الوقت- لطالما كانت الهجرة العكسية أو "رحلة اللاعودة" من فلسطين المحتلة إلى الدول الأوروبية وحتى أمريكا من أكبر التحديات التي تواجه صناع القرار في تل أبيب، والتي عانوا منها منذ العقود الماضية. كانت المشاريع التي صممتها ونفذتها مختلف حكومات الكيان الصهيوني لبناء المستوطنات في مناطق مختلفة من فلسطين بهدف بقاء الأغلبية اليهودية في فلسطين.. مشاريع تاريخية.
لكن الإحصائيات الأخيرة التي نشرها معهد الإحصاء التابع للکیان الصهيوني تظهر أن عدد اليهود والعرب في فلسطين متماثل تقريبًا ووصل إلى التوازن. حيث بلغ عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة نفس عدد العرب.. سبعة ملايين نسمة.
وعليه، فإن الکیان الصهيوني ومسؤوليه يتعاملون مع تحدي "الهجرة العكسية" بحساسية وحذر كبيرين، وحاولوا دائمًا إخفاء العدد الحقيقي للمهاجرين الصهاينة؛ لأن الكشف عن هذه الإحصائيات سيضر بمشاريع إسرائيل للسيطرة على فلسطين وتدمير هويتها التاريخية.
وفي السياق ذاته، قالت "ايليت شكيد"، وزيرة الداخلية في حكومة الكيان الصهيوني المستقيلة، في مقابلة مع القناة 13 التلفزيونية التابعة لهذا الکیان، عن دعوات الشباب الإسرائيلي بالهجرة من الأراضي المحتلة، نقول لهؤلاء الشباب ألا يتسرعوا في قرار الهجرة، بالطبع نحن نتفهم مخاوف الإسرائيليين من أداء الحكومة الجديدة.
وفي هذا الصدد، أفادت وسائل الإعلام الصهيونية بأن الشباب الإسرائيلي الناشط في مجال التكنولوجيا المتقدمة قد طلب الهجرة من إسرائيل (فلسطين المحتلة) خوفا من سياسات الحكومة الجديدة والقوانين التي تعطي الكثير من الصلاحيات للمتطرفين الحريديم والأحزاب الدينية.
وحسب هذا التقرير، فإن الشباب الصهيوني قلقون من السياسات المتطرفة لأشخاص مثل بتسلئيل سموتريتش، الزعيم المتطرف للحزب الصهيوني الديني، الذي أعطى العديد من الامتيازات والإعفاءات لأتباعه ووضع عبئهم على أكتاف العلمانيين.. حتى أنه وفقًا للقوانين التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، فإن راتب الطالب في مؤسسة دينية تابعة للحزب الصهيوني الديني أعلى بكثير من حقوق جندي في الوحدات القتالية في الجيش.
أعلنت صحيفة "معاريف" العبرية، عن تفاصيل قرار الصهاينة الهجرة من فلسطين المحتلة، أن مجموعة الشباب الإسرائيلي المسماة "معًا نترك إسرائيل" حددت هدفها الأول بهجرة 10.000 إسرائيلي. وكان أحد قادة هذه المجموعة ويدعى "ينيو غورليك" أحد النشطاء المركزيين في التظاهرات ضد بنيامين نتنياهو. غوريليك هو أيضًا ناشط اجتماعي بارز ضد الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة.
ونقلت هذه الصحيفة عن رجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي مردخاي كاهانا قوله: "بعد سنوات من تهريب اليهود من مناطق الحرب في اليمن وأفغانستان وسوريا وأوكرانيا إلى إسرائيل (فلسطين المحتلة)، هذه المرة قررتُ مساعدة الإسرائيليين للذهاب إلى أمريكا.
وحسب ما ورد في الصحيفة العبرية، فإن مردخاي كاهانا هو ناشط في إحدى الجماعات الإسرائيلية الأمريكية التي شاركت في الانتخابات الأخيرة للمؤتمر الصهيوني العالمي وفازت أخيرًا بعدد كافٍ من الأصوات لإرسال ممثل إلى هذا المؤتمر في فلسطين المحتلة.
وأضاف كاهانا إن أعضاء الحزب الإسرائيلي الأمريكي يعتقدون أنني متطرف بعض الشيء، وقلت لهم إذا استمرت الأمور في التدهور في إسرائيل، فقد حان الوقت لإيجاد بديل للحركة الصهيونية. لا أريد تدمير إسرائيل وماذا سيحدث إذا حدث ذلك؟
وحسب معاريف، تلقى رجل الأعمال والناشط الأمريكي الإسرائيلي عشرات طلبات المساعدة من إسرائيليين للهجرة، وخاصة من أولئك الذين يديرون شركات تكنولوجيا صغيرة ويريدون نقل مكاتبهم من الأراضي المحتلة إلى الولايات المتحدة.
