الوقت - بينما تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة الحرب الصهيونية لقبول وقف إطلاق النار الذي اقترحته الولايات المتحدة يوما بعد يوم، في الوقت نفسه، يتقدم المتشددون المتحالفون مع نتنياهو أيضا، مستخدمين إجراءات انتحارية للتهرب من وقف إطلاق النار ويضيفون أعمالاً عدائية.
وبعد التهديدات الحربية لنتنياهو وأتباعه ضد لبنان في الأيام الأخيرة، أعلنت الحكومة الصهيونية الآن قراراتها الجديدة لإدارة غزة من دون حماس في المستقبل.
وجاء في إعلان هيئة البث الرسمية للكيان الصهيوني: "وافق مجلس الوزراء الحربي في حكومة الطوارئ الإسرائيلية على مشروع تجريبي في قطاع غزة، يتيح إمكانية اختبار تشكيل حكومة بديلة بدلاً من حماس، بحيث يشمل هذا المشروع عدة أحياء في شمال القطاع".
وحسب هذه المنظمة، فإنه "كجزء من هذا المشروع، سيقوم جيش الاحتلال بحماية عدة مناطق في شمال غزة وسيسمح بوجود قيادة محلية مسؤولة عن إدارة الحياة في قطاع غزة".
ويزعم التقرير أن الخطة تتضمن ظاهرياً "تقديم المساعدات للأحياء في شمال قطاع غزة ومساعدة القيادة المحلية في تلك الأحياء على إدارة الحياة هناك".
ولا شك أن الموافقة على هذه الخطة في الوضع الراهن، حيث تقترب الحرب من نقاطها الحاسمة والمقاومة الفلسطينية على مشارف انتصار كبير، من شأنها أن تقلب الكفة لمصلحة الكيان.
وبهذا الإجراء يظهر الكيان أنه على الرغم من الهزيمة في الحرب، فإنه يواصل تنفيذ مخططاته الاحتلالية في شمال قطاع غزة بطريقة مختلفة، وفي هذا الصدد، من المهم الانتباه إلى أنه حتى في خطة بايدن المقترحة مؤخرًا، لم يرد ذكر انسحاب المحتلين من كامل أراضي غزة، بل تم ذكر الانسحاب من المناطق المزدحمة فقط صراحةً.
بل أبعد من ذلك، فإن مواقف المسؤولين الأمريكيين تظهر أن التخطيط والتنسيق تم بين واشنطن وتل أبيب ومنظمات الحكم الذاتي وبعض الدول العربية في المنطقة لإخراج السيطرة على غزة من أيدي حماس، وفي الواقع، لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الضغوط المفروضة على حكومة نتنياهو لحملها على قبول وقف إطلاق النار باعتبارها نهاية لمؤامرات واشنطن لحل التحديات الأمنية التي يواجهها الكيان في غزة، ونشرت صحيفة " التايمز أوف إسرائيل" الصهيونية، أمس، مضمون خطة أمريكية تتضمن رؤية واشنطن للتقدم في عملية السلام بعد انتهاء حرب غزة.
وحسب هذا التقرير فإن مضمون الخطة الأمريكية ينص على 10 نقاط، أهمها "دعوة المجتمع الدولي إلى دعم إعادة إعمار غزة وفتح المعابر لضمان تدفق المساعدات دون عوائق".
كما تؤكد هذه الخطة على رفض استمرار إدارة غزة من قبل السلطات الحالية، أي حماس، ونزع سلاحها تحت هذه الذريعة.
واستمرارًا لهذه الخطة، اقترحت الولايات المتحدة دمج غزة والضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية خلال الفترة الانتقالية بعد الحرب.
وبطبيعة الحال، تدعي التايمز أوف إسرائيل في استمرار هذا التقرير أن خطة واشنطن المقترحة تدعو أيضا إلى انسحاب كامل للجيش الصهيوني من غزة دون أي احتلال لأراضيها والسماح للفلسطينيين النازحين بالعودة، وهو ما يتعارض حتى هذا البند مع الخطة التي أقرها مجلس الوزراء الصهيوني لإنشاء منطقة حدودية عازلة، وتحديد بديل لحماس لإدارة غزة، وحتى خلق حالة من الفوضى في هذه المنطقة، لا تبرر التدخلات السياسية والعسكرية والأمنية.
هجمات مقصودة على الهيئة الحكومية في غزة
لقد بدأ مجلس الوزراء الصهيوني منذ فترة طويلة في دراسة طرق بديلة لإدارة غزة، لكن محاولات الكيان المتكررة لإزالة حماس والمقاومة من مستقبل هذه المنطقة باءت بالفشل عدة مرات، وفي هذا الصدد، كانت إحدى الخطط الإعلامية الأكثر تداولاً هي الإعلان عن قيام إسرائيليين بالاتصال والتفاوض مع القبائل والعشائر القديمة في غزة لتشكيل مؤسسات مدنية بهدف تنحية المقاومة والتعاون جانباً من أجل الإدارة المستقبلية لهذه المنطقة، مثلها مثل الضفة الغربية، لكن هذه الجهود قُضي عليها في مهدها بسبب المعارضة القوية والحاسمة من قبل قبائل غزة.
