الوقت ـ بعد أن تحدثنا في الجزء الأول من تقریر "السعودية بين صراعات الداخل وتحديات الخارج "، عن الأزمات التي تعصف في البيت الداخلي بالرياض، نتطرق في الجزء الثاني الى تحديات المملكة الخارجية في ظل سلمان، وموقف الأخير من الملفات الإقليمية الساخنة.
جاءت التغييرات التي أجراها الملك الجديد للسعودية سلمان بن عبد العزيز في دائرة البلاط الملكي، مثيرة لكثير من التكهنات حول تأثيراتها على السياسة الخارجية للمملكة في العهد الجديد، فالسؤال الذي يُطرح بعد غياب الملك عبد الله عن المشهد: هل ثمة تغييرات مرتقبة في السياسة السعودية إزاء الملفات الإقليمية الساخنة؟
توقع عدد من الخبراء بتغيير السياسة السعودية بعد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأشار الكاتب البريطاني "ديفيد هيرست"، الى أن نجاح سلمان في التخلص من خالد التويجري -أمين الديوان- الذي يعتبر لاعبًا رئيسًا في صناعة السياسة الخارجية، سيلقي بظلاله على سياسة السعودية في بعض الساحات ولو بشكل جزئي، ولعل البحرين خارج هذه المعادلة.
اذاً، سلمان سيواجه تحديات أمنية و سياسية متشابكة، خاصةً أن شمال المملكة أضحى في تماس واحتكاك مع تنظيم "داعش" في كل من العراق و سوريا، بينما خسرت السعودية جنوباً أورقها ورجالها في اليمن بعد أن تعاظم دور أنصار الله.
على الصعيد الاقتصادي، يشير مركز «ستراسفور» للدراسات إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه السعودية في المرحلة المقبلة يتمثل في تراجع أسعار النفط، حيث تعد الأموال البترودولارية التي تحصدها السعودية من بيع البترول الوسيلة الرئيسية للحفاظ على الاستقرار الداخلي، كما أن دبلوماسيتها تعتمد كثيرًا على استخدام أموال النفط في تأييد الحلفاء وتدعيم مواقفهم السياسية داخل دولهم.
الامارات والعداء مع محمد بن نايف
تشير تقارير إعلامية إلى أن العلاقة بين محمد بن نايف، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ليست جيدة، حيث كان بن زايد قد هاجم الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي الأسبق وولي العهد السابق، ووصفه بكلمات مشينة أثناء مباحثات له مع أحد المسؤولين الأمريكيين.
ويعرف عن الشيخ محمد بن زايد عداؤه الشديد لولي ولي العهد الجديد في السعودية، الأمير محمد بن نايف، ولوالده الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، ولقد أظهرت ذلك وثائق وكليكس، التي قالت في تسريبات لها في مارس الماضي: إن محمد بن زايد وصف الأمير نايف بـ "القرد"، حيث قال لمدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ريتشارد هاس، في عام 2003، وهما يتحدثان عن الأمير نايف: "إن أخلاقياته وتصرفاته أقنعتني بنظرية داروين التي تقول: إن الإنسان يتطور من الأسفل إلى الأعلى".
ويؤكد مهتمون بالشأن السعودي، أن الارتباط كان قويًا بين خالد التويجري رئيس الديوان الملكي للملك الراحل، وزملائه من المحافظين الجدد في منطقة الخليج الفارسي ، وعلى رأسهم في الإمارات محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وقد كان أول قرار للملك الجديد الإطاحة به من منصبه، وتعيين ابنه الأمير محمد بن سلمان رئيسًا للديوان الملكي. علاقة محمد بن زايد مع نجل الملك السعودي الراحل، الأمير متعب بن عبد العزيز، كانت وثيقة، إلا أن انقلاب السديريين الناعم حرم متعب ومن خلفه محمد بن زايد من تلك الفرصة لصالح محمد بن نايف، فكيف ستكون علاقة السعودية مع الامارات، وهل ستؤثر الأزمة بين الطرفين خصوصاً بعد غياب بن زايد عن مراسم تشييع الملك عبدالله، على العلاقة بين البلدين؟
الشأن المصري وغياب السيسي عن الجنازة
لم يحضر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مراسم دفن الملك عبدالله بن عبد العزيز بحجة سوء الظروف الجوية ما اعتبره البعض تصرف ناتج عن شعور السيسي بتغير المزاج العام في القصر السعودي، ففي حين يرى مراقبون أن الملك الجديد سيعمل على تطوير علاقته مع مصر بحكم أن ( الأمير ) الملك سلمان هو من كان يدير الملف المصري، يرى آخرون أن تصرفات الرئيس المصري لا توحي بذلك، لأن إعلان السيسي قطع زيارته لمنتدى دافوس وحضوره الجنازة، قبل أن يعود ويتراجع بدعوى سوء الأحوال الجوية (بعد إعلان عدم حضور ولي عهد أبو ظبي ونائب رئيس دولة الإمارات للجنازة) "حجة واهية"، فطائرة ملك الأردن عبدالله طارت ووصلت السعودية بعد أن أنهى الملك الأردني مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا مبكرا تماما كما قال السيسي إنه فعل.
