الوقت- في هذه الأيام، عندما تحاول تركيا تطبيع العلاقات مع سوريا، يستحضر المحللون الأتراك حالات السنوات القليلة الماضية ويحصون الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها أردوغان في سوريا، وخلال الأسبوع الماضي، تحدث أردوغان مرتين عن دعوة بشار الأسد لزيارة أنقرة.
لقد لعب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم حزب العدالة والتنمية، باعتباره سياسياً، دوراً جدياً في الأزمة في سوريا وتعقيداتها، ولكنه الآن رجع إلى وعيه وأصبح يريد تحسين العلاقة مع دمشق، ولكن هذا الأمر ليس بهذه السهولة، وخاصة في الوضع الذي لم يعترف فيه شخصيا بأخطائه الكبيرة، ولكن في جميع وسائل الإعلام والصحافة في أنقرة واسطنبول، يشار إلى أن أخطاء أردوغان وفريقه في سوريا لا يمكن إنكارها.
ولهذا السبب، يعرض المحللون الأتراك حالات السنوات القليلة الماضية ويحصون الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها أردوغان في سوريا، ولقد ناقش ثلاثة محللين سياسيين مشهورين في تركيا أخطاء سياسة أردوغان الخارجية في سوريا، وأشاروا إلى قضايا يعتبرها كل واحد منهم علامة ورمزًا لخطأ حسابي وخطأ سياسي في تاريخ حزب العدالة والتنمية الممتد لـ 22 عامًا.
ونستعرض معًا جزءًا من تصريحات ثلاثة محللين أتراك حول سوريا:
جوميرت: تبين أن حساباتنا كانت خاطئة
كتب يوسف ضياء جوميرت، المحلل التركي: "أولاً، يجب أن نفكر في هذا السؤال: هل قراراتنا السياسية الخاطئة وغير الصحيحة لها تأثير على تدمير سوريا؟" كان أحد أخطائنا أننا خلال الربيع العربي، تولينا الإطاحة بحكومة سوريا، ولقد لخص فريق أردوغان ما يلي: "لقد قاتلنا في وقت متأخر من ليبيا، واحتج المتمردون بالعلم الفرنسي في بنغازي، لذلك من الضروري البدء بالعمل في سوريا".
وتابع جوميرت: "إذا سارت الأحداث في الاتجاه الذي أردناه، فسيكون المستقبل في مصلحتنا لأنه تمت الإطاحة بنظام البعث وحصلنا على دعم كامل للنظام الجديد، ولكن هذا لم يحدث، وبغض النظر عن مقدار الاستثمار الذي واصلناه في الإطاحة بالأسد ودعم جماعات المعارضة التابعة له، فإننا لم نحصل بعد على نتائج، وحتى الآن، فإن بعض جماعات المعارضة تلك عالقة في إدلب، وطلب الأسد المساعدة من إيران وروسيا وقام بحماية سلطته، ويوجد حاليًا حوالي 3.5 ملايين سوري في تركيا، لقد أنشأنا منطقة آمنة بالقرب من حدودنا حتى يتمكن بعض السوريين من العودة، لكنها لم تكن سوى مساحة صغيرة تبلغ 10000 كيلومتر مربع، علينا أن نتقبل أن سياستنا في سوريا فشلت بكل الطرق، كان هدفنا الطموح هو الإطاحة بالأسد، ولكننا الآن فشلنا في تحقيق ذلك، ولا نشعر إلا بالرضا لأن الأكراد في شمال سوريا ليس لديهم منطقة حكم ذاتي بأوامر من حزب الاتحاد الديمقراطي وبدعم من الولايات المتحدة، هذا! والآن، بعد كل هذه الضجة وكل هذه الشعارات العالية والكلمات الحاسمة، نبحث عن سبل اللقاء مع بشار الأسد والعودة إلى أيامنا الماضية، منتظرين الفرصة، ولم تكن القوى الأجنبية هي التي أوصلتنا إلى هذه النقطة، لقد كانت هذه سياستنا الخاطئة".
