الوقت- على مدى سنوات الحرب الباردة، حاولت أمريكا تعزيز نفوذها في جميع مناطق العالم ومنها غرب آسيا، ضمن سياسة المعسكرين وفي اطار التنافس مع روسيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانهاء أمريكا حرب الخليج الفارسي الثانية، استطاعت الولايات المتحدة تعزيز موقفها في غرب آسيا أكثر.
وإذا نظرنا الى الخطوات التي اتخذتها أمريكا على مدى العقدين الماضيين، سنلاحظ الدور الأمريكي في زرع الازمات في غرب آسيا أو تصعيدها. غزو افغانستان، اشعال الحرب العراقية، تعزيز الجماعات الارهابية وتسليحها، السعي لاسقاط الأنظمة المعارضة أو قمع الحركات المعارضة، كل ذلك يدل على أن الولايات المتحدة حرصت على استمرار التوتر في منطقة غرب آسيا. بصورة عامة فإن السياسات الأمريكية في المنطقة سعت الى تحقيق أربعة اهداف رئيسية خلال العقود الماضية، حماية الشرق الأوسط من القوى المنافسة، السيطرة المباشرة على مصادر الطاقة، توفير الأمن لاسرائيل و"مواجهة الارهاب"-كما تراه أمريكا. بعبارة أخرى، منذ بدء القرن الحادي والعشرين، اتجهت أمريكا للمحافظة على تفوقها وحماية موقعها من التراجع على المستوى العالمي، وجاءت هذه التوجهات نتيجة للنظرة العملية في السياسة الخارجية الأمريكية والناجمة عن التزامات الأخيرة تجاه العالم والقرارات المتخذة من أصحاب القرار والزعماء السياسيين.
ورغم ذلك، فإن دراسة ردود أفعال الولايات المتحدة الأمريكية بعد عام 2000 تشير الى اختلافات واضحة بين حكومة أوباما وحكومة الرئيس الأسبق جورج بوش في نظرتيهما الى أحداث الشرق الأوسط. في حكومة أوباما (2008-2016) كانت أغلب الممارسات تنطوي على الممطالة والتصرفات المحسوبة، لا الممارسات السلبية والمتسرعة حيث أن أوباما استلم السلطة رافعا شعار تحسين صورة أمريكا، وحاول المضي في مسار معتدل يقود إلى ضمان المصالح الأمريكية. وعلى الطرف الآخر أعلن دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية أنه غير راضٍ عن أوضاع أمريكا في السياسة الخارجية، وطالب بتغيير توجهاتها.
بتمحيص النظر في ممارسات حكومة دونالد ترامب في منطقة غرب آسيا على مدى الأشهر الأربعة الماضية، نرى أن الحكومة الأمريكية غير راضية عن موقعها الحالي في المنطقة، ومن أجل تغطية هذا النقص، عادت الولايات المتحدة الأمركية الى سياساتها القديمة القائمة على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد تشير الممارسات الأمريكية المتخذة خلال الأشهر الماضية الى تعزيز الصراع في الأزمات القائمة من أجل تعزيز التفوق الأمريكي.
كما يمكن تحليل زيارة ترامب الأخيرة الى السعودية التي تعتبر الحليف الرئيس لأمريكا في المنطقة، على أنها تصب في اطار تصعيد الازمات في غرب آسيا. فمن ناحية فقدت العلاقات الأمريكية السعودية بريقها خلال عهد أوباما، وعلى الرغم من وجود المعاهدات العسكرية بين الطرفين إلا أن أمريكا لم تبذل كل جهدها لمساعدة السعودية في أهم أزمة تواجهها الأخيرة في سياستها الخارجية، أي الحرب على اليمن، واكتفت الولايات المتحدة بدور الدعم الاستخباراتي وتقديم المعلومات والدعم الجوي. ومن ناحية أخرى تحاول الدول العربية تشجيع الحكومة الأمريكية الجديدة للمزيد من التدخل في منطقة الشرق الأوسط، وقد أثبتت التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأمريكان صحة هذه الفرضية. وبالتالي يمكن الجزم بأن ترامب يسعى الى الوقوف الى جانب حلفائه العرب مرة أخرى، ليمهد لبيع أكبر كمية ممكنة من السلاح لهؤلاء.
ومن ناحية أخرى، ترى الحكومة الامريكية الحالية أن سياسة أوباما تجاه إيران كانت متسامحة، فيما ترغب الحكومة الحالية بالتصعيد ضد إيران، وقد اتخذت عدة مواقف ضد برنامج العمل المشترك المتفق عليه بين إيران ومجموعة السداسية الدولية. بعبارة أخرى، إن زرع التوتر بين إيران والدول العربية سيكون خطوة كبيرة لتعزيز التفوق الأمريكي في المنطقة. حيث أن الإيران فوبيا ستشجع على حصول سباق للتسلح، ومن ناحية أخرى ستستهل الإيران فوبيا اعتماد البلدان العربية على قوة عظمى لتقف بوجه إيران؛ وخلال زيارته للسعودية اشار ترامب الى ائتلاف عربي ضد إيران.
إن الدليل الآخر على مساعي الولايات المتحدة من أجل المحافظة على تفوقها في غرب آسيا وتعزيزه عبر زعزعة الاستقرار في المنطقة هو الهجوم على قاعدة الشعيرات السورية، حيث يرى كثيرون أن هذا الهجوم أثر سلبا على تقدم القوات السورية وعزز موقع الارهابيين، حيث أن مطار الشعيرات هو من أشد المطارات فاعلية ضد تنظيم داعش. ومن جهة أخرى استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية في افغانستان مؤخرا قنبلة يُطلق عليها اسم أم القنابل، وهو ما منح وسائل الاعلام الاقليمية قدرة ناعمة، فيما من المستبعد أن حكومة أوباما كانت لتتخذ مثل هذه الخطوة.
ومن هذا المنطلق سنشهد تغير قواعد اللعبة مما سيؤدي الى وضع مفاهيم أخلاقية، قانونية وأمنية جديدة لشرعنة سياسات التدخل الأمريكية الجديدة. في الحقيقة أن ترامب يسعى لاستقرار أمريكي طويل الأمد في المنطقة، ويسعى للحصول على التفوق العسكري والاقتصادي في الشرق الاوسط، بالإضافة الى القيام بتغييرات سياسية كبيرة في معادلات المنطقة. ومن هذا المنطلق استخدم ترامب الاستراتيجية الأمريكية المعتادة في المنطقة، أي اشعال الازمات في غرب آسيا وتصعيدها.