الوقت - تواجه العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي مرحلة حرجة بعد قرار محكمة العدل الأوروبية إلغاء اتفاقيتين تجاريتين تتعلقان بالصيد البحري والزراعة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه الشراكة الاستراتيجية.
منذ أن أوقف المغرب الاتصالات مع الاتحاد في فبراير 2016 ردًا على حكم أولي للمحكمة، شهدت العلاقات تقلبات عديدة، ومع القرار الأخير، يتزايد القلق بشأن تأثير ذلك على التعاون الثنائي، رغم تأكيدات المسؤولين الأوروبيين على أهمية الحفاظ على هذه الشراكة.
يتناول هذا التقرير التطورات الأخيرة في العلاقات المغربية الأوروبية، والتحليلات المتعلقة بتأثير القرار على مستقبل التعاون بين الجانبين.
تدخل العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي مرحلة حرجة بعد قرار محكمة العدل الأوروبية قبل أسبوعين إلغاء اتفاقيتين تجاريتين بين الجانبين تتعلقان بالصيد البحري والزراعة.
في الـ25 من فبراير 2016، قرر المغرب وقف الاتصالات مع الاتحاد ردًا على حكم أولي صادر في ديسمبر 2015، والذي ألغى إحدى الاتفاقيتين بسبب احتوائها على منتجات من إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.
وفي مارس الماضي، استأنفت الرباط الاتصالات مع بروكسل بعد تلقيها تطمينات بإعادة الأمور إلى نصابها.
ومع ذلك، في الـ 4 من أكتوبر الجاري، أصدرت المحكمة الأوروبية قرارًا نهائيًا غير قابل للاستئناف بإلغاء الاتفاقيتين، مشيرة إلى شمولها سواحل ومنتجات إقليم الصحراء، ما قد يضع العلاقات الثنائية على مفترق طرق.
رغم تأكيدات المسؤولين الأوروبيين على "الحفاظ على الشراكة مع المغرب"، إلا أن الرباط أبدت رفضها القاطع للقرار ووجهت انتقادات حادة للمحكمة، وقد أشار أكاديمي مغربي، في حديثه للأناضول، إلى أن قرار المحكمة لن يؤثر على العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، نظرًا لأن مؤسسات الاتحاد المعنية بالسياسة الخارجية هي المجلس والمفوضية، وليس المحكمة.
كما قام المغرب بتوسيع شراكاته مع دول مثل الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى تجمعات إقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول شرق آسيا (آسيان)، ما جعله أقل اعتمادًا على شركائه التقليديين، وخاصة الاتحاد الأوروبي.
وفي سياق رفض قرار المحكمة، أكدت الخارجية المغربية على ضرورة اتخاذ المؤسسات الأوروبية التدابير اللازمة لاحترام التزاماتها الدولية، مطالبة بالحفاظ على مكتسبات الشراكة وتمكين المغرب من الضمانات القانونية اللازمة.
علق محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي في طنجة، على قرار المحكمة الأوروبية، مشيرًا إلى أن العلاقات المغربية الأوروبية "تتميز بأبعاد متعددة".، وأوضح بوخبزة في حديثه للأناضول أنه يجب التمييز بين العلاقة التي تربط المغرب بمؤسسات الاتحاد الأوروبي والعلاقات مع كل دولة من دول الاتحاد بشكل منفصل.
وأضاف إن العلاقات المغربية مع الدول الأوروبية تتفاوت، حيث تكون متقدمة مع غالبية الدول بينما تكون عادية مع بعض الدول الأخرى، مؤكدًا عدم وجود توترات أو مشاكل مع أي من دول الاتحاد.
وفيما يتعلق بعلاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، أشار بوخبزة إلى أن "العلاقات قوية مع المؤسسات التي تدير السياسات الخارجية في أوروبا، مثل المجلس والمفوضية"، وأكد أن هاتين المؤسستين حريصتان على بناء وتعزيز العلاقات مع المغرب من خلال الزيارات المتبادلة ونوعية الاتفاقات.
ورجح الأكاديمي المغربي أن قرار المحكمة الأوروبية "لن يؤثر على العلاقات بين الطرفين"، مستندًا إلى أن "المؤسسات التي تحدد وتنفذ السياسة الخارجية في الاتحاد هي المجلس والمفوضية، وليس المحكمة".
من جانبها، أكدت الخارجية المغربية أنها تعتبر نفسها "غير معنية" بقرار محكمة العدل الأوروبية، مشيرة إلى أن المغرب لم يكن طرفًا في القضية التي تخص الاتحاد الأوروبي وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. واعتبرت الرباط أن مضمون القرار يحتوي على "عيوب قانونية واضحة وأخطاء في الوقائع"، معربة عن قلقها من "جهل تام بحقائق الملف".
وأكد المغرب عدم التزامه بأي اتفاق لا يحترم وحدته الترابية، مشيرًا إلى أنه يقترح حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تطالب جبهة البوليساريو باستفتاء لتقرير المصير، وهو ما تدعمه الجزائر.
وفي أول رد فعل أوروبي، أشار كل من جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، وأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، إلى أن المفوضية "أحيطت علمًا" بقرار المحكمة وتحلله بالتفصيل، وأكدا على أهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، التي وصفاها بأنها "طويلة الأمد وواسعة".
كما أعرب وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس عن احترام بلاده لقرار المحكمة، لكنه أكد في الوقت نفسه على أهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب.
وأشار بوخبزة إلى أن المغرب قد حسم مسألة تنويع شركائه، حيث لم يعد يعتمد على جهة واحدة في سياسته الخارجية، بل أقام شراكات استراتيجية مع دول مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تجمعات إقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وشدد الأكاديمي على أن المملكة لم تعد رهينة لشركائها التقليديين، ما منحها حرية أكبر في التحرك على الساحة الدولية.
كما تفوق العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي 60% من إجمالي مبادلات المغرب التجارية، حيث تمتلك المملكة منذ أكتوبر 2008 صفة "الوضع المتقدم" مع الاتحاد، ما يتيح لها الاستفادة من اتفاقيات وتمويلات متعددة.
في ختام هذا التقرير، يتضح أن العلاقات المغربية الأوروبية تمر بفترة حساسة تتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح الوطنية والتعاون الدولي، رغم التحديات التي تطرحها القرارات القضائية الأوروبية، يبدو أن المغرب قد تمكن من تنويع شركائه الاستراتيجيين ما يمنحه حرية أكبر في التعامل مع الوضع الراهن، ويبقى الأمل معقودًا على أن تستمر الجهود المبذولة من كلا الطرفين للحفاظ على الشراكة وتعزيزها، بما يعود بالنفع على الجانبين في مختلف المجالات.