الوقت - يواجه الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق المعروف اختصاراً باسم "البارتي" والذي يترأسه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني جملة من الصعوبات والتحديات الأساسية في الوقت الحاضر، في وقت يسعى فيه الكثير من قادة الحزب إلى إعلان الانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد وإجراء استفتاء بهذا الشأن في الإقليم. ويبدو أن هذه التحديات والمشاكل ستبدد آمال بارزاني بهذا الخصوص.
ومن أجل التغطية على هذه التحديات يسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني لطرح مسألة الاستفتاء بشأن الانفصال من خلال وسائل الإعلام والتحركات الدبلوماسية الخارجية فقط، الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه يأتي ضمن مساعي الإقليم للتنسيق مع ما يسمى بـ "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن لمحاربة "داعش" وليس في إطار مشروع تقسيم العراق الذي تدعو له أمريكا على أرض الواقع. أي بمعنى آخر يسعى الحزب الديمقراطي إلى كسب الدعم الأمريكي لتقوية موقفه، في حين يعتقد المراقبون بأن إقليم كردستان لايمتلك مقومات الانفصال عن العراق الذي يدعو له "البارتي".
ويرى المحللون بأن التحديات التي يواجهها "البارتي" في المرحلة الراهنة تمثل سابقة لانظير لها في تاريخ الحزب ونشاطه السياسي. ويبدو أن توجه الحزب في السنوات الأخيرة نحو التقرب إلى تركيا وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية معها يشير إلى أنه بصدد لعب دور أكبر في رسم معادلات المنطقة.
ومن التحديات التي يواجهها الحزب الديمقراطي الكردستاني في الشأن الداخلي هو الخلاف القائم مع الحكومة المركزية في العراق من جهة، وبعض الكيانات السياسية من جهة أخرى، ما أدى إلى إضعاف موقف الحزب بشكل عام في تعامله مع بغداد وإمكانية حذفه من الخريطة السياسية في هذا البلد.
ومن الأدلة التي تعزز هذا الاعتقاد يمكن الإشارة إلى إقالة وزير المالية السابق في الحكومة المركزية "هوشيار زيباري" الذي يعتبر من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكذلك إلغاء منصب نائب رئيس الوزراء في هذه الحكومة الذي كان يشغله القيادي الآخر في الحزب "روز نوري شاويس".
ورغم هذه التحديات لازال قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني يصرون على طرح موضوع انفصال إقليم كردستان عن العراق ويعلنون بين الحين والآخر عن عدم رغبتهم بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إجراؤها في البلد عام 2018.
وخلال السنوات الثلاث الماضية وخصوصاً بعد احتلال تنظيم "داعش" الإرهابي لمناطق واسعة في العراق بدعم من دول غربية وإقليمية، برزت منطقة "سنجار" ذات الأغلبية الكردية الإيزدية كمثال للمظلومية، إلى درجة يمكن القول معها بأن الدعم الدولي لإقليم كردستان في مواجهة "داعش" يعود بدرجة كبيرة إلى هذه المسألة.
وفي إطار مساعيه لتقوية علاقات حزبه مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" و"حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا بادر بارزاني إلى مواجهة "حزب العمال الكردستاني" المحظور في تركيا الذي إدعى المشاركة في تحرير مدينة "سنجار" والطائفة الإيزدية الكردية من "داعش" وأنه واصل بقاءه في هذه المنطقة بطلب من سكانها الإيزديين.
وهذا النزاع "الكردي - الكردي" أدى بالنتيجة إلى إندلاع حرب بالنيابة بين الحزبين "الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني" ما مهد الأرضية لقصف منطقة سنجار من قبل الطائرات التركية بذريعة وجود عناصر حزب العمال. ويعتقد المحللون بأنه من المستبعد أن يتمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من استعادة نفوذه السابق في هذه المنطقة بعد هذه التطورات.
وهذا الوضع من المحتمل جداً أن يتكرر في مدينة الموصل بعد تحريرها من "داعش" خصوصاً وأن المكونات العراقية الأخرى "السنيّة والشيعية" لا تسمح بتمدد الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذه المدينة والمناطق المحيطة بها.
وإثر رفع علم إقليم كردستان في محافظة كركوك الغنية بالنفط والنزاعات السياسية التي أعقبت ذلك في البرلمان العراقي، حصل تقارب في وجهات النظر بين المكونين الشيعي والسني بشأن رفض هذه الخطوة، مما أسهم في إضعاف موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني في مقابل الحكومة المركزية في بغداد.
وفي سوريا ونتيجة تواجد أكراد هذا البلد المنضوين تحت قيادة "حزب الاتحاد الديمقراطي "وذراعه العسكري المسمى بـ "وحدات حماية الشعب" بات الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني غير مرحب به في المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا بسبب تقربه من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ومع تزايد الدعم الأمريكي لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في الوقت الحاضر عمدت تركيا إلى إرسال قوات إلى شمال وشمال شرق سوريا ما أدى إلى إنحسار فرص بارزاني لتقوية نفوذه في هذه المناطق. وهذا الأمر أدى أيضاً إلى مضاعفة مشاكل الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جانب المشكلة الأصلية المتمثلة بانتهاء مدة رئاسة بارزاني لقيادة إقليم كردستان، بالإضافة إلى معارضة الأحزاب الكردية الأخرى وفي مقدمتها حركة التغيير "كوران" لسياسة بارزاني خصوصاً فيما يتعلق بدعوته لانفصال الإقليم عن العراق.