الوقت - بعد مرور عقدين من الزمن على توقيع الاتفاق لبناء خط أنابيب السلام بين إيران وباكستان، بدأت الآمال تظهر في إحياء هذا المشروع.
حيث قررت باكستان استكمال مشروع خط أنابيب الغاز من إيران على مرحلتين على أراضيها، وبناءً على ذلك، وافق مجلس تيسير الاستثمار الخاص الباكستاني (SIFC) على خطة ستنفذ أولاً 81 كيلومترًا كجزء من خط الأنابيب البالغ طوله 781 كيلومترًا، والذي سيتم ربطه بـ (نوابشاه) في مراحل لاحقة.
وفي هذا الصدد، سيحصل "قطاع النفط" قريباً على الموافقات اللازمة من مجلس الوزراء الاتحادي، لتنفيذ خط الأنابيب البالغ طوله 81 كيلومتراً، وستقوم وزارة المالية بتوفير الأموال المطلوبة من مجلس تطوير البنية التحتية للغاز (GIDC).
وحسب مسؤولين في إسلام آباد، فإنه بموجب هذا البرنامج، سيربط خط الأنابيب البالغ طوله 81 كيلومتراً بمدينة جوادر بمشروع خط الغاز الإيراني-الباكستاني، وسيتم استخدام الغاز في جوادر.
تأتي تحرکات باكستان الجديدة لإحياء خط الأنابيب هذا، فيما سبق أن منحت إيران باكستان مهلة 180 يوماً حتى سبتمبر/أيلول 2024، وإذا لم تقم سلطات إسلام آباد ببناء خط الأنابيب هذا، فستحصل طهران على تعويض قدره 18 مليار دولار من باكستان، باستخدام التحكيم الدولي الذي يوجد مقره في باريس.
ومع ذلك، عرضت إيران أيضًا خبرتها القانونية والفنية على باكستان لصياغة استراتيجية مشتركة مربحة للجانبين قبل نهاية مهلة الـ 180 يومًا، لتجنب هذه المشكلة.
ودفعت الضغوط الناجمة عن قرار إيران استخدام بند التعويضات في اتفاقية شراء الغاز التي وقعها البلدان في عام 2009، الحكومة الباكستانية إلى إرسال وفد رسمي إلى إيران في مارس من العام الماضي، وقال مسؤولون في إسلام آباد إن بناء خط الأنابيب هذا يمثّل أولوية الحكومة، ووصفوه بأنه السبيل الوحيد لتلبية احتياجات البلاد من الطاقة.
خط أنابيب السلام هو مشروع لتصدير الغاز الإيراني إلى الهند وباكستان، وبناءً على التفاهمات تتعهد إيران ببيع غازها إلى هذه الدول بسعر متفق عليه لمدة 25 عاماً، وهذا المسار هو الطريقة الأكثر اقتصاداً لتزويد شبه القارة الهندية بالطاقة.
يبلغ طول خط الأنابيب من إيران إلى الهند 2700 كيلومتر، ونصت الاتفاقيات الأولية للدول الثلاث على بناء 1100 كيلومتر من هذا الخط في إيران، و780 كيلومتراً في باكستان، و600 كيلومتر في الهند.
ومع استكمال هذه الخطة، سيتم تصدير 150 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني إلى الهند وباكستان يومياً، منها 90 مليون متر مكعب للهند، و60 مليون متر مكعب لباكستان، وأُعلن أن تكلفة تنفيذ هذا المشروع في التقديرات الأولية هي 4.5 مليارات دولار، لكن الآن يقدّر الخبراء تكلفة المشروع بنحو 7 مليارات دولار.
وكان من المفترض أن يبدأ تشغيل خط الأنابيب هذا، الذي بدأ في عام 2002، في عام 2014، لكنه ترك غير مكتمل بسبب انسحاب الهند من المشروع، وتأخير باكستان في بناء خط الأنابيب داخل هذا البلد.
