الوقت - دأبت أمريكا خلال العقود الماضية على خلق أزمات مستمرة في غرب آسيا من خلال الاستفادة من القوة العسكرية تارة، أو التدخل في شؤون دول هذه المنطقة تارة أخرى، وذلك من أجل تحقيق عدّة أهداف يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:
1- ربط الدول الإسلامية بعجلة التواجد العسكري الأمريكي
تسعى واشنطن في عهد الرئيس الحالي "دونالد ترامب" وكما كانت في العهود السابقة إلى ربط العديد من الدول الإسلامية بالتواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، وذلك من خلال تأجيج الأوضاع في هذه الدول كما يحصل الآن مع العراق وسوريا والسعودية من جهة، وكذلك من خلال خلق جو من التنافس بين عدد من دول المنطقة والجمهورية الإسلامية في إيران من جهة أخرى. وتهدف أمريكا من وراء ذلك إلى إضعاف قدرات المنطقة من أجل السيطرة على مقدراتها والتحكم بمصير شعوبها في المستقبل.
2 - إيجاد أسواق مربحة لبيع الأسلحة
تسعى أمريكا من وراء تأجيج الأوضاع في غرب آسيا إلى إيجاد أسواق لبيع أسلحتها لدول المنطقة. وقد أثبتت الوقائع التاريخية أن الحروب التي اندلعت في هذه المنطقة خلال العقود الماضية قد وفّرت الأرضية لأمريكا لعقد صفقات ضخمة لبيع مختلف أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الكثير من الدول الإقليمية، ولجأت واشنطن إلى تحقيق هذا الهدف من خلال إثارة مخاوف هذه الدول مما يسمى بالخطر الإيراني أو ما يعرف بـ"إيران فوبيا".
والمثال البارز على ذلك هو قيام أمريكا مؤخراً بعقد صفقة لبيع أسلحة إلى السعودية بقيمة تتجاوز الـ 110 مليار دولار، وذلك خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى الرياض مطلع الأسبوع الماضي.
3 - الحصول على النفط بأسعار زهيدة
عمدت أمريكا إلى توريط العديد من دول المنطقة خصوصاً الغنية بالنفط بحروب ونزاعات داخلية أو مع دول أخرى من أجل إرغامها على بيع منتجاتها من الطاقة بأسعار زهيدة لسد حاجتها للعملة الصعبة وتأمين متطلباتها في مجال إعادة إعمار المدن المدمرة وتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين في شتى الميادين. وقد ساهم هذا الوضع في تمكين الشركات النفطية الأمريكية من إبرام عقود ضخمة لاستخراج وتصدير كميات كبيرة من النفط في الكثير من دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية.
وبعبارة أخرى يحتاج النظام الرأسمالي بقيادة أمريكا إلى إشعال الأزمات الشاملة مثل الحروب وغيرها ومن ثم تقوم شركاته الاقتصادية والعسكرية باستغلال الأزمات والفوضى لإحداث تغييرات وبسط النفوذ ومن ثم يتم قمع المعارضين لهذه التغييرات التي تديرها أمريكا لمصلحة النظام الرأسمالي عبر إلصاق تهم الإرهاب والرجعية بهم.
4 - المشاركة في إعادة إعمار الدول المنكوبة بالأزمات
تسعى أمريكا إلى توظيف ظروف الدول التي تعاني من الأزمات للتدخل في شؤونها بحجة المساعدة في إعادة إعمارها بعد توقف الحروب التي ساهمت واشنطن في إشعال فتيلها في هذه الدول. وهذا الأمر يصب في نهاية المطاف بصالح الشركات الأمريكية التي تسارع لإبرام عقود ضخمة مع هذه الدول في هذا المجال.
5 - ترويج المعايير المزدوجة للديمقراطية وحقوق الإنسان
تسعى أمريكا إلى التدخل في شؤون الكثير من دول غرب آسيا من أجل الترويج لمعاييرها فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، مستفيدة من الأوضاع المضطربة في هذه الدول كما حصل ويحصل في العراق، في حين أثبتت التجارب أن واشنطن كانت هي السبب الرئيس في تدهور الحالة الأمنية في هذا البلد، خصوصاً بعد تدخلها في شؤونه بحجة محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم "داعش" منذ احتلاله لمناطق واسعة من العراق في حزيران/يونيو عام 2014 وحتى الآن.
وقد كشفت الوقائع التي حصلت خلال السنوات الأخيرة وبشكل واضح أن أمريكا لن تتورع عن ارتكاب مختلف أنواع الجرائم ومن بينها قتل المدنيين من أجل الترويج لديمقراطيتها المزعومة، في حين تؤكد الحقائق التي أفرزتها هذه الوقائع أن واشنطن ليست بصدد الدفاع عن حقوق الإنسان ولا تسعى لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع المنطقة، بل تسعى لتحقيق مصالحها وتنفيذ مآربها على حساب دول وشعوب المنطقة. والدليل على ذلك إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تعترض على انتهاكات حقوق الإنسان في الدول التي تسير في ركبها وتغض الطرف عن هذه الجرائم رغم مطالبة المنظمات الإنسانية الدولية المعنية بالدفاع عن هذه الحقوق.
وهكذا يمكن القول إن التواجد المستمر في غرب آسيا كان من الأولويات الرئيسية لجميع الرؤساء الأمريكيين خلال العقود الماضية، وقد رأينا كيف قاد "جورج بوش الإبن" الحروب المباشرة فيما قاد "باراك أوباما" الحروب بالوكالة حيث بقيت الاستراتيجية الرئيسية استغلال الأزمات المتواصلة في المنطقة من أجل الاحتفاظ بالهيمنة الأمريكية، وما كان متغيراً هو فقط سبل خلق هذه الأزمات التي تفاوتت بين إيجاد حرب النفط ودعم الجماعات التكفيرية والإرهابية مثل "القاعدة" و"داعش" وغيرها.