يعتبر الصراع بين الهند وباكستان لا سيما المعروف بإسم "الصراع حول كشمير"، أحد أكثر الأزمات الدولية الحالية خطورة وتعقيداً. فالكراهية الموجودة بين البلدين تمنع إمكانية حصول أي اتفاقٍ ظرفي. فيما تشهد اتفاقية 2003 للهدنة، خطراً يزداد يوماً بعد يوم نتيجة تصاعد المناوشات على الحدود. فيما تبقى كشمير بأهلها ضحية صراع البلدين، في ظل غيابٍ دوليٍ لا يُعير للأزمة أي أهمية، ويكتفي بالتحذير، على الرغم من وجود مخاطر من إندلاع حربٍ نووية بين الطرفين، ناهيك عن المظالم والإرتكابات التي تنتهك حقوق الإنسان وتُمارَس بحق أهالي كشمير. فماذا في آخر أحداث الصراع؟ ولماذا يُعتبر التحرك الدولي خجولاً؟ وما هي جذور وأسباب ومخاطر الأزمة؟
عودة الإشتباكات بين الطرفين
منذ أيام هاجم مسلحون كشميريون قاعدة تابعة للجيش الهندي في منطقة "أوراي" بالقرب مما يُعرف بـ "خط التحكم" أو "خط الهدنة لعام 1948-1949". وهو ما أدى الى مقتل سبعة عشر جندياً هندياً وأربعة مسلحين. فيما قامت السلطات الهندية بإرسال 10,000 جندي إلى كشمير لدعم التواجد العسكري لها، ليتجاوز عدد الجنود النصف مليون عسكري. جاء ذلك بعد أن أعلن الجيش الهندي يوم الإثنين المنصرم، تنفيذه لعمليات عسكرية ضد معسكرات تقع على طول خط المراقبة لمنطقة كشمير المتنازع عليها. وقال مسؤولون في الجيش الهندي أن هذه العمليات أحبطت مخططاً كانت تنوي أن تقوم به فرق إرهابية مُتمركزة في قواعد على طول خط المراقبة، وتسعى للدخول سراً وتنفيذ هجمات إرهابية في الهند.
حراكٌ دبلوماسيٌ دوليٌ دون نتيجة
شهد الأسبوع الماضي، حراكاً دبلوماسياً قادته باكستان، دون أن يكون له أثرٌ عملي. فقد طالبت مبعوثة باكستان لدى الأمم المتحدة " مليحة لودي" رئيس مجلس الأمن الدولي الحالي "جيرارد فان بوهيمن"، إطلاع المجلس على آخر تطورات تصاعد التوتر مع الهند، مؤكدةً أنها ستبحث الأمر مع الأمين العام للمنظمة الدولية بان كى مون. كما ناشدت المجتمع الدولي للتدخل منعاً لمضي الهند في استفزازاتها قبل تطور الأزمة خصوصاً في ظل وجود تقارير تتحدث عن قيام الهند بحركة "غير معتادة" على الحدود بحسب تعبيرها، حيث تحصل تحركات لقوات عسكرية ودبابات الى جانب وجود معلومات عن قيام السلطات الهندية بإخلاء بعض المناطق من السكان.
الصراع في كشمير: أقدم أزمة دولية
تعتبر أزمة كشمير أو ما يصطلح البعض على تسميته "الصراع في كشمير"، الأزمة الدولية الأقدم في العالم. فبعد الحرب الهندية الباكستانية عام 1947، تم تقسيم ما عُرف حينها بأراضي "التاج البريطاني" في الهند إلى دولتين، إحداها تتمتع بغالبية هندوسية، وأخرى ذات غالبية مسلمة. فيما حصلت الهند على ثلثي ولاية كشمير الجبلية التي كانت مستقلة في السابق وحصلت باكستان الدولة الوليدة جديداً على الثلث الصغير المتبقي والمعروف باسم "آزاد كشمير" والتي تساوي مساحتها مساحة إنكلترا. ومنذ ذلك الحين، تنندلع محاولات تمرد ومساعي انفصال في الجزء الخاضع لسيطرة الهند في كشمير. خصوصاً أن دعوات المنظمات الدولية وتحديداً الأمم المتحدة، من أجل القيام بإستفتاء يُحدِّد مصير كشمير، لم يلقَ آذاناً صاغية في الهند. وهو ما جعل الأزمة أكثر تعقيداً.
