الوقت- باستمرار ويوماً بعد يوم، وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تدخل "إسرائيل" في هزيمة جديدة تكشف الأحداث الخفية وتزيد من مشاكلها، وذلك على الرغم من وجود رقابة عسكرية صارمة تفرضها على وسائل الإعلام الإسرائيلي في جميع أنحائه، ويمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا مهمًا في تسويق القضية الفلسطينية، وخاصة فيما يتعلق بالأحداث التي جرت في المنطقة منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" يوم السبت السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، وبعدما كانت "إسرائيل" تُسيطِر تقريبًا على تسويق روايتها للإعلام التقليديّ، وجدت نفسها هذه المرّة وبكثافةٍ كبيرةٍ، في حربٍ إعلاميّةٍ شرسةٍ، ضدّ عدوٍّ مُتمرسٍ على الجبهة الإعلاميّة، والأمر اللافت أنّ الإسرائيليين أنفسهم، وبعد الإخفاق المجلجل من الناحية الأمنيّة لجيش الاحتلال، توقفوا عن تصديق إعلامهم المُتطوِّع أصلاً لمصلحة الأجندة الرسميّة.
الفلسطينيون ينتصرون إعلاميّاً
بسبب الكمّ الهائل من المعلومات التي استقاها الإسرائيليون عن طريق وسائل التواصل الاجتماعيّ، علمًا أنّ الفلسطينيين كانوا السبّاقين في نشر الصور والفيديوهات التي أدخلت الكيان في متاهةٍ زادت من خشيته وقلقه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المُستوطنين وصلوا إلى حالةٍ شديدةٍ من الإحباط بسبب الإخفاق الذي لم تشهده دولة الاحتلال منذ إقامتها في العام 1948.
وبعدما كانت "إسرائيل" تسيطر تقريبًا على تسويق رؤيتها لوسائل الإعلام التقليدية، وجدت نفسها في مواجهة حرب إعلامية شرسة بشكل كبير، ضد عدو ماهر في مجال الإعلام.
وما يلفت الانتباه هو أن الإسرائيليين أنفسهم، بعد الإخفاق البارز من الناحية الأمنية لجيش الاحتلال، بدؤوا يشككون في مصداقية إعلامهم الذي كان في الأصل موجهًا نحو دعم الأجندة الرسمية. ذلك جاء بسبب الكم الكبير من المعلومات التي تلقوها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ويجب ملاحظة أن الفلسطينيين كانوا في المقدمة في نشر الصور والفيديوهات التي وضعت "إسرائيل" في موقف صعب، وهذا زاد من قلقها.
يجدر بالذكر أيضًا أن المُستوطنين وصلوا إلى حالة كبيرة من الإحباط بسبب هذا الفشل الذي لم تشهده "إسرائيل" منذ إقامتها في عام 1948.
وفي هذا السياق، صرحت المستشرقة الإسرائيلية كسانيا سفاتلوفا في تقرير نُشِر على موقع "زمان إسرائيل" العبري: "يبدو أن هذا الجيل الفلسطيني الشاب، الذي وُلِد في أو بعد الانتفاضة الثانية، لم يعد يؤمن بحل الدولتين، وبينما استغرقت "إسرائيل" وقتًا طويلًا وهربت من المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، نشأ جيل في رام الله وجنين وغزة والخليل لم يعد مهتمًا بهذا الحل ولا يؤمن به."
ويرى تصريح كسانيا سفاتلوفا أن الجيل الفلسطيني الشاب الذي نشأ بعد الانتفاضة الثانية قد تغيّر ولم يعد يروج لفكرة حل بوجود دولتين كما كان الحال في الماضي.
تُظهِر هذه التصريحات التحول في تفكير الشباب الفلسطيني نحو القضية الفلسطينية واحتمالات حلها، ووفقًا لما صرحت به المستشرقة: "بينما كنت أشاهد المئات من مقاطع الفيديو لشبان وشابات من الضفة الغربية، شعرت بالضبط بما شعرت به في عام 2006 قبل انتخابات البرلمان الفلسطيني، الاشمئزاز من السلطة الفلسطينية التي يُنظر إليها على أنها عفا عليها الزمن، الجسم الفاسد والعنيف والدعم لحماس في غياب خيارات أخرى."
