الوقت - بعد هزيمة الجماعات الإرهابية وإحلال السلام النسبي في سوريا، احتج مئات المواطنين السوريين الأسبوع الماضي في احتجاج نادر، على غلاء المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي في محافظة السويداء جنوب البلاد.
وحسب تقارير إعلامية محلية، فإن عدداً من رجال الأعمال وأصحاب المتاجر نظموا أيضاً اعتصاماً وإضراباً متزامناً مع هذه الاحتجاجات، كما تم إغلاق المكاتب الحكومية بالمدينة.
تعاني السويداء، الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية ومقر الأقلية الدرزية في سوريا، من وضع اقتصادي صعب، ولهذا السبب بدأ عدد من سكان هذه المحافظة بالاحتجاجات، ما أتاح فرصةً جيدةً لوسائل الإعلام المناهضة لسوريا، للإعلان عن هذه الاحتجاجات كدليل على أن الأزمة في هذا البلد لم تنته بعد.
وتزعم بعض وسائل الإعلام هذه أن شرارة الأزمة الداخلية في سوريا عام 2011، بدأت مع الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار في السويداء ودرعا، وتتحدث عن احتمال حدوث جولة جديدة من التوتر والأزمة الداخلية في سوريا.
لدراسة أبعاد وزوايا هذا الموضوع المهم، تحدث "الوقت" مع السيد جعفر قنادباشي، الخبير في قضايا غرب آسيا.
الوقت: ما هي الأسباب الرئيسية لانطلاق الاحتجاجات في محافظتي درعا وخاصةً السويداء في ظل الأوضاع الراهنة؟ كم هو نطاق اتساع الاحتجاجات؟ وهل هناك احتمالية لانتشارها إلى مدن أخرى؟
السيد جعفر قنادباشي: يرتبط انطلاق الاحتجاجات في السويداء بسلسلة من القضايا الاقتصادية الراهنة، إضافة إلى سوابق أدت إلى بدء موجة من الانفلات الأمني في هذه المنطقة في الماضي. وبعبارة أخرى، فإن العوامل الحالية لها دور، إضافة إلى حقيقة أن هذه المناطق كانت لها خلافات مع الحكومة المركزية في الماضي، وربما تكون الطائفة الدرزية في السويداء، وهي أصغر حجماً وتشكل ثلاثة في المئة من السكان، قد خلقت مشاكل، إلى حد أن الدول الأجنبية تغذي هذه الاحتجاجات الدينية.
إن ارتفاع تكلفة الوقود، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وبعض المشاكل الاقتصادية الناجمة عن تجديد البنية التحتية المدمرة خلال الأزمة والزلزال الأخير، فرضت تكاليف كبيرة على الحكومة، وقد تسببت هذه القضية في تقليل الاهتمام بسبل العيش في مناطق أخرى، بما في ذلك السويداء، كما أن النفط والغاز السوريين تسرقهما الولايات المتحدة، وليس للحكومة أي دخل من ذلك، لذلك من الصعب تلبية احتياجات الوقود.
ومن ناحية أخرى، ومع تعزيز الجماعات الإرهابية في مختلف القطاعات في الأشهر الأخيرة، فقد فرض ذلك تكاليف جديدة على الحكومة، ولذلك فإن سبب عدم الرضا اقتصادي، ويعود جزئياً إلى أسباب عرقية ودينية، وهنا يتدخل العامل الأجنبي أيضاً وهو يحاول استغلال هذه الفرصة لتحقيق أهدافه، وتنفيذ الاختلالات الأمنية التي بدأت منذ اثني عشر عاماً في هذه المناطق بشكل سياسي.
وبالنظر إلی الظروف الحالية، فقد تمت إعادة توظيف هذه التحركات المناهضة لسوريا وتفعيل العنف بلون سياسي، والمجموعات الموجودة ليست حاضرةً بشكل علني الآن، والأميركيون يلعبون دوراً فيها أيضًا، کما أن الإسرائيليين متورطون أيضاً، لأن الضفة الغربية أصبحت غير آمنة، والصهاينة يحاولون إضعاف الدول التي تدعم المقاومة الفلسطينية وإخراجها من الحلقة بمثل هذه السيناريوهات.
الوقت: هل يمكن رؤية أيادي الدول الأجنبية خلف كواليس هذه الاحتجاجات؟ وهل هناك علاقة بين هذه الاحتجاجات وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، لأن الولايات المتحدة عبرت بشدة عن عدم رضاها عن هذه القضية؟
السيد جعفر قنادباشي: تحاول الولايات المتحدة أن تلعب دورًا نشطًا في تأجيج هذه الاضطرابات، وهي مهتمة ببدء الاحتجاجات السياسية في جميع أنحاء سوريا، لأن أي نوع من انعدام الأمن يمكن أن يضعف الحكومة السورية، في حين أن استمرار الأنشطة الأمريكية في سوريا واستمرار سرقة النفط والغاز من هذا البلد، يعتمد على ضعف الحكومة السورية.
