الوقت- تتزايد الأبعاد السياسية والاقتصادية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل التصعيد المستمر للأحداث في المنطقة، وفي هذا السياق، قامت النرويج، بخطوة تاريخية تمثلت في الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، تأتي هذه الخطوة تعبيرًا عن المواقف المتزايدة التي تتبناها بعض الدول في مواجهة السلوك الإسرائيلي، الذي تعرض لانتقادات واسعة خلال فترة الحرب الأخيرة.
وفي خطوة تعكس التزامًا قويًا بالقضية الفلسطينية، أعلن صندوق التقاعد النرويجي عن سحب استثماراته بالكامل من السندات الحكومية الإسرائيلية، والتي تُقدر قيمتها بنصف مليار دولار.
هذه الخطوة تُعتبر انتصارًا كبيرًا لحركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات.
وقد رحبت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة "إسرائيل" بهذا القرار، مشيدةً بالجهود الشعبية والعمالية التي ساهمت في تحقيقه.
يستعرض هذا التقرير التوجهات الجديدة في السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، ويُبرز أهمية العزلة العالمية ضد الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، في ظل استمرار الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وبمناسبة يوم الأمم المتحدة، وبحضور وزير الخارجية النرويجي السيد اسبن بارث إيدي، ووزير الخارجية الأسبق السيدة إين اريكسن سوريدي، وقائد فيلق مراقبي الأمم المتحدة في الشرق الأوسط السيد روبرت مود، وبمشاركة الأحزاب النرويجية والتجمع الديمقراطي الفلسطيني في النرويج تم اليوم عقد جلسة حوار، حول دور الأمم المتحدة في حل النزاعات والحروب حول العالم، وسبل تعزيز دورها، وبعد عرض مفصل من وزير الخارجية السيد اسبن، والسيد مود، أثنى السيد وزير الخارجية على مداخلة قدمها الرفيق أبو هادي والتي حيا فيها مواقف حكومة النرويج بالاعتراف بدولة فلسطين، واعتبر أن تعزيز دور الأمم المتحدة يكون من خلال تطبيق قراراتها وتوحيد المعايير والتطبيقات في حل النزاعات والحروب حول العالم، وأهمها القضية الفلسطينية التي يعاني شعبها ويلات حرب الإبادة والتطهير العرقي على امتداد سنوات النكبة منذ عام 1948، وبدعم وتواطؤ أمريكي وصمت غربي، ما أدى إلى تقويض الهيئات الدولية التي أصبحت عاجزة عن تطبيق قراراتها، وساهم في إفلات دولة الاحتلال من العقاب والمساءلة وتقويض القرارات الدولية، وصولا إلى حربها على المؤسسات مثل الأونروا، بهدف تصفية قضية اللاجئين، والاعتداءات المتكررة على قوات اليونيفل في لبنان.
وطالب الرفيق أبو هادي في نهاية مداخلته الحكومة النرويجية ببذل جهود أكبر لوقف حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني، وفرض المزيد من العقوبات وسحب الاستثمارات، ووقف تصدير الأسلحة، ودعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني وفق الشرعية الدولية.
إلى ذلك، في انتصار كبير لحركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها أعلن صندوق التقاعد النرويجي، أحد أكبر صناديق التقاعد في العالم، أنه بحلول شهر نوفمبر الماضي، كان قد سحب استثماراته بالكامل من السندات الحكومية الإسرائيلية، والبالغة قيمتها نصف مليار دولار.
وحيّت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة "إسرائيل" جميع الحراكات الشعبية والعمّالية المناصرة للقضية الفلسطينية التي دفعت باتجاه هذا القرار، وجددت دعوتها لجميع الحكومات والمؤسسات حول العالم لفرض عزلة عالمية على الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، الذي يواصل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحتل والمحاصر، من خلال قطع جميع العلاقات معه وفرض حظر عسكري باتجاهين على "إسرائيل" والعمل على عزلها في كل المحافل الدولية.
يذكر أنّ السندات الإسرائيلية هي قروض من الأفراد والمؤسسات التي ترسل الأموال مباشرة إلى صندوق الحرب التابع للحكومة الإسرائيلية الإبادية والذي يسيطر عليه وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريش، الذي يدعو علنًا إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الشامل للفلسطينيين.