أك يول: إنها عقدة عمياء
كتب طه أك يول، المحلل السياسي المحافظ في تركيا، عن أخطاء أردوغان في سوريا: "عندما بدأت الحرب الأهلية السورية في أواخر عام 2011، اعتقدت الحكومة المحافظة في أنقرة أنه يجب الإطاحة بالأسد في أسرع وقت ممكن من أجل تجنب تشكيل النظام"، ولمنع الإرهاب، وفي الوقت نفسه، دعمنا قوة خطابات الإخوان المسلمين في القاهرة ودمشق، لكن في دعمنا للإخوان، كنا متطرفين إلى درجة أن أفعالنا أرعبت حتى العرب وقادت تركيا إلى العزلة والوحدة، وعندما انحازت روسيا رسميًا وعسكريًا إلى جانب الأسد في سبتمبر/أيلول 2015، أدرك الجميع أن الميزان قد تحول لمصلحة الأسد، لكن الرئيس أردوغان ما زال مصرا على خطأه، بل أعلن صراحة في خطابه في ال 29 من تشرين الثاني/نوفمبر 2016: "لقد دخلنا سوريا لإنهاء نظام الأسد".
وكتب طه آك يول: "الجميع كان يعلم أن الحكومة السورية سوف تستمر، حتى الجنرال جوزيف فوتيل، قائد الأركان المركزية الأمريكية عام 2018 في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أعلن دون مجاملة أن الجيش السوري قد انتصر في الحرب الأهلية، لكن أردوغان استمر، وعندما شن الجيش السوري الرسمي المدعوم من روسيا، في ال 27 من فبراير 2020، هجومًا جويًا على كتيبة من القوات المسلحة التركية واستشهد 34 من جنودنا، لم يكن بوسع أنقرة أن تفعل شيئًا سوى الاحتجاج اللفظي، وكان هذا الحادث الكبير علامة على كيفية تصرف روسيا إذا لزم الأمر، وباتباع نفس المسار في عام 2023، أعيد قبول بشار الأسد في جامعة الدول العربية، نعلم جميعًا أن الجامعة العربية كانت دائمًا ضد سياسة تركيا في سوريا، وحتى الآن، يتعين على تركيا، لكي تتمكن من إقامة علاقة طبيعية مع سوريا، أن تستخدم دبلوماسية ذكية، لأن المصالح السياسية لأمريكا وروسيا وأخطاء تركيا الماضية خلقت عمليا عقدة عمياء".
أجاكتان: الحزب الحاكم تخلى عن شعار المهاجرين والأنصار
وقد حقق محمد أجاكتان، وهو محلل سياسي تركي آخر، في عواقب إساءة استخدام الحزب الحاكم في البلاد للمفاهيم والشعارات الدينية.
وكتب: "بدأ حزب العدالة والتنمية العمل عام 2002 بنهج سياسي يقوم على القيم الإنسانية الأساسية مثل القانون والديمقراطية والحرية، ورغم أن البعض ادعى أنه شعار كاذب، إلا أنه حقق تقدمًا كبيرًا في جميع المجالات، لكننا جميعا نعرف ما حدث بعد ذلك، أما حزب العدالة والتنمية فقد تجاهل عملياً كل هذه القيم وذهب إلى فضاء مختلف مع رياح الشعبوية العاتية، فضيّق صفوف القطاعات الدينية المحافظة، وركز فقط على الفوز في الانتخابات... أردوغان، عندما احتاج إلى الأصوات، تحدث عن الأمة الإسلامية، وإخوان الدين، وحقوق الإخوان المسلمين، ومقاتلي ميدان رابعة بالقاهرة، وفي حالة الأزمة في سورية، لفت انتباه الإسلاميين وصرخ: "لقد كانت هذه الأمة نصيرا للمظلومين طوال تاريخها). وعندما نعود إلى دراسة تاريخ القرون، نرى أننا أصبحنا تارة مهاجرين وتارة أصبحنا أنصاراً".
وتابع أجاكتان في كتابته: "الآن، الحزب نفسه، بشعاراته الإسلامية وخطاب المهاجرين والأنصار، وصل إلى حد أنه، بسبب شراكته مع القوميين اليمينيين المتطرفين، يستخدم رمز الذئب الرمادي ودخل العرق التركي ويتجاهل الشعارات الدينية وكان هذا الحزب يتحدث عن الديمقراطية والقانون والحرية، ثم ذهب إلى الأمة والمهاجرين والمستضعفين، وهو الآن يردد عن ارتباط الأتراك بأسطورة الذئب الرمادي! إن النكبة التي حلت باللاجئين السوريين في مدينة قيصرية، هي علامة واضحة على غسل الحزب الحاكم يديه من الشعارات والمثل الدينية حول سوريا والمنطقة".
تجدر الإشارة إلى أنه في ظل إصرار تركيا وحرصها على تطبيع العلاقات مع سوريا، أعلن مسؤولو دمشق أن الشرط الأساسي للتواصل هو انتهاء الوجود الاحتلالي للقوات التركية في سوريا.