في هذا السياق قال نبيل فهمي -وزير الخارجية الأسبق في مصر: "إن هناك قدر من التغيير في السياسة الخارجية السعودية بعد وفاة الملك"، وقد أوضحت بعض التقارير أن هناك محاولتان قد جرتا من قبل مستشارين للملك سلمان للتواصل مع قيادات من المعارضة الليبرالية المصرية بينهم محام وليس منهم أحد من الإخوان المسلمين لكن توجد اتصالات بينهم.
من جانبه أشار الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، إلى أن الملك الجديد وحاشيته، يتخذون اتجاهًا مختلفًا نحو الشأن المصري، مما اتخذه الملك الراحل وسكرتيره الخاص، خالد التويجري، وابنه متعب بن عبد الله.
سوريا
لا نستغرب ان يقدم الملك سلمان على تغيير سياسة بلاده في سورية وبدء انسحابها التدريجي، لانه لا يوجد لديه مشكلة شخصية مع الرئيس الاسد على غرار شقيقه الراحل، الذي لم يغفر للرئيس السوري استخدام وصف “اشباه الرجال” في اشارته الى الزعماء العرب في مؤتمر للقمة العربية في شرم الشيخ، كما أن ظهور تنظيم داعش الارهابي قد يساعد في ارساء العلاقة من جديد بين البلدين، لكن ومع سطوع نجم محمد بن نايف ، سيبقى القرار السعودي تجاه الرئيس الاسد رهن الاشارات الأمريكية.
ايران.. هل من جديد؟
لا جديد حالياً في موقف الملك الحالي تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية ، ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط"فريديريك وِيري"، أن السعوديين يشعرون بالقلق من البرنامج النووي الإيراني، لكنهم في الواقع أكثر قلقًا من احتمال أن يؤدّي تقارب إيران مع الولايات المتحدة إلى تهميش الرياض، ولاتريد السعودية لطهران أن تحلّ محلها، لذلك ان تمديد المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق نووي نهائي، قد يلقي بظلاله على الموقف السعودي تجاه ايران.
نمو تنظيم "داعش" الارهابي وسفكه للدماء في العراق و سوريا ادى الى تعقيد المعادلة بشكل اكبر، اذ انه "توجد دلالات من قبل السعودية وايران على رغبتهما في التقليل من التوتر للتمكن من مواجهة داعش"، وفقا لما يراه حارث القرعاوي من معهد رادكليف في جامعة هارفارد للدراسات المتقدمة، الذي اضاف بانه "في الوقت نفسه، من المستحيل الانتقال من المعاداة الی التحالف بشكل سريع."
في الخلاصة، الأيام القادمة حبلى بمتغيرات جذرية للسعودية، و لا شك أن الرياض تقف على أعتاب مرحلة انتقالية، فتحدياتها متشابكة بشكل كبير، لأن مكافحة داعش تتطلب تنسيقًا مع إيران في الوقت الذي تسعى فيه السعودية لمواجهة الأخيرة، كما أن الابتعاد عن الحركات السلفية يقوي حركات مثل الإخوان المسلمين.
اذن خيارات الملك الجديد سلمان مصيرية و شديدة الحساسية على الرياض والمنطقة.