الوقت- تتفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بوتيرة متسارعة، إذ بات القطاع يعاني من حصار مشدد ومعاناة يومية إثر العمليات العسكرية المتواصلة، وخلال 24 يومًا من التصعيد الإسرائيلي في شمال القطاع، سجلت مصادر طبية أكثر من 1000 قتيل، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير شامل للبنية التحتية الطبية، وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن قوات الاحتلال تعمدت تدمير الأدوية المتوافرة في مستشفى كمال عدوان، ما يعوق الجهود الطبية اللازمة لإنقاذ حياة المصابين، ويضع القطاع الصحي على شفا الانهيار.
مجزرة بحق المدنيين واستهداف البنية التحتية الصحية
تستمر عمليات القصف المكثفة في شمال غزة، مخلّفةً وراءها دمارًا كبيرًا وضحايا من المدنيين، وذكرت وكالة تسنيم للأنباء أن الجرائم الوحشية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي تسببت في مقتل المئات من السكان خلال ثلاثة أسابيع، مع استهدافٍ واضح للمناطق السكنية، وتفيد إحصاءات طبية بأن قوات الاحتلال تركزت في استهداف النساء والأطفال تحديدًا، ما أثار موجة غضب وقلقاً دوليين حول الأوضاع الإنسانية الكارثية التي باتت تعاني منها غزة.
وأشار مصدر طبي إلى أن القصف المستمر خلال هذه الفترة القصيرة قد أدى إلى انهيار جزء كبير من المنظومة الصحية في شمال القطاع، فالطواقم الطبية تجد صعوبة بالغة في تلبية احتياجات الجرحى والمصابين، وخاصةً مع نقص حاد في المعدات الطبية الأساسية والأدوية اللازمة، وقد أدى هذا إلى وفاة العديد من الجرحى بسبب عدم توافر الرعاية الطبية الكافية لهم، كما أن نقص الأدوات الجراحية الضرورية يعوق التدخلات الطبية التي يمكنها إنقاذ حياة الكثيرين.
مستشفى كمال عدوان: معاناة تحت الحصار
يُعدّ مستشفى كمال عدوان من أهم المستشفيات التي تخدم سكان شمال غزة، حيث يعتمد عليه السكان بشكل كبير في تقديم الرعاية الطبية، إلا أن القوات الإسرائيلية استهدفت هذا المستشفى عدة مرات، ما ألحق أضرارًا بالغة بالمرافق الصحية، وتم توثيق قيام الاحتلال بتدمير مخزون الأدوية في المستشفى، ليصبح تقديم الرعاية الصحية أمرًا شبه مستحيل.
وقد صرّح مروان الهمص، مدير المستشفيات الميدانية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، بأن تدمير الأدوية جاء ضمن سياسة ممنهجة تعمدها قوات الاحتلال، تهدف إلى عرقلة عمل الكوادر الطبية وإعاقة عملية إنقاذ الجرحى والمصابين.
كما أضاف الهمص إن مستشفى كمال عدوان بات محاصرًا، إذ يحتجز الاحتلال الطاقم الطبي وعددًا من المرضى داخله، مع منع أي مساعدات طبية من الوصول إليهم، وقد تم عزل الطاقم الطبي النسائي في غرفة داخل المستشفى، فيما تم اعتقال الطواقم الطبية من الرجال والعديد من المرضى، وقد دعت وزارة الصحة الفلسطينية المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإنقاذ الطاقم الطبي والمرضى المحاصرين، معتبرةً أن هذا الحصار على مستشفى كمال عدوان يمثل جريمة حرب وانتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية.
مدير منظمة الصحة العالمية: الوضع كارثي ويستدعي تدخلًا عاجلًا
في تصريح يعكس حجم الكارثة، حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من أن الأوضاع في قطاع غزة وصلت إلى مستوى كارثي يستدعي تدخلًا عاجلًا، وأشار غيبريسوس إلى أن استمرار الحصار وتدمير المراكز الصحية في شمال القطاع يضع حياة آلاف المدنيين في خطر، وأكد أن الحل الوحيد لضمان سلامة المدنيين وإنقاذ الأرواح هو وقف إطلاق النار بشكل فوري وغير مشروط، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع.
