الوقت - في خضم الأوضاع المضطربة التي تشهدها هذه الأيام منطقة غرب آسيا، توجّه علي أكبر أحمديان، ممثل المرشد الإيراني الأعلى وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، إلى موسكو يوم الأربعاء الماضي بدعوة رسمية من نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن القومي الروسي.
يقال إن هذه الزيارة، وهي الزيارة الأولى لأحمديان إلى موسكو بعد توليه هذا المنصب، جاءت بهدف تطوير العلاقات الأمنية والاقتصادية بين البلدين، وحسب بيان مجلس الأمن القومي الروسي، فقد تمت مناقشة مجموعة واسعة من قضايا التعاون الأمني الروسي الإيراني في المفاوضات بين الجانبين.
فيما يتعلق بمحاور وأهداف هذه الرحلة، وكذلك بحث مستوى التعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا الاتحادية، تحدث "الوقت: مع السيد "روح الله مدبر" الخبير في الشؤون الروسية.
الوقت: كيف تقيمون هذه الرحلة في الوقت الحالي وفي خضم التطورات التي تشهدها المنطقة؟
السيد مدبر: تم تحديد موعد الاجتماع بين أميني المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني والاتحاد الروسي على أساس تقويمي، واستمر بشكل مستمر طوال العام، وتتماشى هذه الدعوة مع حقيقة أن طهران وموسكو دائماً في وئام مع بعضهما البعض، في طريق التقارب الأمني الإقليمي وعبر الإقليمي.
الرحلة الأخيرة تمت بدعوة من السيد نيكلاي باتروشيف ولها عدة محاور، وكان أحد هذه المحاور مسألة تطورات الأمن الإقليمي، هناك آراء مشتركة بين طهران وموسكو فيما يتعلق بزيادة التوتر في البحر الأحمر، وهما ضد توسع التوتر في هذه المنطقة، وعلى وجه الخصوص، انتقدت روسيا الاتحادية بشدة الجانبين الأمريكي والبريطاني لاستغلالهما قرار مجلس الأمن لشن هجمات على اليمن.
بالنظر إلى استمرار الهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن، وزيادة احتمالات توسيع نطاق التوتر والصراع، فإن هذا الأمر يتطلب التقارب والتنسيق والحوار بين السلطات الأمنية في إيران وروسيا للوصول إلى التوقعات المتوسطة، بناءً على مجالات وتأثير إيران في اليمن، وقدرات روسيا في مجلس الأمن.
الوقت: كما ذكرتم، هناك مجال مهم للغاية يتعلق بأزمة غزة، وهو مسألة التوترات في البحر الأحمر. لقد امتنع الروس عن التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن اليمن، لكنهم أدانوه بعد الهجوم. هل تعتقدون أنهم خُدعوا من قبل الأمريكان؟
السيد مدبر: باعتبار أن الروس هم مؤسسو علم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، فقد ولدت الدبلوماسية في روسيا القيصرية. ولذلك، فإن الدبلوماسيين الروس هم دبلوماسيون مدربون.
فيما يتعلق بالامتناع عن التصويت على القرار، نظراً لأن الجانب الأمريكي والبريطاني دفعا بالقضية اليمنية عبر ذريعة تعطيل أمن الخطوط الملاحية، فقد دفعهما ذلك إلى رفع الاقتراح إلى مجلس الأمن بتقارب اليابان، وقبل ذلك حصلا علی إجماع وآراء الأعضاء الدائمين وغير الدائمين.
شددت الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان على عنوان "اضطراب الأمن البحري"، وتسبب ذلك في تقييد أيدي الدول الأعضاء في مجلس الأمن والتي لها حق النقض (الفيتو)، ومحدودية قدرتها على استخدام حق النقض على هذا القرار، لأنه قد يتعرضون للهجوم من قبل وسائل الإعلام التي التزمت الصمت بشأن هذه القضية.
ولذلك، قام الروس بإدخال تعديل على هذا القرار، والذي لو تم إقراره كان سيبطل هذا القرار، لأن أمريكا استخدمت حق النقض ضد هذا التعديل. ومرةً أخرى، أضاف الروس فقرةً لهذا القرار، تنص على أن أولوية هذا القرار هي المفاوضات الدبلوماسية لمنع انتشار التوترات.
هناك أيضًا بند ذكر اليمن، وتابع أنه يمكن للدول الأعضاء في مجلس الأمن اتخاذ إجراءات للحفاظ على طرق الشحن والأمن البحري الخاصة بها.
