الوقت- يبدو أن الإدارة التركية وصلت أخيرًا إلى قناعة مفادها بأن العلاقات الإيجابية مع الدولة السورية هي خير وسيلة للحفاظ على الأمن القومي التركي وذلك بعد عداء دام أكثر من اثنى عشر عامًا. وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أكد أنه من الممكن أن تدرس أنقرة رفع مستوى العلاقات مع دمشق من المستوى الاستخباري إلى الدبلوماسي.
وأضاف إن هذا الأمر مرتبط بأن تكون الظروف مؤاتية لذلك. وتابع أوغلو انه لا يوجد حالياً أي مخطط للتواصل مع سوريا، إلّا أن الاتصالات بين أجهزة المخابرات ما زالت مستمرة. وكشف وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، عن إجرائه محادثات قصيرة مع نظيره السوري، فيصل المقداد، بحثا فيها في سبل دعم تركيا للمصالحة بين المعارضة والحكومة السورية.
إذا نظرنا إلى العلاقات بين البلدين نرى أنها مرّت بمطبات كثيرة لكن في جميعها كانت تركيا هي المعتدية فمنذ استقلال سوريا قامت أنقرة بمحاربتها والتحشيد العسكري على حدودها والتهديد بغزوها أكثر من مرة أي منذُ عام 1945، حيث كانت جزءًا من حلف بغداد المعادي لسوريا ومصر ثم قامت بإنشاء السدود على نهر الفرات حتى تجوع وتعطش الشعب السوري وكانت تبتز الدولة السورية بهز الملف تحديدًا، وتعرضت سوريا للجفاف أكثر من مرة ولاسيّما في المنطقة الشرقية، ثم قامت بدعم الحركات الارهابية المسلحة ضد الدولة السورية في عام 1980 وأمنت لهم المكان الآمن داخل الأراضي التركية إضافة إلى التسليح والتمويل والتدريب، وبعدها مدت دمشق يدها للسلم مع وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الحكم، وسميت العلاقات وقتها بشهر العسل السوري التركي، وكانت الأراضي السورية بوابة للبضائع التركية للدول العربية حتى وإن كانت على حساب البضائع السورية، وذلك لأن دمشق كانت تنظر للعلاقة بصورة استراتيجية وللمستقبل.
أردوغان ما لبث وانقلب على اتفاقاته مع سوريا وأعلن العداء معها في عام 2011، ودعم الجماعات الإرهابية المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وتحولت تركيا لبوابة لعبور الإرهابيين إلى الأراضي السورية، وقامت أيضًا بسرقة ثروات البلاد نفطية والزراعية والآثار التي كانت تُهرّب من إدلب وحلب والمنطقة الشرقية إلى تركيا، ثم تمت سرقة المعامل المتطورة في محافظة حلب التي كان يوجد فيها أفخم وأحدث الالآت الصناعية، وجميعها سُرقت ونُهبت وذهبت إلى الأراضي التركية، وخلال تواجد جماعة داعش الإرهابية، كانت تعتبر تركيا بوابة أساسية لتهريب النفط من الحقول السورية التي يسيطر عليها الإرهابيون، إإضافة إلى أن تركيا كانت تستفيد من اللاجئين السوريين لديها حيثُ إنها تأخذ من الأمم المتحدة مليارات الدولارات سنويًا من أجلهم.
خلال سنوات الحرب كانت تركيا هي رأس حربة الهجوم الغربي الدولي على سوريا، وبالتالي إذا أرادت أنقرة الآن أن تعيد علاقاتها مع دمشق عليها أولًا وقبل أي شيء أن تعتذر صراحةً من الشعب السوري وهذا الاعتذار يجب أن يكون عبر فتح أراضيها لتكون بوابة لإعادة إعمار سوريا وأن تضغط على الولايات المتحدة لتعليق العمل بقانون العقوبات الأميركي قيصر الذي يستهدف لقمة عيش الشعب السوري، وبعدها يمكن الحديث عن عودة العلاقات وتقييم وضعها، وخصوصًا أن السوريين يشعرون بالآسف لما قامت به أنقرة ضدهم وهم الشعب الذي فتح أراضيه لها ومد يده لتكون شريكًا له في النجاح الاقليمي والدولي ايضا.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، هو اكثر الحرصين على عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، لانه سيخوض قريبا الانتخابات الرئاسية وعليه أن يفي بوعوده الانتخابية التي ستكون الحفاظ على الأمن القومي التركي ثم حل ملف اللاجئين السوريين ثم العلاقات الإقليمية البعيدة عن الأزمات، الأولى هو يعلم أن قسد والمجموعات المسلحة الكردية التي تتخذ من شرق سوريا مقرًا لها لا يستطيع حل ملفها دون تعاون حقيقي وصريح مع دمشق لأنها هي صاحبة الأرض وعبرها يستطيع إنهاء هذه المخاوف وتطمين الشعب التركي، أما ملف اللاجئين لا يمكن حله دون دمشق، لأن جزءا كبيرا منهم سيعودون إلى مناطق سيطرتها وبالتالي تطبيع العلاقات معها سيسهل على أردوغان تحقيق هذا الهدف، أما الأمر الثالث وهو صفر مشاكل في الإقليم، فلن يتم دون سوريا التي هي على نقطة وصل جميع دول المنطقة وهي نقطة الخلاف أيضًا، وعندما يحقق هذا الهدف وجميع ما ذكر سيحقق الفوز بكل تأكيد في الانتخابات، وبالتالي المصالحة مع سوريا هي بوابة أردوغان للبقاء في الحكم.