الأزمة بين الهند وباكستان: أسباب ومخاطر
أولاً: تُشكل مساعي معظم سكان "آزاد كشمير" للإتحاد مع باكستان، أمراً ترفضه الهند. فيما توجد أقلية ترغب بالإنفصال عبر تحقيق الإستقلال التام. أما الهند فهي تُصر على أن كشمير هي جزء لا يتجزأ من الإتحاد الهندي. كما شكَّلت خطوة باكستان بمنح الصين قطعة من أراضي شمال كشمير، خطوة اعتبرتها الهند خطيرة واستفزازية. خصوصاً أن صراعاً كبيراً موجود بين الصين والهند حول ملكية منطقة "التيبيت الصغيرة (لاداغ)" والتي تخضع للهند حالياً.
ثانياً: على صعيد الداخل الكشميري، تصف الهند المسلحين الكشميريين بأنهم إرهابيون تحرضهم باكستان. فيما تصف الأخيرة الهند بقمع الداخل الكشميري بشكلٍ لا ينسجم مع القانون الدولي، في ظل ممارسة التعذيب والخطف والعديد من الهجمات الإنتقامية والقمعية. وهو ما جعل أهالي كشمير ضحية الصراع والتجاذب بين البلدين.
ثالثاً: تُعتبر قوة البلدين الهند وباكستان بوصفها دولاً نووية، المشكلة الأبرز والأخطر في الصراع. حيث تمتلك هذه الدول، جيشين قويين وصواريخ متوسطة المدى. ويتصارعان حول كشمير بشكلٍ دائم، بعد أن خاضوا حروباً لأجل ذلك ناهيك عن الإشتباكات الحدودية التي لا يمكن إحصاؤها. فيما تقول التقديرات بأن االهند وباكستان تمتلك حوالي 100 قنبلة نووية. وهو ما جعل الأزمة دولية.
رابعاً: الى جانب القوة النووية، تُشكل مسألة تطور القدرات العسكرية للدولتين من الناحية العسكرية أحد أكبر المخاطر. فالجيش الهندي يتفوق على نظيرة الباكستاني من حيث عدد الأفراد، والقدرات العسكرية حيث تمتلك الهند ثالث أكبر جيشٍ في العالم. وبحسب الخبراء فإن الهند قادرة على شطر باكستان إلى قسمين خلال أيام. وهو ما دفع الأخيرة الى تطوير قدراتها الدفاعية لموازنة التفوق الهندي العسكري، مما ساهم في منع الرد الهندي على أي توغلٍ باكستاني، تجنباً لإندلاع أي حرب.
خامساً: يُشكل الحلف الصيني الباكستاني، والمشكلة الهندية الصينية، مسألة يمكن أن تُساهم في توتير الصراع. خصوصاً أن الصين تقوم بإجراء العديد من المناروات والتدريبات الثنائية مع باكستان، كان آخرها الأسبوع الماضي، وهو ما يعتبره الكثيرون تحذيراً للهند. فيما يُحذر المراقبون من دخول الصين لدعم حليفتها باكستان، في حال أشعلت الإشتباكات أي حرب بين الطرفين.
لا شك أن العالم بأسره مسؤولٌ عن حلٍ معضلةٍ قد تتحول الى حربٍ نووية. في حين نجد أن انشغال المعنيين بملفاتهم الداخلية، وإهمالهم لأزمة لا تدخل ضمن حسابات الجغرافيا السياسية لهم، أمرٌ قد يجعل الأزمة أمام مسارٍ من التعقيد والتصاعد. خصوصاً أن الطرفين، وإن سادت بينهم معادلات ردعٍ حدودية، لا يمتلكان مقومات الإتفاق الثنائي بسبب الكراهية الموجودة بينهم. فيما يدفع أهالي كشمير الثمن.