قال كاهانا لقد وجدت مجموعة WhatsApp تتحدث عن انتقال إسرائيليين إلى رومانيا أو اليونان، لكنني شخصياً أعتقد أنه من الأسهل عليهم الانتقال إلى أمريكا. لدي مزرعة كبيرة في نيوجيرسي، وعرضت على الإسرائيليين القدوم إلى هناك حتى نتمكن معًا من تحويل هذه المزرعة إلى مستوطنة.
وتابع إنه على الرغم من تشكيل مثل هذه الحكومة في إسرائيل (فلسطين المحتلة)، يجب على الحكومة الأمريكية السماح لأي إسرائيلي يمتلك شركة أو مهنة مطلوبة في الولايات المتحدة بالهجرة إلى أمريكا، بما في ذلك الأطباء والطيارون..و وفقًا لكاهانا، لم يعرف اليهود أبدًا كيف يحكمون ومقدر لهم أن يكونوا منفيين.
هذا في الوقت الذي يتصاعد فيه الجدل حول تداعيات تولي حكومة نتنياهو الفاشية السلطة يومًا بعد يوم بين الدوائر الإسرائيلية، ويخشى الصهاينة من تدهور جيش الکیان وانفجار الوضع في الضفة الغربية نتيجة لسياسات أناس مثل إيتمار بن غفير و سموتريتش".
وفقًا لصحيفة معاريف العبرية، أنشأ نشطاء الحركة الإسرائيلية للهجرة المنشأة حديثًا حسابات على الشبكات الاجتماعية لمساعدة الإسرائيليين الذين ينوون الهجرة إلى 26 دولة، بما في ذلك كندا ورومانيا وأوكرانيا وأستراليا وتايلاند وألمانيا واليونان والبرتغال واسبانيا والولايات المتحدة
في السابق، كان الهروب والهجرة العكسية من فلسطين المحتلة يشمل الناس العاديين، لكن اليوم وصلت هذه المشكلة أيضًا إلى حملة الشهادات الجامعية العليا والمهنيين ومعظم الناس الذين يعيشون في هذه الأرض.
وحسب الإحصائيات التي نشرها الكيان الصهيوني عام 2020، فإن قرابة 170 ألفًا من سكان الأراضي المحتلة ليس لديهم إقامة دائمة هناك، وعلى الرغم من جهود سلطات هذا الکیان لاستقطاب اليهود من جميع أنحاء العالم، فإن 47٪ فقط من سكان الأراضي المحتلة يسكنون فعلاً في فلسطين من 14.7 مليون يهودي حول العالم.
وفي الوقت نفسه، فإن وجود اليهود في أمريكا ودورهم السياسي في تحديد العملية السياسية لهذا البلد أمر بالغ الأهمية. بقدر ما تظهر معلومات مركز الدراسات الحيوية الصهيوني في عام 2020، فإن اليهود هم المجموعة الأكثر وضوحًا التي لديها وجود دائم في أمريكا، وبالطبع معظمهم ينتمون إلى الحزب الجمهوري.
ولكن فيما يتعلق بمدى اهتمام اليهود الأمريكيين بإسرائيل، أعلن مركز الدراسات الحيوية الصهيوني أنه من بين 37٪ من البالغين اليهود في أمريكا، فإن أكثر من 16٪ لا يهتمون بإسرائيل وأن الهوية اليهودية فقط مهمة بالنسبة لهم.
تقدر مراكز الإحصاء والدراسات التابعة للکیان الصهيوني أنه منذ بداية عام 2020 زاد عدد السكان العرب في فلسطين بنسبة لا تقل عن 50٪ مقارنة باليهود، وإذا استمرت الهجرة العكسية للإسرائيليين بالطريقة نفسها، فإن الأمن والوضع السياسي لهذا النظام سيصبح أكثر خطورة ودور المقاومة العربية ضد إسرائيل سيكون أكثر رواجاً.
الشعور بعدم الانتماء إلى أرض فلسطين وبلدها، وضرورة إيجاد "وطن ثان" وجنسية غير إسرائيلية، والشعور بانعدام الأمن وانعدام آفاق المصالحة مع الفلسطينيين ودول المنطقة، وخاصة في البلدان المجاورة لفلسطين، مشاكل المعيشة وازدياد الجريمة داخل الأراضي المحتلة والقلق من الحرب مع قطاع غزة واندلاع انتفاضة القدس، والتي تزيد من الشعور بانعدام الأمن بين المستوطنين الإسرائيليين، من بين العوامل المهمة التي تدفع الصهاينة نحو الهجرة العكسية.