الوقت- مُخطئٌ الكيان إذ يظنُّ أنّ اتفاق التطبيع مع دويلة الإمارات التي ادّعت يوماً أنّها مُتحدة، قد يجلب له الأمان الذي ينشده منذ تأسيسه قبل سبعين عاماً، والآن وبعد توقيع هذه الاتفاق بات ظاهراً للعيان أنّ الأيّام أصبحت أقرب مما قد يتخيّله الكيان، وبات الكيان يتمنى أنّ اتفاق التطبيع لم يكن وبقيت العلاقات تحت الطاولة من دون أن يُحدث الاتفاق تلك الجلبة التي أحدثها، فُحلفاؤه باتوا اليوم مُهددين بالتلاشي والاندثار بعد أن صار الإماراتيون يُلوّحون بثورةٍ تقتلع عيال زايد من حُكم الإمارات، خصوصاً وأنّ اتفاق التطبيع المشؤوم جرى من دون التنسيق مع بقيّة حُكام الإمارات، أو حتى دون استفتاءٍ شعبي ولو صوري من شأنه أن يُعطي الاتفاق بعض الشرعيّة.
الاتحاد في مهب الريح
في مُحاولة لذرِّ الرّماد في العيون؛ خرج عبد الله بن زايد محاولاً التخفيف من أثر الصدمة على المجتمع الإماراتي أولاً وبالأخص بقيّة حُكّام الإمارات الخمس، وثانياً على المجتمع العربي والإسلامي، ليؤكد أنّ موقف دويلته "ثابت" من القضيّة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وأنّ الإمارات مُلتزمة بمبادرة السلام العربية التي تهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتكثيف الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط وفق المعايير الدولية وقرارات الشرعية ومبادرة السلام العربية ومبادئ مدريد.
ما كان عيال زايد يُقدمون على هذا "الاعتذار" المُبطّن لولا أنّهم وجدوا أنفسهم قد تورّطوا في ذلك الاتفاق، ولم يعد بمقدورهم المُتابعة به أو التنازل عنه، حيث بات واضحاً أنّ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي وبإعلانه اتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي انقلب على مبادئ الدستور الإماراتي لما به من تهميشٍ لجميع حكام الدولة وفئاته المختلفة.
أكثر من ذلك؛ يبدو الانقسام الإماراتي واضحاً من خلال عدم تأييد حُكّام الشارقة، عجمان، رأس الخيمة، أم القيوين والفجيرة لهذا الاتفاق، كما أنّهم لم يصدروا أيَّ بيانٍ يؤيدون فيه اتفاق التطبيع، كما خرج بعض أبناء تلك المشيخات ليؤكدوا أنهم مع الحق الفلسطيني والمُقاومة الفلسطينية، حيث خرجت ابنة حاكم الشارقة لتؤكد أنّها "فلسطينية" كردٍ على اتفاق التطبيع الاستسلامي.
أما الأشد والأكثر مضاضة أنّ اتفاق التطبيع قد يُحوّل الإمارات إلى كتلةٍ من نار، فاتفاق التطبيع هذا من شأنّه إيجاد الأعذار لعدد كبير من المجموعات لتنفيذ أعمال انتقاميّة واسعة النطاق داخل الإمارات، فسابقاً منعت أجهزة المخابرات الإماراتية مثل هذه الهجمات، ومن المؤكد أنها ستحصل على المزيد من المساعدة نتيجة لهذه الاتفاقية من الشريك الجديد (الكيان الإسرائيلي) لكن ومع ذلك، سيكون من الخطأ تجاهل العاطفة التي لا تزال موجودة لدى الكثير من الناس الذي ينظرون إلى قضية فلسطين على أنّها قضيّة العرب والمسلمين الرئيسة.
ضربة للكيان
وبالابتعاد عن الإمارات؛ تبيّن أنّ الاتفاق وكما كان شؤماً على الإمارات، كان كذلك على الكيان، حيث بات ساسة الكيان يخشون من إقدام السلطة الفلسطينيّة على خطوة انتحاريّة ستقلب الطاولة على الكيان، ففي حال قررت السلطة الفلسطينية -وهي مؤسسة يُتوقع منها قيادة مرحلة انتقالية فقط نحو الدولة الفلسطينية المنشودة- حل نفسها في ظل غياب تضامن عربي من شأنه الحفاظ على الحقوق الفلسطينيّة، سيؤدي هذا الأمر إلى إجبار الكيان الإسرائيلي على تحمل مسؤوليات أمنية كبيرة مباشرة تتولاها السلطة الفلسطينية الآن، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة التوترات داخل فلسطين المُحتلة، وهو الأمر الذي سيُكلف الكيان أثماناً لن يصل إليها من خلال اتفاقه على التطبيع مع الإمارات.
أكثر من ذلك؛ إنّ اتفاق التطبيع هذا وكما يقول ساسة الكيان كان من الأفضل له البقاء تحت الطاولة، كون خروجه للعلن لن يكون له أيّ فائدة، كما أنّ بقاءه غير مُعلن من شأنه تنفيذ كل سياسيات الكيان دون الإضرار بمصالحه، خصوصاً داخل الكيان المُلتهب أساساً.
وفي النهاية فإنّ اتفاق التطبيع شكّل ضربة قاسمة للسلام المجتمعي الذي كانت تتغنى به الإمارات طوال عقود، فبعد إعلان ذلك الاتفاق؛ وجد عددٌ كبير من الإماراتيين في ساحات التواصل الاجتماعي المكان المُلائم ليُعبِّروا عن سخطهم من هذا الاتفاق، وخرج عددٌ كبير منهم بمقاطع مصوّرة لانتقاد هذه الخطوة، وخصوصاً أولئك الذين يعيشون في الخارج، ليؤكدوا أنّ الاتفاق لا يشملهم ولا يشمل أيّ إماراتي وأنّهم في حلٍ منه، مُهددين أيّ مصالح للكيان داخل الإمارات.