الوقت- مع إطالة أمد الحرب في غزة، والتي رافقها يأس الكيان الصهيوني المحتل في غزة واحتدام الكراهية العالمية لهذا الكيان البغيض والقاتل للأطفال، نشهد انخفاضا في صمود سكان الأراضي المحتلة وحتى أفراد جيش الكيان الصهيوني وقوات الأمن تجاه هذه القضية، والحقيقة أنه في الوقت الذي تتزايد فيه جرائم الصهاينة في غزة، وفي حين يستحيل عليهم تحقيق أهدافهم المعلنة في حرب غزة، فإن تل أبيب وداعميها الغربيين، بما في ذلك واشنطن والاتحاد الأوروبي، لم يعد لديهم القوة لمواصلة هذه الحملة الوحشية.
تحليل حرب غزة على أساس تحليل التكلفة والعائد
في هذه الأيام، يقوم رؤساء الكيان الصهيوني المحتل بتحليل التكلفة والعائد من حرب غزة واستمرارها، ولقد أدت عملية طوفان الأقصى إلى إصابة الأجهزة السياسية والأمنية للكيان الصهيوني بالشلل، ورئيس الوزراء ورؤساء وأجهزة المخابرات، وبعد ساعات قليلة من عملية المقاومة، تحدث العديد من المراقبين الأجانب عن سقوط حكومة الكيان الصهيوني، وفي هذا الوضع يبدو أن "نتنياهو" ينوي إيجاد طريقة للبقاء في السلطة من خلال إطالة أمد عملية الحرب وعدم القبول بوقف إطلاق نار طويل الأمد، وفي نظام تحليل "التكلفة والعائد"، عندما يؤدي استمرار السياسة إلى إضعاف قوة الوحدة السياسية ضد الجهات الفاعلة الأخرى، يتعين على الساسة إنقاذ البلاد من الطريق المسدود من خلال اتخاذ قرارات جديدة، وعلى الرغم من ذلك، يرى بعض المحللين أنه في ظروف استثنائية سيكون من الممكن للقادة السياسيين أو القادة العسكريين اتخاذ قرارات عقلانية، وقد يتخذ السياسيون قرارات بناء على متغيرات مثل ضغط الرأي العام، والمصالح الشخصية أو الجماعية، وإرادة الجهات الأجنبية.
"إسرائيل" مشلولة
وبالإضافة إلى إصابة الجهاز السياسي والأمني للكيان الصهيوني بالشلل، بعد عملية "طوفان الأقصى" الخاطفة، تعرضت الحكومة اليمينية للكيان لهجوم من الرأي العام الصهيوني باعتبارها الصف الأول والمدعى عليه، وفي هذه الأثناء، يستهدف رأس سهم الانتقادات رئيس الوزراء ورؤساء أجهزة المخابرات الذين تجاهلوا التحذيرات الأمنية، وبعد ساعات قليلة من عملية طوفان الأقصى، تحدث العديد من المراقبين الأجانب عن الموت السياسي لبنيامين نتنياهو وسقوط الحكومة.
وفي هذا الوضع يبدو أن "نتنياهو" ينوي إيجاد طريقة للبقاء في السلطة من خلال إطالة أمد عملية الحرب وعدم القبول بوقف إطلاق نار طويل الأمد، وللتعويض عن سمعتهم المفقودة، طرح الصهاينة ثلاثة شروط، يبدو كل منها خيارا صعبا للغاية، إن تدمير حماس، وإطلاق سراح السجناء، والتغيير في وضع قطاع غزة يظهر رغبة نتنياهو في الاستمرار كرئيس، ويعتقد منتقدوه أن الفشل الاستخباراتي للكيان الصهيوني كبير جدًا لدرجة أنه ليس نتنياهو وحده، بل الحركة اليمينية بأكملها معرضة لخطر التهميش.
اقتصاد الصهاينة المضطرب
في الأساس، لا يمكن للاقتصاد الذي يعتمد على النقل والسياحة والإنتاج الصناعي ومجموعات الشركات الناشئة، وما إلى ذلك، أن يتسامح مع غياب القوى العاملة على المدى الطويل بحجة الحرب. وبعد تكثيف إجراءات الجيش اليمني واللجان الشعبية ضد السفن التجارية والسفن الحربية في البحر الأحمر، وجهت لندن وواشنطن أصابع الاتهام إلى طهران وحددت إيران باعتبارها المذنب الرئيسي لهذه الهجمات.
ما لا شك فيه أن استمرار الحرب في قطاع غزة سيوفر إمكانية وقوع اشتباكات بين قوات طرفي الصراع وحتى وقوع حرب غير مرغوب فيها، وقبل الإعلان الرسمي عن وقف مؤقت لإطلاق النار بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة في قطاع غزة، أعلن خبراء أن تكلفة الحرب على الكيان الصهيوني تتراوح بين 45-50 مليار دولار، وتخطط تل أبيب لتعويض جزء من هذه التكلفة من خلال إصدار سندات وجزء آخر من خلال تلقي مساعدات خارجية وتكشف الإحصائيات الاقتصادية حقيقة أن الصهاينة غير مستعدين لحرب طويلة الأمد.