وتعبيرها يظهر استياءها من الوضع الحالي في فلسطين وانعكاساته على مشاعر الشباب في الضفة الغربية، ويشير إلى عدم رضاهم عن السلطة الفلسطينية واعتبارها أنها فقدت مصداقيتها مع مرور الوقت، وكذلك إلى دعم بعضهم لحماس نظرًا لنقص الخيارات الأخرى المتاحة في الوقت الحالي.
ووفقًا للدكتور طال بافال، الخبير في مجال الشبكات والإنترنت في الوطن العربي، والمؤسس والمدير لمعهد الدراسات السيبرانية في الكلية الأكاديمية تل أبيب - يافا، يظهر أن ما يجري على منصة التواصل الاجتماعي TikTok ليس محصورًا في هذه الشبكة الاجتماعية بل حدثت أمور مماثلة في السابق على منصات أخرى مثل Facebook وTwitter وInstagram.
جيلٌ فلسطينيّ اختار طريقه
إنّ التحديات والقضايا المتعلقة بالتواصل الاجتماعي والإنترنت ليست محصورة بمنصة واحدة فقط، بل تشمل عدة منصات، وإن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات وسياسات للتعامل مع هذه القضايا بشكل فعال على مستوى أوسع.
بافيل يقول: "القوة تكمن في البساطة والوصول السهل"، ويضيف: "حتى إذا بدا لنا أن Facebook قام بإنشاء نظام عالمي وموحد، تبين أن هناك عوائق لغوية وجيلية تأتي في الطريق بعد كل شيء. في مرحلة معينة، كنا جميعًا مأسورين في مساحات انعكاس ذاتية وليس لدينا واجهة حقيقية مع العالم."
وتيك توك لا يسمح أيضًا بالاتصال الكامل بين جميع المستخدمين الذين يبلغ عددهم مليارًا، وربما أكثر، ولكن طبيعة المحتوى مختلفة، وإذا كان Facebook وTwitter يعتمدان على النصوص، سواء كانت قصيرة أو طويلة، فإن TikTok وInstagram يعتمدان بشكل رئيسي على الصور المرئية ومقاطع الفيديو، وتبدو مقاطع الفيديو في TikTok كشيء غريب بالنسبة للبالغين الذين لا يفهمون المرجع والموسيقى والاتجاهات، ويشجع التطبيق أيضًا المستخدمين على تحميل محتواهم الخاص بشكل أكبر من Instagram، على سبيل المثال.
وأضاف الخبير الإسرائيلي: "تقدم منصة TikTok مقاطع فيديو للمشاهدة لا تعتمد بالضرورة فقط على ما اعتدت مشاهدته أنت، إن خلاصة TikTok الخاصة بك ممتلئة بالمحتوى قبل أن تبدأ حتى في متابعة مستخدم واحد."
وأشار جون هيرمان من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أن الشبكات الاجتماعية أصبحت مسيطرة على حياة الأفراد وأصبحت تلعب دورًا مهمًا في الاتصال ونقل المعلومات، حيث أصبحت الشبكات الاجتماعية هي الشبكة الأكثر تأثيرًا في الوقت الحالي.
وأوضح أن هذه الشروط تسمح للمدونين الفلسطينيين وأنصارهم في جميع أنحاء العالم ليس فقط بالحصول على الكثير من التعرض الإعلامي، وأشار إلى أن الشقيقتين بيلا وجيجي حديد نجحتا أيضًا في هذا على منصة إنستغرام، ولكن أيضًا في تشكيل حركة تضامن عربية ودولية واسعة في دعم النضال الفلسطيني.
وبناءً على الأحداث الأخيرة، يبدو أن مستخدمي منصتي TikTok وInstagram الفلسطينيين ومؤيديهم قد نجحوا في تحقيق تأثير كبير على الساحة الافتراضية، على الرغم من وجود موارد محدودة، إلا أنهم نجحوا في إطلاق حملة عالمية لنصرة قضيتهم، هذا النجاح يعكس قدرتهم على الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالتهم وجعلها محور اهتمام العالم.