وكان السبب الأهم لانسحاب الهند وباكستان من مشروع الغاز هذا، هو العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، والتي ضغطت على هاتين الدولتين لعدم المشاركة في خط أنابيب السلام، ولكن مع التغيرات العالمية وعدم فعالية العقوبات الغربية، أبدت باكستان مرةً أخرى تأييدها لهذا المشروع.
قرار باكستان، استراتيجي أم تكتيكي؟
على الرغم من أن باكستان تريد على ما يبدو إظهار عزمها استكمال خط الأنابيب هذا، لكن إذا نظرت الجارة الشرقية لإيران إلى هذه القضية بمنظور استراتيجي واستشرافي وعزمت علی تنفيذ هذا المشروع، فسيكون ذلك مفيداً للنمو الاقتصادي والازدهار وتلبية احتياجات الطاقة في المنطقة.
ولذلك، فإن نجاح هذا المشروع يعتمد على إنجازه في الوقت المناسب، والتغلب على العقبات المحتملة لتجنب التحكيم والعقوبات المالية اللاحقة، ومع القرار الأخير الذي اتخذته باكستان، فإن إيران قد تؤخر عملية التحكيم اعتماداً على التقدم الذي تحرزه باكستان.
لكن إذا تأخرت إسلام آباد مرةً أخرى في الوفاء بالتزاماتها، فإن طهران لن تتسامح هذه المرة، وسيكون دفع التكلفة الباهظة البالغة 18 مليار دولار، أمراً مكلفاً للغاية بالنسبة لباكستان المنكوبة بالأزمة، والتي حصلت على قروض من المؤسسات المالية الدولية في الأشهر الأخيرة للخروج من الأزمة المالية الحادة.
ومن ناحية أخرى، وبما أن المشاريع البديلة مثل خط أنابيب "تابي" بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند قد تم اقتراحها في العقدين الماضيين، لذلك ينبغي على باكستان أن تضمن التزامها باتفاقيات الغاز مع إيران، بغض النظر عن فوائد طرق نقل الطاقة الأخرى.
في عام 2017، اضطرت باكستان إلى تعليق اتفاقيات الغاز مع قطر تحت ضغط السعودية، وليس من المستبعد أن تتخلى عن التزاماتها تحت ضغط أجنبي في خط أنابيب السلام.
خط أنابيب السلام يزوّد باكستان باحتياجاتها
يمثّل قرار تشغيل مشروع خط أنابيب الغاز تحولاً استراتيجياً في العلاقات الثنائية، من شأنه أن يبشر بعهد جديد من التعاون المتبادل.
والواقع أن القرار الذي اتخذته باكستان مؤخراً، يشكل أكثر من مجرد خطوة إجرائية، وهو يعني ضمناً الالتزام بالأهداف المشتركة والازدهار الاقتصادي.
کما أن تمديد إيران للمهلة حتى سبتمبر 2024، إلى جانب عرض المساعدة القانونية والفنية، يؤكد على الشراكة التي تتجاوز مجرد التفاعلات المتبادلة، وسيكون لها تأثير إيجابي على تعزيز علاقات الطاقة والاستقرار الإقليمي.
ولا يمكن تجاهل الأهمية الاستراتيجية لخط الأنابيب هذا، إذ إن هذا المشروع لا يشكل قناةً للغاز الطبيعي فحسب، بل شريان حياة لشعب باكستان الذي يعاني من نقص الطاقة.
وسيكون ميناء جوادر، بموقعه المناسب على بحر العرب، بوابةً لنقل الغاز من إيران، ويعدّ هذا المشروع دليلاً على تعاون البلدين اللذين سخرا الموارد والخبرات وحسن النية، لتقليل الخلافات في مجال الطاقة.
ويعتقد رضوان شاه، الخبير الباكستاني، أن "استكمال خط الأنابيب هذا، يبشّر ببداية فترة من الانتعاش الاقتصادي في باكستان، حيث مع ازدهار الأعمال التجارية، ستستفيد الأسر بالتساوي من فوائد الطاقة بأسعار معقولة".