الموعد النهائي المقدم من البيت الأبيض لتل أبيب
وعليه، أقر المؤيدون الغربيون للكيان الصهيوني المحتل بعدم قدرة نتنياهو على إدارة ساحة المعركة في غزة أكثر من أي وقت مضى، وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصهيونية أن أمريكا أمهلت هذا الكيان حتى مطلع العام المقبل (2024) لإنهاء الحرب في غزة، وسبق أن قال بيني غانتس، عضو حكومة الحرب في الكيان الصهيوني: "سنواصل الهجوم البري ولا شيء يمكن أن يوقفنا، وإسرائيل (الكيان) هي التي تحدد مستقبل الحرب"، ولكن من الواضح الآن أن الصهاينة لا يملكون القدرة على تحقيق أهدافهم في حرب غزة، ولقد أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية، السبت 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عملية مباغتة أسمتها "طوفان الأقصى" من غزة (جنوب فلسطين) ضد مواقع الكيان الصهيوني المحتل، ولكن هذا الكيان، قام بالانتقام والتعويض عن هذه الهجمات ووقف عمليات فصائل المقاومة، ولهذا فقد أغلقت كل معابر قطاع غزة، وأغلقت المنطقة وقصفتها، إلا أن الإبادة الجماعية الصريحة للصهاينة لم تتمكن من التعويض عن تبعات الفشل في عملية طوفان الأقصى، ومن المؤكد أن تداعيات حرب غزة ستؤثر في المستقبل القريب على كيان الاحتلال في القدس والولايات المتحدة واللاعبين الإقليميين المؤيدين للصهاينة في هذه الحرب.
وعلى سياق متصل وبالنسبة للأوروبيين فإن الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس أشبه بحقل ألغام أدى إلى خلق فجوة واسعة بين أولئك الذين يتولون السلطة وأولئك الذين يصوتون لهم، ويمكن ملاحظة تغير مواقف الدول الأوروبية الداعمة لفلسطين في التطورات السياسية والاجتماعية التي تشهدها هذه الدول، إن التطورات التي يلعب فيها الشعب دوره المركزي تعرضت لانتقادات بسبب صمتها في مواجهة الجرائم الواسعة التي يرتكبها الصهاينة في غزة.
وفي الشهرين الأخيرين من حرب غزة، قصف الصهاينة هذا القطاع من البر والجو والبحر المحاصر وقتلوا أكثر من 20 ألفاً من الأبرياء، وخاصة الأطفال، ودمروا بنيته التحتية الصحية وفرضوا حصارا شاملا على المدنيين، إن الرأي العام الغربي غاضب للغاية بشأن هذه القضية، وكل يوم تقام احتجاجات واسعة النطاق في أوروبا وأمريكا ضد جرائم المحتلين، وقد أدت هذه القضية إلى تفاقم الفجوة بين الشعوب والحكومات.
وكان لهذه الاحتجاجات آثار سياسية كبيرة، واضطر القادة الأوروبيون الآن إلى تغيير لهجتهم إلى حد ما فيما يتعلق بالتطورات في غزة، مثلما رأينا ضغوط الرأي العام في إقالة وزير الداخلية البريطاني الذي أيد علناً جرائم الكيان الصهيوني.
إن الموجة التي بدأت الآن في الغرب لدعم فلسطين سوف تستمر في زيادة الصعوبات التي تواجهها الحكومات الأوروبية، لأن الرأي العام الأوروبي يكره الحكومات التي تتبع سياسات الولايات المتحدة والقوى الأخرى مثل فرنسا وألمانيا، وهذا أمر مقلق للأحزاب الحاكمة، لأنه في المستقبل في الانتخابات البرلمانية، يجب أن يستمروا في السلطة بأصوات الأشخاص نفسهم، وبسبب الثغرات التي ظهرت، يشكك الخبراء في فوز القادة الحاليين في الانتخابات المقبلة.
وعلى الرغم من أن حلف شمال الأطلسي كان أكبر تحالف عسكري في العالم منذ إنشائه في عام 1949، وانضمت إليه دول جديدة لتعزيز قوتها والتحرك ضد أعداء موحدين، فقد ظهرت في السنوات الأخيرة دلائل تشير إلى حدوث انقسام في هذا الحلف، ورغم أنه في حالة الأزمة الأوكرانية والتعامل مع التهديدات الروسية، كان لأعضاء الناتو الموقف نفسه إلى حد كبير وقدموا دعمًا عسكريًا وماليًا واسع النطاق لكييف، لكن بعض الدول مثل المجر وتركيا عارضت بشدة سياسات الناتو العقابية ضد روسيا، والتي أظهرت أن الناتو لا يبدو موحدًا ومتماسكًا كما كان من قبل.
وحتى اليوم، في حرب غزة، تظهر هذه الانقسامات نفسها، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول إجبار جميع حلفائها على دعم الكيان الصهيوني، فإن موقف حكومتي إسبانيا والنرويج في الدفاع عن الأمة الفلسطينية واتخاذ قرار بالإجماع إن التحرك للاعتراف بالدولة الفلسطينية هو نوع من الإهانة لقادة الناتو لأنهم غير مستعدين للوقوف إلى جانب الغزاة وهذا الإجراء غير المسبوق سيعمق الانقسام في حلف الناتو.