وفي الواقع، فإن هذا القرار يشكل فرصةً لجميع الأعضاء الدائمين، مثل الصين، للقيام بعمل عسكري ضد تايوان بسبب انتهاكها للمجال البحري. أو روسيا، التي يمكنها التحرك ضد أوكرانيا على نفس الأساس في البحر الأسود. وبطبيعة الحال، فإن الاتجاه المناهض لروسيا في إيران قوي. وبالطبع، أرسلت روسيا رسالةً إلى أميركا مفادها أنها فسرت هذا القرار تفسيراً واسعاً.
لقد أصدرت أمريكا قراراً يتم من خلاله القيام بعمل عسكري ضد اليمن، لكنها الآن أعطت امتيازاً لجميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بأنه يمكن أن يكون لها أي تفسير لأمنها البحري وخطوطها الملاحية على هذا الأساس.
الوقت: على مدى العقد الماضي، كانت إحدى الملفات الرئيسية للتعاون العسكري والأمني بين إيران وروسيا، في سوريا.. كيف تقيمون موقف روسيا كقوة ثالثة فيما يتعلق باستشهاد المستشارين الإيرانيين في سوريا؟ لماذا لم يرد الروس في هذا الملف؟
السيد مدبر: من أجل تعكير صفو العلاقات بين إيران وروسيا، ينشر الجانب الغربي كذبةً تقوم على أن الدفاع الروسي لا يتحرك أثناء الهجمات الإسرائيلية، يجب أن أقول إن هذه كذبة مطلقة، والغرض من هذه الكذبة هو أنه في الوضع الذي نقوم فيه بتوسيع علاقاتنا مع روسيا وبعد عدة سنوات من متابعة إيران، سيتم قريباً التوقيع على مذكرة تعاون شاملة بين إيران وروسيا لمدة 20 عاماً، والتي لها العديد من الأبعاد.
وفيما يتعلق بمسألة عدم نشاط الدفاع الروسي، ينبغي القول إن الفنيين يعرفون أين يقع هذا النظام الدفاعي، والأماكن التي يهاجمها الكيان الصهيوني ليست في النطاق العملياتي لهذا النظام الدفاعي.
في الواقع، يثير البعض هذه القضية بهدف إثارة الجدل، وينسون المتهم الرئيسي، وهو الکيان الإسرائيلي الذي يهاجم المناطق السكنية، ويلومون روسيا، لقد وجّه الروس دائماً تحذيراتهم للجانب الإسرائيلي، وليس من الضروري إثارة هذه القضية في وسائل الإعلام، ولکن يرى البعض أن كل القضايا الأمنية يجب أن تثار في الإعلام.
تنسق روسيا وإيران مع بعضهما البعض في سوريا، وتعملان على محاربة الإرهاب، وهم موجودون في هذا البلد على أساس اتفاق مع الحكومة السورية، ويتقاربون مع بعضهم البعض بقدر الضرورة، ولا يجب أن تصبح هذه القضية أداةً للخلاف.
في الأسبوع الماضي، رسمت وسائل الإعلام المعادية لإيران، مثل بي بي سي الفارسية، وإذاعة أمريكا، وإيران إنترناشيونال، الخط الرئيسي لهذه الرواية، وعلينا أن ننتبه إلى أنه عندما تقوم وسائل إعلام مثل إيران إنترناشيونال، التابعة للكيان الصهيوني، بخلق هذه الرواية خلف الستار، فإن الهدف هو خلق الخلافات بين إيران وروسيا، ونسيان المتهم الرئيسي وهو الکيان الصهيوني.
الوقت: دعونا نتحدث عن التطورات في فلسطين... نظراً للتطورات الأخيرة في غزة وطبيعة الوضع الحرج في هذه المنطقة واحتمال انتشار خطر الحرب في المنطقة، ما مكان هذه القضية في مفاوضات "أحمديان" مع السلطات الروسية؟ وما هي السياسة التي اعتمدها الروس في هذا الصدد؟
السيد مدبر: الشيء المهم هو أن روسيا بدأت دبلوماسيةً نشطةً منذ بداية أزمة غزة، وبالتقارب والتعاون مع سفراء الدول الإسلامية، تم عقد اجتماع مهم في وزارة الخارجية الروسية، وكان الرئيس الروسي بوتين قد أكد على عدة خطوات فيما يتعلق بوقف الحرب والصراع في غزة، ورفع الحصار الغذائي والصحي عن هذا القطاع.
"بالتأكيد هذا أحد محاور الحوار، لكن هناك نقطة مفادها بأن الروس حساسون بشكل خاص بشأن قضية الرهائن من المواطنين الروس الذين تحتجزهم حماس، ومن الأفضل أن تطلق حماس سراح الرهائن الروس".
