الوقت – نشأت العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الأولى، ومع مرور الوقت اتسعت العلاقة بينهما وتجاوزت العلاقات التجارية والاقتصادية. ومنذ ذلك الحين، انسحبت الولايات المتحدة رسميا من عزلتها وعملت على ايجاد توازن مع التهديد الألماني، وبعد الحرب العالمية الثانية، لعبت الحرب الباردة أيضا هذا الدور ضد الاتحاد السوفيتي. وخلال هذه الفترة، وقفت الولايات المتحدة ضد التهديد السوفياتي والشيوعي من خلال زيادة وجودها العسكري والإيديولوجي.
واستمرت هذه العلاقة في شكل حلف الشمال الأطلسي "الناتو" وعبر الأطلسي، الذي استمر حتى الآن. ومن هنا فصاعدا، رأت الولايات المتحدة نفسها انها القوة العظمى في العالم، وسعت إلى إنشاء منظمات عالمية على النحو الذي ترغب فيه. لذلك لم يكن النظام الدولي فقط بعهدة الولايات المتحدة لفترة طويلة، بل ايضا كان بعهدتها أمن وسلام اوروبا. ولكن اليوم وُجدت للقدرة أبعاد مختلفة، وبالإضافة إلى ذلك، فقد اكتسبت الحكومات الأوروبية في ظل الاتحاد الأوروبي قدرات عسكرية كبرى، وهنا يأتي هذا السؤال إلى الذهن وهو: مع الوضع الحالي، ما هي طبيعة العلاقات الأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؟ هل لا تزال أوروبا مرتبطة بالولايات المتحدة أمنيا، وهل هي تابعة لها؟
فيما يلي أجوبة على هذه التساؤلات، حيث يُقسم النص التالي التحليل، إلى قضايا أمنية وغير أمنية، ومن ثم يناقش إمكانية التقارب أو الاختلاف في ذلك المجال.
1- الخلافات والتوافقات في العلاقات الأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة
ان العلاقات الأمنية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عموما سليمة ومستقرة. والحقيقة أن ما يقوله البعض عن وجود خلافات في العلاقات الأمنية بين هذين، كاذبة وعارية عن الصحة من الأساس لأن الولايات المتحدة تقود نظاما عالميا يقوم على مبادئ وقيم غربية مشتركة. لذلك يجب أن لا يشك في ذلك. ومع ذلك، قد تكون هناك خلافات حول نهج الولايات المتحدة الأحادية الجانب من قبل الاتحاد الأوروبي، ومنشأ هذه المخالفات هي كالتالي:
1-1- مكافحة الارهاب
وفي الوقت الحاضر، فإن أكبر مشكلة في العالم في رأي الغرب، هي الإرهاب والتطرف وكذلك سبل مكافحته. وتكتسب هذه القضية أهمية خاصة بالنسبة للغرب، خاصة بعد الهجوم على المدن الغربية الهامة مثل باريس ولندن و ... في أوروبا.
إن وحدة أوروبا والتقارب مع الولايات المتحدة لحل هذه المشكلة والمشاركة في تحالف عالمي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة هي من بين القضايا التي تنطوي عليها السياسات الحالية لكلى الجانبين، بما في ذلك تقاربهما مع بعضهما. وبشكل عام، وضعت الولايات المتحدة منذ 11 ايلول / سبتمبر، سياسة مكافحة الارهاب على رأس جدول اعمال الدول والمنظمات بما فيها منظمة حلف شمال الاطلسي "الناتو"، وفي الوقت نفسه، تم تعريف مكافحة الارهاب على انه إحدی قضايا الامن القومي في مختلف الدول.
ان قائمة مطالب الولايات المتحدة المُكونة من سبعة وأربعين طلبا من الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب في مجالات تمويل الإرهاب والأنشطة المصرفية لهم، والتعاون القضائي والأمني في المحيط الأطلسي، وتبادل المعلومات الشخصية والسرية للناس، والتعاون الاقتصادي، والرقابة الحدودية والامنية، ودعم الولايات المتحدة لعزل القضايا المالية والاقتصادية والسياسية للدول التي تدعم الإرهاب و ... جميعها تؤكد هذه النقطة.
وتتقارب كل من أوروبا والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، خاصة بعد الهجمات المختلفة في أوروبا، ولكن في الفترة الحالية لديهما نهج مختلف. في عهد أوباما، رأى الأوروبيون وأوباما أن جذور الإرهاب تكمن بين شعوب المنطقة وتحركاتهم المناهضة للغرب، وأن الحل الذي تم الاتفاق عليه بينهما هو التقرب من حكومات المنطقة، ولا سيما إيران والأنظمة الأمنية والسيطرة على الأسلحة، مثل الاتفاق النووي.
ولكن في عصر ترامب، هناك خلافات. فبالإضافة لوجود خطط لإرسال 4 آلاف جندي أمريكي تحت إطار حلف الشمال الأطلسي "الناتو" لمنع تنظيم داعش الارهابي من توسيع سلطته في أفغانستان، أعلن ترامب أنه لا يعارض وجود القوات البرية لمكافحة الإرهاب، أي أنه أظهر حتى الآن لا يمتلك اي استراتيجية مُعينة. وفيما يخص هذا الشأن، هناك فرق آخر يمكن رؤيته بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهو نوع التجربة ومعرفتهم بالإرهاب. إن الولايات المتحدة تعتبر الإرهاب من نوع واحد، أي إسلامي، وترى أيضا أنه خارج حدودها وانه عنصر خارجي، في حين يعتبر الاتحاد الأوروبي ان للإرهاب أنواعا مختلفة (بما في ذلك الانفصاليون) ولا يرونه مجرد أجنبي.