ويظهر هذا الإنجاز أن النشطاء الفلسطينيين على الإنترنت قادرون على تحقيق تأثير كبير والوصول إلى جمهور عالمي، وهذا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على قضيتهم ويجعلها في مركز الاهتمام العالمي.
وحسب تقدير الخبراء الإسرائيليين الذين يتابعون ويواكبون هذا التطور، يمكن أن يلعب هذا الجيل الشاب، الذي يُجيد التحدث بلغات متعددة ومتصل بالعالم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل المجتمع الفلسطيني، وربما يقوده. إذاً، "إسرائيل"، التي اعتادت على التعامل مع نفس القادة لعقود في مناطق الضفة الغربية وغزة، قد تجد نفسها مفاجأة مرة أخرى أمام تغيرات وتحولات جديدة في المنطقة، وخاصةً من قبل هذا الجيل الشاب الذي يمتلك قدرات تواصل قوية وقد يكون له تأثير كبير على المشهد السياسي والاجتماعي في المنطقة.
المقاومة هي الحل
مع اقتناع كل فلسطيني بأن الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذا العدو هي المقاومة باستخدام أي وسائل مهما كانت بسيطة، يظهر بوضوح أن استخدام الصهاينة للقوة المفرطة للقضاء على حالة المقاومة في فلسطين هو خطأ استراتيجي خطير، وإن ذلك ينعكس مباشرة على وضع المقاومة، ويكشف عن ضعف وفشل الكيان الإسرائيلي الذي يعتمد دائمًا على العنف المفرط، وقد تطورت وسائل المقاومة في الضفة الغربية وأكدت الوقائع أن الاحتلال فقد السيطرة، وهذا ما اعترفت به وسائل الإعلام العبرية، ويشير ذلك إلى فشل "إسرائيل" في مواجهة المقاومة في المستقبل والحاضر، والتي تزايدت في المنطقة بشكل كبير ومتنوع، ولن تتوقف إلا برحيل هذا الاحتلال المقيت.
وكدليل على ذلك، يظهر أن الأحداث اتخذت منحى تصاعديًا مختلفًا عن كل ما شهدته المنطقة من قبل، وذلك باستخدام وسائل متنوعة ومفاجئة للقيادة الأمنية والعسكرية للكيان الإسرائيلي.
في الوقت الذي يحاول فيه العدو احتواء الوضع في الضفة والقدس والحدود اللبنانية، يصعب عليه الأمر أكثر فأكثر بسبب التصاعد في المواجهة ضد جنوده ومستوطنيه في محيط غزة، وتتزايد المخاوف الإسرائيلية بشكل مستمر، في حين يستمر رجال المقاومة الفلسطينية في دعوة التصعيد في المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في جميع أنحاء المدن الفلسطينية وفي الضفة الغربية المحتلة. ويستفيدون من ما يجري لإشعال شرارة المقاومة من جديد بطريقة لم تعتد عليها القيادات الصهيونية، ولن تستطيع التعامل معها بسهولة.
في النهاية، يشهد العالم بوضوح على الفشل الكبير لحكومات الكيان الإسرائيلي في محاولاتها للقضاء على حالة المقاومة المتزايدة في فلسطين، ومن المؤكد أن الأمور ستزداد سوءًا بالنسبة للإسرائيليين، إذ يبدي الكيان الإسرائيلي عجزًا في إدارة الأمور بشكل سلمي وبالسبل الدبلوماسية، إذ يعتمد على القوة والعنف كوسيلة فاشلة للسيطرة، وإن الإجرام والعنصرية الواضحة هي ما يشكل وقودًا أساسيًا للانتفاضات والثورات والمقاومة في المنطقة، وهذا يعني نهاية أمن كيان الاحتلال بشكل دائم، إضافة إلى ذلك، يشهد جيش العدو الإسرائيلي تصاعد التصعيد بينه وبين الشعب الفلسطيني، ما يجعل الصراع مع الاحتلال الغاصب أكثر تعقيدًا. وقد أصبح الشعب الفلسطيني قادرًا على تغيير الديناميات في الضفة المحتلة والقدس من خلال تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال والمستوطنين إلى حالة من الرعب المستمر، ما يسهم في تحقيق التحرر من الاحتلال الغاشم.