وقد أثار الروس هذه القضية في زيارتين لحماس إلى موسكو، والنقطة الثانية هي أن الروس ضد تصرفات الکيان الإسرائيلي، لكن الحقيقة هي أن هناك فرقاً بين موقف طهران وموسكو بشأن القضية الفلسطينية، وهو أن موسكو تؤمن بمشروع حل الدولتين، وتقول إنه يجب تشكيل حكومتين فلسطينية وإسرائيلية مستقلتين، وهو ما يختلف عن الرؤية الإيرانية.
لكن هناك العديد من النقاط المشتركة بين إيران وروسيا، حيث يؤمن كلا البلدين بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وكذلك منع الهجمات على المناطق المدنية ورفع الحصار، ونظراً للنفوذ الذي تتمتع به روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنها تسعى إلى تحقيق هذه المطالب، ومن المؤكد أن المفاوضات بين أحمديان وباتروشيف يمكن أن تركز على النقاط المشتركة، وتقاسم العمل بين الجانبين في هذا المجال.
الوقت: بخصوص الرهائن الروس، قلتم إنهم مواطنون إسرائيليون؟
السيد مدبر: نعم. مليون ونصف مليون مواطن إسرائيلي هم مواطنون روس، ويعتبرون يهودًا من أصل روسي، ومن بينهم، حسب الإحصائيات التي أعلنتها وزارة الخارجية الروسية، يوجد ما بين 6 إلى 8 مواطنين روسيين إسرائيليين مزدوجي الجنسية تحت تصرف حماس، وهذا الموضوع مهم جداً بالنسبة للروس، لدرجة أن روسيا أكدت في زيارة وفد حماس على حريتهم.
ومن القضايا التي يتابعها الروس هذا الموقف، وقد أعطت حماس أيضاً وعداً إيجابياً، لكن الشيء المهم هو أن الروس لديهم خلاف جدي مع الأمريكيين بشأن قضية غزة.
بالأمس، أعلن بايدن أنه يجب قتل جميع قادة حماس، وأن الولايات المتحدة لا تميز بين القصف الجوي على المناطق السكنية والعسكرية، لكن روسيا تعارض بشدة الغارات الجوية على المناطق السكنية في غزة.
وعلى النقيض من الولايات المتحدة، فإن روسيا لا تعتبر حماس منظمةً إرهابيةً، لقد حافظت روسيا على علاقاتها مع حماس على أساس اعتبارات، ووجهت لها دعوات، الأمر الذي قد يؤدي إلى سماع صوت حماس في مجلس الأمن.
إن الدولة الوحيدة التي تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن وتتفاوض مع حماس، هي روسيا، ولذلك، فإن دور روسيا يساعد في تخفيف الضغوط على الشعب الفلسطيني.
لقد تمكنت أكثر من 10 طائرات إليوشن روسية من إرسال مساعدات إنسانية إلى غزة حتى الآن، والسبب وراء ذلك هو أن روسيا تجري مفاوضات متزامنة مع مصر والکيان الإسرائيلي.
علينا أن نمنع تنفيذ الخطة الأمريكية التي تؤمن بتدمير حماس على حساب قتل كل من هناك، وهذا يوضح للمجتمع البشري نوع النهج المناهض للإنسانية الذي تتبعه أمريكا، إن التقارب بين طهران وموسكو يؤدي إلى تداخل بعض نقاط الاختلاف، ويمكن أن يساعد في نهاية المطاف في الأزمة الحالية لشعب غزة.
الوقت: دعونا نتحدث عن التعاون العسكري... فيما يتعلق بشراء سوخوي 35 من روسيا، يرجى التوضيح عن آخر تطورات التعاون، وما هو تقييمكم لمستقبل العلاقات العسكرية بين البلدين؟
السيد مدبر: أنا لا أتحدث عن الطائرات الحربية، فسلطة التعليق على هذا الأمر تعود إلى قيادة القوات المسلحة الإيرانية، لكن التعاون العسكري بين إيران وروسيا يسير في الاتجاه الصحيح في مختلف الأبعاد، وخاصةً في هيكل هادف وذكي، وهذه نقطة مهمة أثارت غضب الجانب الأمريكي.
وحتى الآن رأينا أن واشنطن أصدرت عدة تصريحات حول عدم تعزيز التعاون العسكري بين إيران وروسيا، وتأتي هذه المواقف لأنه من المفترض أن يتعاون الروس مع إيران في مجال التكنولوجيا العسكرية، وخاصةً في الحالات التي تخضع فيها إيران للعقوبات.
وقبل 10 أيام، أجرى سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، محادثات مع محمد رضا أشتياني، وزير الدفاع الإيراني، وكما تعلمون، عندما تجري محادثة، فهذا يعني أن التعاون قد انتهى من قبل، ما يشير إلى مسار إيجابي في عملية التعاون العسكري بين البلدين.