1-2- حرب العراق
ان حرب العراق هي السبب الرئيسي للاختلاف بين بعض الدول القوية في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وبلجيكا وفرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالولايات المتحدة، التي عانت من كارثة الحادي عشر من سبتمبر، وحظيت بدعم أوروبي كامل لمكافحة الإرهاب العالمي ومنع تكرار مثل هذه الكارثة الكبرى، ردت بشدة على معارضيها في أوروبا بسبب اعتراضهم على سياساتها الحربية. وقد انتقدت بعض الدول الأوروبية بشدة وخاصة البلدين المهمين، ألمانيا وفرنسا، سياسة جورج دبليو بوش الخارجية وعمله الأحادي الجانب دون توفر أدلة قوية، والأهم من ذلك، كانوا ينتقدون بشدة إعطاء مجلس الأمن الإذن لمثل هذا العمل، وما له من تداعيات بشأن مستقبل أوروبا نتيجة للعواقب من حرب العراق.
1-3- ایران
ترى الولايات المتحدة واوروبا ان ايران بلد داعم للإرهاب، واضافة الى موضوع مكافحة الارهاب، فهما يتفقان في الرأي فيما يتعلق ببرنامج ايران الصاروخي وضرورة مكافحة اسلحة الدمار الشامل. لكن الخلاف الطفيف بينهم هو سبب عداء ايران وكيفية مجابهتها. ان الأوروبيين يخشون من إيران بسبب عدم التزامها بالديمقراطية الليبرالية العالمية، وكذلك عدم التزامها بالقرارات الدولية، ودعمها للحركات الإسلامية في المنطقة، مما يعرض أمن الکيان الإسرائيلي للخطر.
كما يرتابهم القلق بشأن إمكانية بناء صواريخ سراً وزيادة القدرة النووية الإيرانية بشكل خفي، كما ينتابهم الاضطراب بسبب التدخل في العراق وأفغانستان واليمن، وتعريض الوضع في المنطقة للخطر. ولكنهم يعتقدون أنه يجب حلها من خلال التعامل البنّاء وبشكل تدريجي. لكن الولايات المتحدة تذعر من ايران من خلال طرح قضايا مثل حقوق الانسان والحصول على اسلحة الدمار الشامل ومخاوف من تقويض سلطة الولايات المتحدة في المنطقة وانهيار ميزان القوى ضد ايران وتهديد الحلفاء وفي نهاية المطاف، القضاء على النظام القائم في الشرق الاوسط.
ولكن النهج الأمريكي تجاه ايران، وخاصة خلال عصر ترامب، قائم على القضاء والإقصاء وليس على التفاوض والتعامل مع الاخر. وتعتزم الولايات المتحدة كبح جماح ايران بالكامل وبأقصى قدر ممكن وذلك من خلال تدمير برنامج إيران النووي والصاروخي. وكمثال على ذلك، يمكن الاشارة الى مقاطعة أي نوع من الصناعات حتى تلك التي لها صلة ضئيلة مع الملف النووي والصاروخي، مثل النقل، حيث ان مقاطعة شركة ماهان الجوية مثال بارز على ذلك. واتهمت الولايات المتحدة شركة ماهان الجوية بنقل اسلحة ومُسلحين الى سوريا وتعتقد ان الحد من هذه الخطوط الجوية من شأنه ان يُشكل ضغطاً على ايران بينما عارض الاوروبيون هذه الخطوة.
1-4- روسیا
تُعتبر روسيا التهديد الأول للاتحاد الاوروبي. وترمي روسيا الى انهيار الناتو والاتحاد الاوروبي. وأظهرت أيضا أنها ليست مستعدة للحد من نطاقها الإقليمي. لقد فهم أوباما هذا الموضوع بوضوح وأدرك القلق الاوروبي تجاه الموضوع، ولهذا السبب، في أزمة شبه جزيرة "القرم"، شهدنا نشر القوات الأمريكية في الجزيرة. على رغم أن الولايات المتحدة تعتزم، بصفة عامة، تمشيا مع سياسة التناوب في الشرق، نقل قواتها إلى شرق آسيا وتخفيض حجمها في أوروبا.
ومن المتطلبات الأخرى لهذه الاستراتيجية الكلية لأمريكا، تعزيز قدرة أوروبا بل ولعب دورها في النظام الدولي. وحافظت الولايات المتحدة على حوالي 40-35٪ من أسطولها البحري في أوروبا، ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى 35-30٪ بحلول عام 2030. كما تؤثر هذه العقوبات أيضا على البلدان الأوروبية بالإضافة إلى تضئيل النشاط التجاري مع إيران وروسيا.
ومن خلال فرض هذه العقوبات، تعتزم الولايات المتحدة خلق فرص عمل في قطاع النفط والغاز لسكان الولايات المتحدة والضغط على الشركات الأوروبية. وبالنسبة للأوروبيين، تستخدم الولايات المتحدة العقوبات كأداة لإقصاء الشركات الأوروبية من المنافسة. وتحاول الولايات المتحدة اجبار اوروبا على شراء الغاز السائل منها والاستيلاء على السوق الروسية في هذه المنطقة.
سنتطرق في الجزء الثاني من هذا المقال الى الخلافات والتوافقات بشأن العلاقات غير الامنية بين اوروبا والولايات المتحدة ومدى التقارب والتباعد في العلاقات الاقتصادية بينهما، كذلك سيتم تبيين اسباب نقض الولايات المتحدة للإتفاقيات والمعاهدات الدولية وعدم الالتزام بها وما هي ردود الافعال التي صدرت تجاه ذلك وأخيرا أهمية الطاقة ودورها في العلاقات بين الدول الاوربية ومصادر تأمينها.