حيث كشفت صحيفة (هآرتس) العبريّة، يوم الثلاثاء، النقاب عن أنّ ألف أديبٍ وفنّانٍ من الغرب تعهدوا بمقاطعة المؤسسات التربويّة الإسرائيليّة، التي تتجاهل التنكيل والتعذيب الذي يتعرض له الشعب العربيّ الفلسطينيّ من قبل الاحتلال الإسرائيليّ.
وأوضحت الصحيفة أنّ الأديبة سالي روني، ريتشيل كوشنير وأرونديهتي روي وآخرين من عالم الثقافة بالغرب قد وقّعوا على رسالةٍ تعهدوا من خلالها بعدم التعاقد مع دور نشرٍ إسرائيليّةٍ، أوْ مهرجاناتٍ في الكيان أوْ مع ناشري إعلاناتٍ تجاريّةٍ، الذين يُشاركون في المسّ السافر بحقوق الشعب العربيّ الفلسطينيّ، على حدّ تعبيرهم.
وتُواصِل الشركات العالميّة، والغربيّة تحديدًا، سحب استثماراتها من الاحتلال الإسرائيلي نصرةً لفلسطين وتعبيرًا عن رفضها العدوان الهمجيّ والبربريّ على قطاع غزّة، وفي هذا السياق تلقّت "إسرائيل" المنبوذة صفعةً جديدةً، إذْ سحبت شركة (ستوربراند) Storebrand Asset Management الاستثمارية النرويجية استثماراتها في شركة (بالانتير) Palantir Technologies، مشيرة إلى مخاوف من أنّ توفير شركة بيانات الذكاء الاصطناعيّ الخدمات للجيش الإسرائيليّ وقوات الأمن من شأنها أنْ تنتهك القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان.
وفي بيان أصدرته الشركة قالت (ستوربراند)، التي تدير أصولاً بقيمة 1.2 تريليون كرونة سويدية (109 مليارات دولار)، إنّها سحبت استثماراتها في شركة (بالانتير) بسبب مبيعاتها للمنتجات والخدمات لـ"إسرائيل" لاستخدامها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال متحدث باسم الشركة لرويترز: إنّ الشركة كانت تملك حصة بنحو 262 مليون كرونة (24 مليون دولار) في (بالانتير).
وتطوِّر شركة تحليل البيانات الأمريكية العملاقة برامج تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من المعطيات والأرقام، والتي تستخدمها الإدارات المدنية الحكومية والوكالات العسكرية والاستخباراتية.
وتستخدم وكالات الاستخبارات منصات برامج بيانات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في المعلومات لتحديد الأهداف وكذلك في اتخاذ القرارات التشغيلية لخطط المعركة.
وتساعد أدوات الذكاء الاصطناعي المحققين في الكشف عن حلقات الإتجار بالبشر، والعثور على الأطفال المستغلين، وفي الكشف عن الجرائم المالية المعقدة والتداول من الداخل في قطاع الأعمال.
وعملت شركة استخراج البيانات التي تتخذ من دنفر مقرًا لها، والتي تبلغ قيمتها السوقية 100 مليار دولار، في "إسرائيل" على مدى العقد الماضي ولديها مكتب في تل أبيب يديره العديد من المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين السابقين.
كما أشارت شركة الاستثمار النرويجية إلى الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في تموز (يوليو) الفائت، والذي أكّد أنّ وجود إسرائيل في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة (على الرغم من الانسحاب العسكري من غزة في عام 2005) غير قانوني.
وكشفت (ستوربراند) النقاب عن أنّه “وفقًا لتحليلها، تقدم شركة (بالانتير) أنظمة شرطة تنبؤية تعتمد على الذكاء الاصطناعي للجيش وقوات الأمن الإسرائيلية لدعم مراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
في ظل تصاعد التوترات والأزمات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، تبرز خطوة النرويج كعلامة فارقة في السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، وإن اعتراف النرويج بالدولة الفلسطينية وسحب صندوق التقاعد النرويجي لاستثماراته من السندات الحكومية الإسرائيلية يمثلان دعماً قوياً لجهود حركة المقاطعة.
يتطلب الوضع الراهن تكاتف المجتمع الدولي لمواجهة الانتهاكات المستمرة، ولتعزيز حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، إن هذه التحركات ليست مجرد خطوات سياسية، بل تعكس التزامًا إنسانيًا وأخلاقيًا يتجاوز الحدود، ما يفتح آفاقًا جديدة للتضامن العالمي مع القضية الفلسطينية.