ويقول هذا الخبير: "في حين أن مشروع خط أنابيب الغاز الباكستاني-الإيراني، يعدّ خطوةً تاريخيةً نحو تلبية احتياجات الطاقة الملحة، إلا أنه بمثابة دعوة واضحة للتأمل في أهمية تطوير مصادر الطاقة المحلية".
ويضيف: "من خلال تسخير الموارد المحلية وتنويع مصادر الطاقة، تستطيع باكستان أن تمهّد الطريق للمستقبل، حيث يتم تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية إلى الحد الأدنى، ولذلك، فإن هذا المشروع لا يهدف فقط إلى توفير الطاقة من إيران، بل إلى خلق حوار أوسع حول استقلال الطاقة واستدامتها".
المنافسة مع الهند
بالإضافة إلى زيادة مستوى التعاون مع إيران، فإن الجهود التي بذلتها باكستان مؤخراً لإكمال خط الأنابيب هذا، ترتبط أيضاً بالتغيرات والتطورات الإقليمية.
مع الأخذ في الاعتبار أنه في العامين الماضيين، دخلت دول المنطقة سوق إيران من خلال توسيع علاقاتها الاقتصادية مع هذا البلد، وخصصت حصةً لها من التجارة، حتى لا تتخلف باكستان عن هذه القافلة، ووضعت تطوير العلاقات مع طهران على رأس خطط سياستها الخارجية.
وتشعر باكستان بالقلق من أن الهند حسنت علاقاتها مع إيران، وأنها ستستثمر المليارات في ميناء تشابهار وممرات السكك الحديدية التي تربط المحيط الهندي بآسيا الوسطى، ولذلك، تحاول سلطات إسلام آباد منع العوائق التي قد تنشأ مستقبلاً في طريق هذا المشروع، من خلال استكمال خط أنابيب الغاز.
وبما أنه بموجب الاتفاقيات، يجب نقل خط الأنابيب هذا من باكستان إلى الهند، لذلك تحاول إسلام آباد إكمال هذا المشروع في أسرع وقت ممكن، وكسب الدخل منه إذا امتدّ إلی داخل الأراضي الهندية.
کذلك، تشعر باكستان بالقلق من أن التأخير في بناء خط أنابيب الغاز، سيجبر الهند على نقل الغاز الإيراني عبر طريق آخر، وفي هذه الحالة ستقطع يد باكستان عن كسب الدولارات من خط الأنابيب هذا.
ومن ناحية أخرى، إذا كانت باكستان هي السبيل الوحيد لنقل الغاز الإيراني إلى الهند، في أوقات الأزمات والتوتر مع جارتها الشرقية، فيمكنها استخدام أداة الضغط المتمثلة في نقل الغاز للحصول على المزيد من الامتيازات من نيودلهي.
ولذلك، من خلال تعزيز تعاونها التجاري مع الصين لتطوير البنية التحتية بهدف تحدي خطط الهند الاقتصادية، تواصل باكستان في الوقت نفسه استراتيجية توسيع التفاعل مع طهران، لزيادة ثقلها في التطورات الإقليمية من خلال الخروج من الأزمات الداخلية.
وفي الختام، فإن مشروع خط أنابيب الغاز هو شهادة على تطور التعاون بين إيران وباكستان، وبما أن كلا البلدين مصممان على تحقيق هذا المشروع، فإنهما لا يهدفان إلى تخفيف أزمة الطاقة فحسب، بل يهدفان أيضًا إلى إرساء الأساس لمستقبل يتسم بالرخاء والاستقرار والاعتماد على الذات.
مع اكتمال خط أنابيب السلام، ومع تحرك عجلات التعاون الاقتصادي، ستشهد السنوات المقبلة بلا شك تحولاً كبيراً في مشهد الطاقة في المنطقة، الأمر الذي يعد بفصل جديد من تنمية التعاون والتنمية الاقتصادية بين الجيران.