الوقت- الكتل النيابية العراقية وقادتهم الذين يمتلكون بيدهم كل مقدرات الدولة وصنع القرار، يملأون الفضائيات والصحف وشبكات الإنترنت، وتصريحاتهم وخطبهم ومحاضراتهم وجولاتهم وزياراتهم التي تملأ الأرجاء عجزت عن تجنيد مقاتل واحد ليدافع عن العراق في وجه جماعات التكفير، والموصل بين ليلة وضحاها سقطت، ولعل التظاهرات الأخيرة التي شهدتها بعض المحافظات العراقية لا سيما الجنوبية نابعة من حس شعبي بتقصير حكومي في معالجة قضاياهم إن كانت الأمنية أو المعيشية. والتقصير الحکومي قد يسند له تبرير حجم التحديات التي يواجهها العراق، فمن الإحتلال الأمريكي وما خلّفه من تبعات وآثار وأوجه تدخل لا زالت حاضرة إلى يومنا هذا، إلى تدخل بعض الحكومات العربية في الشأن العراقي من خلال دعمها جماعات التكفير إلى جماعات التكفير انفسهم وما أحدثوه ويحدثوه من قتل ودمار وتخريب، هذه التحديات هي ما قد تعطي تفسيراً لأحد أسباب عجز المسؤولين فيها عن أداء مهامهم المطلوبة إن أُحسن التقدير.
حكمة المرجعية هي المعيار
العمدة الأساس في العراق والتي لم يكن حجم التحديات عامل ضعف لديها بل قوة هي المرجعية الدينية العليا والمتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، فقوة المرجعية لا يحدها حجم تحديات ولا قوة عدو ولا أي مواجهة صعبة، إنها استمدت قوتها من حكمتها ورؤيتها البيّنة والواضحة للأمور والقضايا، وبذلك صارت بأعين الناس الملجأ والحل، وصار لها قاعدة اجتماعية واسعة. فالمرجعية الدينية انطلقت من حكمتها ورؤيتها البيّنة وبسلم تصاعدي لتدخُل قلوب الشعوب أما الحكومات فانطلقت من سيطرتها على مقاليد الحكم وفق سياسات ومصالح اتت بهم وانطلقوا منها لتكوين شعبية ففشلوا.
رؤية المرجعية الدينية
تنطلق المرجعية الدينية من رؤيتها ونظرتها لشكل الدولة التي يجب أن تكون عليه، شكل الدولة هذه والتي تبتني على مبادئ وروح الاسلام أخذاً بعين الإعتبار خصوصية البلد، فأهم المرتكزات الإسلامية هي الحرص على حفظ المشتركات بين الأطياف العراقية، بل العمل على تعزيز هذه المشتركات والتعاون والتحاور والتواصل بناءً عليها، والنظر بعين واحدة للجميع من دون استثناء على أنهم أبناءه الواجب عليه حفظهم ورعاية شؤونهم. هذه الرؤية جعلت من المرجعية الدينية في العراق محط اعجاب وتقدير واحترام كافة الأطياف العراقية مع اختلاف انتماءاتهم المذهبية والعرقية وهو ما برز بوضوح من خلال لجوء الكثير من الفعاليات ومشايخ العشائر ومسؤولي الدولة من جميع المذاهب للمرجعية لحل القضايا العالقة التي واجهتهم، وهو ما يفسره تصريحات علماء الدين ومرجعيات الطوائف المتعددة من أن السيد السيستاني هو مرجعية شاملة للجميع. والمرتكز الثاني الذي تعمل عليه المرجعية الدينية هو الحفاظ على نظام الأمة وبنيته بمعنى حفظ المجتمع من الإنهيار في جوانبه المتعددة الإجتماعية والدينية والإقتصادية والأمنية والتي بحفظها يمكن حفظ كيانه واستقراره.
مفاصل اساسية هددت العراق
1- مع دخول قوات الإحتلال الأمريكي للعراق ولتحقيق أهدافها بنهب ثروة الشعب العراقي ومصادرة القرار، عملت وأعوانها في المنطقة والمتمثلة بأنظمة بعض الدول على السعي لضرب وحدة النسيج العراقي من خلال اثارة النعرات المذهبية والطائفية، وتفخيخ السيارات وتفجيرها في مناطق مختلفة المذهب والقومية في إيحاء منهم أن المذهب الآخر هو من يقوم بذلك لإعتبار أن منفذ التفجير ينتمي إلى أحد هذه المذاهب، لتأتي سلسلة من فتاوى المرجعية التي أوضحت للشعب مخطط الإحتلال من جهة وحرمة قتل المسلم أخاه المسلم فضلا عن غيره من الأديان، وجاءت استجابة وتفاعل الشارع العراقي مع هذه الفتاوى كضربة قاسمة بوجه الإحتلال وأذنابه.
2- مخطط التقسيم هو المخطط الآخر الذي لجأت إليه أمريكا واعداء شعوب المنطقة، وهي استخدمت لهذا المخطط وليدها داعش واشباهه من الجماعات التكفيرية الأخرى، هذه الجماعات التي تمكنت في اللحظات الأولى من اسقاط الموصل وكانت تعمل على المضي في مشروعها التدميري امام ضعف الإرادة لدى الحكومة، فجاءت فتوى المرجعية الدينية بضرورة الجهاد الكفائي لمحاربة هذه التنظيمات التكفيرية من خلال مساندة الجيش العراقي لأداء هذه المهمة. واستجاب الشارع العراقي لهذه الفتوى من كافة المذاهب والقوميات، من شيعة وسنة وأكراد وغيرهم الذين لبوا نداء المرجعية وحموا العراق من امتداد المشروع التدميري الأمريكي الداعشي، واليوم أصبحت قوى الحشد الشعبي العدو اللدود لأمريكا واعوانها ليس لأنه وقف بوجه المخطط الأمريكي الداعشي فقط بل وضع حداً وإلى الأبد للتدخل الأمريكي في العراق أيضاً ومنح العراق قوة لا يستهان بها ولا يمكن لأحد أن يقف بوجهها بعد.
3- تحديات العراق وإن كانت أولويتها تلك المتمثلة بالجانب الأمني إلا أن مطالب الشعب بضرورة تحقيق اصلاحات تضع حدا للهدر الحاصل وترفع من مستوى ظروف المعيشة في بلد يتمتع بثروة نفط هائلة هي أيضا ضرورة لازمة، ومن هنا كانت النظرة الأبوية للمرجعية الدينية من جهة ولتفويت الفرصة على اعداء الشعب العراقي للإستفادة من اجواء التظاهرات من جهة أخرى، هذا وإلى رؤية المرجعية بضرورة الحفاظ على نظام الأمة وبنيته جاءت فتوى المرجعية الدينية بضرورة اجراء اصلاحات تحفظ البلاد وتضع الأمور في نصابها الصحيح وتلبي حاجات الشعب العراقي المحقة.