الوقت - كشفت تصريحات رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم، حول "تهاوش" بلاده مع السعودية على الصيدة (سوريا) جانباً من حقيقة الخلاف.
الخلاف الذي لا يختلف إثنان على كونه صراع زعامة في الإقليم انتقل إلى العديد من الملفات بدءاً من البيت الخليجي نفسه، أزمة السفراء السابقة والأزمة الحالية، مروراً بالتهاوش على الصيدة السورية التي "فلتت"، وليس انتهاءً بالقضيّة الفلسطينية التي كانت، ولا زالت إحدى ساحات الاشتباك الرئيسية بين البلدين.
قد يغفل البعض عن كون القضيّة الفلسطينية أحد أهم جوانب الخلاف السعودي القطري لأسباب تتعلّق بمركزيّة القضيّة الفلسطينية وأهميتها على الصعيد العربي تارة، وأخرى تتعلّق بمركزية الطرف الممسك لهذا الملف في العلاقة مع أمريكا. ولعل التغافل عن هذا الجانب من الخلاف يعدّ إجحافاً بحقّ القضيّة الفلسطينية، فضلاً عن كونه يرسم صورة ناقصة للمشهد الخليجي، أكثر الملفات سخونة في الفترة الحاليّة.
بصرف النظر عن الأهداف القطريّة، سواء كان الأمر زعامة إقليمية أو ميول إخوانيّة، لعبت الدوحة دوراً بارزاً في دعم حركة حماس في أحلك الظروف، والتي كانت للدوحة وأنقرة دور بارز فيها عبر توريط الحركة بما لا تطيق. وإضافةً إلى الدعم الاقتصادي والسياسي، تبنّت قطر خطاباً إعلامياً بارزاً تجاه القضيّة الفلسطينية بشكل عام، وحركة حماس على وجه الخصوص، لكن هذا الدعم لم يمنع الدوحة من التواصل مع أمريكا فيما يخص القضيّة الفلسطينية وحركة حماس بغية إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
المواقف القطرية تسبّبت بامتعاض إسرائيلي من دعم الأولى لحركة حماس، لاسيّما ابان استضافتها للقيادة السياسيّة للحركة الأمر الذي شكّل مصدر قلق وإزعاج للكيان الإسرائيلي الذي اختار الاصطفاف في المعسكر المعادي لدولة قطر في الأزمة الخليجية. فما لبثت أن أصدرت دول الحصار قرار المقاطعة حتى بدأت ردود الفعل الإسرائيلية تخرج بالترحيب العلني بهذه الخطوة، باعتبارها تغييرًا مهمًا طرأ على طريقة تعامل دول المنطقة مع "إسرائيل" التي وصفت هذه الدول بالشريكة-وليست عدوة- في الحرب ضد الجماعات الإسلامية وداعميها.
الموقف السعودي
بخلاف الموقف القطري، بدا الموقف السعودي أكثر تزمّتاً تجاه المقاومة الفلسطينية وأكثر انفتاحاً على الكيان الإسرائيلي عبر مقدّمات تطبيعية قادها الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، وسفير المملكة السابق بواشنطن، ومستشار الملك السعودي اللواء أنور عشقي.
فلسطينياً، انحازت السعودية لحركة فتح مقابل حركة حماس، ليس آخرها ما كشفه موقع "i24" الإسرائيلي، نقلا عن مصدر فلسطيني، حول تفاصيل "صفقة ترامب" للسلام، التي يجري العمل عليها، في ظل ضغط سعودي على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للقبول بـ"فقاعة" ترامب أو الاستقالة.
توضح المصادر أن عباس الذي توجه بشكل مفاجئ للسعودية قبل أيام لمناقشة قضايا إقليمية مع المسؤولين السعوديين، إضافة للمصالحة الفلسطينية، ناقش أيضا المقترحات الأمريكية التي عرضت على السعودية، ومن ضمنها خطة السلام التي ينوي ترامب عرضها ضمن مسعاه لتحقيق السلام في المنطقة. وتشير المصادر إلى ان عباس تعرّض للضغط في اللقاء الذي جمعه مع الملك السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حيث تمّ تخييره بين صفقة ترامب أو الاستقالة وذلك بعد اطلاعه على مستجدات اللقاء الذي جمع القيادة السعودية بالمبعوث الأمريكي الخاص لعملية السلام جيسون غرينبلات، وجارد كوشنير مستشار الرئيس الأمريكي، خلال زيارتهما "السرية" للرياض قبل نحو أسبوعين.
في الأزمة الخليجية، بدا الانحياز الإسرائيلي واضحاً للجانب السعودي وهو ما دفع بالعديد من المسؤولين الإسرائيليين لوصف الخطوة بالمقدّمة لفتح الباب أمام "إسرائيل" للمشاركة في مكافحة ما تسميه الإرهاب، وهنا يقصد المقاومة، وليس الإرهاب الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني ولا السعودي بحقّ الشعب اليمني.
إذاً، يبدو واضحاً أن الخلاف القائم في مقاربة القضيّة الفلسطينية في قطر والسعوديّة، يعد أحد أسباب الخلاف الرئيسيّة بين الجانبين، ففي حين تسعى الدوحة للعب دور إقليمي بارز على حساب رعاية حركة حماس، وبالتالي الحصول على دور يفوق وزنها الديموغرافي عبر استخدام القضية الفلسطينية كمطيّة سياسيّة، هناك دأب سعودي لتصفية القضيّة الفلسطينية التي تراها الرياض اليوم تخدم مشروع محور المقاومة، فضلاً عن كون هذا الدور سيؤدي إلى حصول رضى امريكي تام على الرياض.
ورغم أن العديد من الأصوات التطبيعية السعوديّة قد لا تكون بعيدة عن السببين المذكورين، إلا أن الأرضية الخصبة للتطبيع في العائلة الحاكمة في الرياض هي التي دفعت بأمراء سعوديين للسير بمشروع التطبيع وحتى لو تطلّب الأمر زيارة أميرية إلى الكيان الإسرائيلي، ولو كانت هذه الشخصية متمثّلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
يخطئ من يعتقد اليوم أن الكيان الإسرائيلي هو الخطر الأكبر على القضيّة الفلسطينية، فالخطر الحقيقي يأتي اليوم من الخاصرة العربيّة التي تسعى لشرعنة الاحتلال مقابل شيطنة المقاومة. قد يبدو عجيباً هذا الكلام للبعض، ولكن فتّشوا عن صفقة القرن والأهداف التي يسعى إليها ترامب، من هم وكلائها ومن هم رعاتها في المنطقة، فاذا عُرف السبب بطل العجب!