وأشار غيبريسوس إلى أن تقارير وزارة الصحة الفلسطينية حول استهداف مستشفى كمال عدوان ومنع الطواقم الطبية من القيام بعملهم تمثل مؤشرًا خطيرًا على تدهور الأوضاع، وناشد المجتمع الدولي للتحرك سريعًا لتوفير الحماية للمنشآت الطبية والعاملين فيها، وضمان عدم استهدافها خلال العمليات العسكرية.
معاناة الأطفال الجرحى في ظل الحصار
ومن ناحية أخرى، حذرت اليونيسف من أن الوضع في غزة بات يشكل تهديدًا كبيرًا على حياة الأطفال، ولا سيما المصابين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، وأشار المتحدث باسم اليونيسف، جيمس إيلدر، إلى أن الأطفال يعانون ليس فقط من القصف المباشر، ولكن أيضًا من نقص حاد في الرعاية الصحية، وقد ذكر أن السلطات الإسرائيلية قلصت عدد التصاريح الممنوحة لخروج الأطفال الجرحى من غزة لتلقي العلاج، حيث انخفض عدد الأطفال الذين يُسمح لهم بالخروج إلى أقل من طفل واحد يوميًا بعد أن كان حوالي 300 طفل شهريًا.
وأكد إيلدر أن الأطفال في غزة يعانون من خطر الموت البطيء، فالعديد منهم مصابون بجراح خطيرة تتطلب علاجًا متخصصًا غير متوافر في القطاع، بينما يضطر آخرون لتحمل آلام الإصابات في ظل عدم وجود مسكنات كافية أو علاجات مناسبة، وأوضح أن السياسات الإسرائيلية التي تعرقل نقل الجرحى من الأطفال إلى خارج غزة للعلاج تُعد بمثابة حكم بالموت عليهم، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على "إسرائيل" للسماح للأطفال بالحصول على العلاج الطبي اللازم.
تزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار
مع استمرار التصعيد، تتزايد الدعوات من منظمات دولية وشخصيات عالمية لضرورة تحقيق وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، بهدف السماح بوصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى السكان المحاصرين، وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانًا عاجلًا يدعو لوقف إطلاق النار، مشيرةً إلى أن استمرار القتال يجعل من المستحيل تقديم الرعاية الطبية للمدنيين ويهدد حياة الآلاف.
بدورها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن استهداف المستشفيات واحتجاز الكوادر الطبية يمثل جريمة حرب واضحة، ودعت إلى فتح تحقيق دولي حول الانتهاكات التي يتعرض لها القطاع الصحي في غزة، كما طالبت الوزارة بتوفير حماية دولية للمرافق الصحية وضمان وصول الأدوية والمعدات الطبية الضرورية إلى القطاع.
عواقب الحصار على الأوضاع الإنسانية
يرزح سكان غزة تحت حصار مشدد منذ سنوات، إلا أن الوضع الحالي يُعدّ الأسوأ على الإطلاق، مع توقف العديد من الخدمات الأساسية، فبالإضافة إلى التدهور الحاد في القطاع الصحي، يعاني السكان من نقص في المواد الغذائية والمياه النظيفة، وازدياد انقطاع التيار الكهربائي، وتعاني المرافق الصحية من ضعف البنية التحتية وعدم القدرة على تشغيل المعدات الطبية بسبب نقص الوقود، ما يعمق من معاناة الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية مستمرة.
هذا الوضع المتأزم يدفع العديد من المؤسسات الدولية إلى الدعوة لتقديم الدعم الإنساني العاجل لغزة، وسط تحذيرات من أن استمرار الأوضاع على هذا النحو قد يؤدي إلى كارثة إنسانية شاملة.