتبرته الجزائر بمثابة تحول كبير في السياسة الفرنسية تجاه القضية الصحراوية.
الجزائر ترى في الموقف الفرنسي الأخير محاولة لإضفاء الشرعية على "الاحتلال المغربي" في الصحراء الغربية، وهو ما يتعارض مع موقفها الثابت في دعم حقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، في هذا السياق، وصف وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، ما جرى في هذا السياق بأنه "هبة من لا يملك لمن لا يستحق"، مشيرًا إلى أن الجزائر لن تتراجع عن موقفها الثابت في هذا الصدد.
الشرعية الدولية والصحراء الغربية
تعود جذور النزاع في الصحراء الغربية إلى عقود مضت، حيث يطالب الشعب الصحراوي، ممثلًا في جبهة البوليساريو، بالاستقلال عن المغرب، الذي يصر على سيادته على الإقليم.، وكان المغرب قد قدم في السنوات الأخيرة مقترحًا لحل النزاع من خلال منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا في إطار سيادته، لكن هذا المقترح لا يلقى دعمًا من جبهة البوليساريو، التي تطالب بتنظيم استفتاء يتيح للشعب الصحراوي حق تقرير مصيره.
وفي ظل هذه التطورات، تجد الجزائر نفسها في مواجهة سياسة فرنسا التي ترى في المقترح المغربي الحل الأنسب للنزاع، في وقت تسعى فيه الجزائر إلى تأكيد دعمها لحق الشعب الصحراوي في الاستقلال، معتبرة أن أي خطوة تهدف إلى تغيير الوضع القائم في الإقليم تندرج ضمن "التصعيد" ضد الشرعية الدولية.
تأتي زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية في وقت حساس للغاية، حيث تشهد العلاقات الجزائرية-الفرنسية توترًا واضحًا منذ عدة أشهر، هذا التوتر يعكس اختلافًا عميقًا في المواقف بشأن قضايا إقليمية حساسة، أبرزها الصراع في الصحراء الغربية، فبينما تسعى الجزائر للحفاظ على مواقفها الثابتة في دعم حقوق الشعب الصحراوي، ترى باريس أن الحل الأمثل يكمن في دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي.
إن هذه التحركات الفرنسية، وفي مقدمتها زيارة رشيدة داتي، لن تؤدي إلا إلى تعميق الخلافات بين الجزائر وباريس، ولن تساهم في حل النزاع القائم في الصحراء الغربية، بل قد تضع فرنسا في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، الذي يراقب عن كثب تطورات هذا النزاع.