وحسب هذه الخطة، وفي إطار محاولة تقسيم قطاع غزة وتفتيته، سعى المحتلون إلى إسناد إدارة هذه المنطقة بشكل مؤقت إلى وفود من العشائر الفلسطينية المعترف بها، بحيث يقوم الإداريون الجدد، بموجب هذا التعاون، بتنفيذ المهام التي يكلفها بها الكيان.
لكن العشائر الفلسطينية في قطاع غزة تقف بحزم ضد هذا السيناريو، وأكدت أن هذه الخطة هي اقتراح مثير للسخرية، وتتماشى مع مساعي خلق الفتنة والفرقة بين الفلسطينيين.
لم يكن الفشل في استرضاء واصطفاف عشائر غزة لإخراج حماس من الدائرة الحاكمة هو نهاية نشاطات الكيان، وحسب مصادر محلية في حديث مع صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن جيش الاحتلال خلال الشهر الماضي بدأ عملياته بملاحقة واغتيال كل الشخصيات، التي تلعب دوراً فعالاً في تقديم الخدمات الحكومية للشعب.
وبناء على ذلك يقال إنه في الأيام الأخيرة تم اعتقال الدكتور إياد المغري رئيس بلدية الناصرات مع اثنين هما رئيسا بلدية منطقة الوسطى بغزة مروان حمد رئيس بلدية الزهراء، وحاتم الغمري رئيس بلدية الناصرات، واغتيال رئيس بلدية مخيم المغازي على يد العدو، إلى ذلك، استهدف الجيش الصهيوني كل الشخصيات الحكومية التي تعمل في الأجهزة الأمنية، وقام مطلع الأسبوع الجاري بقتل ثمانية من رجال الشرطة في مدينة دير البلح، وخمسة من رجال الأمن في مخيم الشاطئ.
وحسب هذه الصحيفة، فإن وراء هذه الاغتيالات، يتبع الكيان الصهيوني خطة إضعاف جوانب العمل الحكومي وخدمات الرعاية الاجتماعية مثل فتح الشوارع وتوفير المياه وجمع القمامة، والسيطرة على الوضع الأمني مثل القبض على اللصوص وتقديم المساعدات، وفي نهاية المطاف، فإنها تؤدي إلى فراغ في الخدمات الحكومية وبالتالي إلى انتشار الفوضى ودفع الناس إلى الصراع.
ومع ذلك، يواصل رؤساء البلديات أداء واجباتهم المعلنة، على الرغم من التهديدات بالاغتيال، واللجان المدنية والشعبية التطوعية تملأ الفراغ الأمني والخدمي، ويمكن القول إن الهيئة الحكومية التي يلاحقها جيش الاحتلال امتلأت بتشكيل هيئة من المتطوعين الشعبيين الذين يمنعون المدينة من الوقوع في الفوضى.
وفي هذا السياق كشف مصدر إعلامي في حركة حماس أن اغتيال شخصيات محلية ناشطة يرتبط بخطة تسمى "الجزر الإنسانية" ويحاول جيش الاحتلال بموجبها تطهير مناطق شمال ووسط غزة من حضور أعضاء حركة المقاومة.
ويعتقد العدو أنه قادر على تدمير جسد الحكومة الخاضعة لسيطرة حماس من خلال إزاحة الشخصيات المدنية الناشطة، إلا أن الواقع على الأرض يختلف عن الطموحات الإسرائيلية، إذ تتمتع حماس بجسم مرن للغاية يستطيع التعامل مع مختلف حالات الأزمات، ويمنع حدوث الفوضى والصراعات الداخلية حتى في المناطق التي تشهد أعلى كثافة سكانية.
ويجب أن نضيف أيضًا أنه حتى هذه المجموعة الجديدة من المتطوعين لم تدر ظهرها للمقاومة ولم تخضع لمخططات الكيان الصهيوني.
وقال أبو حامد، أحد أبناء الأحياء شمال قطاع غزة، في بيان له: إن الأهالي وافقوا على النشاط التطوعي للشخصيات المدنية والتعاون في معالجة شؤونهم، هذه الشخصيات ليست حزبية بطبيعتها، لكنها ليست معادية للمقاومة وغير مستعدة للخضوع للاحتلال"، وأضاف في حديث لـ«الأخبار»: رفضنا الخروج من منازلنا ونقوم بدورنا في توفير المياه لعائلاتنا، وأنا أيضاً من دائرة الخدمة الاجتماعية، والفصائل، بما فيها حماس، تنتمي إلينا ونحن ننتمي إليها".
وفي تعليق آخر، تؤكد شخصية مدنية متطوعة أخرى في غزة أن "كل ما يتمناه العدو محكوم عليه بالفشل، لأن إرادة ونبض الشارع لن تستسلم لمخططات إسرائيل ولن تقبل الوجوه التي تخون".