وبطبيعة الحال، فإن الاستراتيجية العامة لأمريكا في المنطقة هي الحفاظ على أمن الکيان الصهيوني، وأحد طرق تحقيق هذا الهدف هو إضعاف سوريا.
علاوةً على ذلك، فقد قبل العالم العربي مضطراً انضمام سوريا إلى الجامعة العربية، وهذا ما تعارضه واشنطن بشدة، الأميركيون متواجدون بالقرب من السويداء والتنف، ويحاولون إغلاق حدود سوريا والعراق وعدم السماح بنشوء مقاومة موحدة بين البلدين، ولذلك، فإن حدوث الفلتان الأمني في محافظتي السويداء ودرعا، يحظى بدعم واشنطن.
ولعل العناصر المناهضة للحكومة المركزية تأمل في دعم الغرب، وتعرف أن أي احتجاج ضد دمشق سيكون مدعوماً من الغربيين وأعداء المقاومة، وبالتأكيد في العالم العربي هناك دول دعمت الإرهابيين من قبل، وهي الآن تبحث عن فرصة لدعم معارضي الحكومة بشكل غير مباشر مرةً أخرى.
ويلعب الکيان الصهيوني أيضاً دوراً كبيراً في هذا المجال، ويشعر بالقلق إزاء سوريا القوية، وكما ينفذ هجمات على مناطق سورية بين الحين والآخر، فهو يتحين الفرصة على الساحة السياسية للقيام بتحركات لإضعاف هذا البلد.، وما بدأ في السويداء لا يعبر عن رغبة الناس، ورغم أن الناس يعانون من مشاكل اقتصادية، إلا أن اليد الخارجية هي التي تحرك هذه الأحداث.
الوقت: هل هذه الاحتجاجات تصل إلى الحد الذي يمكن أن يؤدي إلى جولة جديدة من الأزمة كما حدث في عام 2011؟
السيد جعفر قنادباشي: إن ما بدأ على شكل احتجاجات مدنية في الوضع الحالي، لا يمكن أن يمتد إلى أماكن أخرى كما حدث في عام 2011. أولاً لأن وعي الناس قد زاد، ولديهم تجربة الاثنتي عشرة سنة الماضية، وكيف تعرضوا للإيذاء من قبل الغربيين والجماعات الإرهابية وفقدوا منازلهم.
لذلك، يمكن القول إن الاحتجاجات الهادفة من قبل بعض الأهالي في السويداء، ستبقى غير فعالة في جذب الرأي العام، ولن تتمكن من جمع أبناء المناطق الأخرى معها كما في الماضي.
ثانياً، اكتسبت الحكومة الكثير من الخبرة خلال هذه الفترة، وقامت بتعديل هياكلها الإعلامية والسياسية، ومن خلال السيطرة على الوضع وتحديد نقاط القوة والضعف في المناطق المختلفة، يمكنها توجيه الاحتجاجات في اتجاه أفضل، وبطبيعة الحال، فإن التدخلات الأمريكية في سوريا وسرقة مواردها النفطية واحتلال المناطق الشمالية من البلاد بمساعدة تركيا، ستقود الشعب السوري إلى استنتاج مفاده بأنه لا ينبغي له الانضمام إلى هذه الاحتجاجات.
ويحاول الصهاينة والأمريكيون تضخيم هذه الاحتجاجات وتوفير الظروف لجعل سوريا غير آمنة مرةً أخرى، لكن الظروف مختلفة تمامًا عن الماضي، ومن الصعب توسيع الاحتجاجات لتشمل البلد بأكمله.
الوقت: ماذا كان موقف الحكومة السورية؟ وماذا ستفعل للحد من الاحتجاجات؟
السيد جعفر قنادباشي: حاولت الحكومة السورية التعامل مع هذه الاحتجاجات بطرق مختلفة، أولاً، أدارت الساحة الاقتصادية ومشاكل الوقود القائمة إلى حد ما حتى لا تتحول هذه القضايا إلى أزمة، ولا يزال ترميم أنقاض الحرب يفرض تكاليف كبيرة على الحكومة.
ولهذا السبب، لا تمتلك سوريا موارد نفطية غنية يمكنها حل المشاكل، لكنها حاولت حل المشاكل إلى حد ما من خلال الأنشطة الاقتصادية المختلفة وجذب الاستثمار.
وعلى الصعيد السياسي والأمني، تصرف رجال الدولة السوريون بحكمة، كما تم اتخاذ الخطوات اللازمة من خلال توعية الشعب والکشف عن خطة العدو والدعاية اللازمة، وعلى الإعلام السوري واجب ثقيل في توضيح نوايا العدو، وتعريف الناس بأهداف الأعداء الخارجيين، حتى يمتنعوا عن الانضمام إلى الاحتجاجات في السويداء ودرعا مرةً أخرى.
فعندما تتمتع سوريا بالعزة والاقتدار، يمكنها أن تقف في وجه الأعداء الخارجيين، وقد نشأ مثل هذا الجو الآن، وإذا صدق الناس ذلك فلن يلتفتوا إلى الشعارات التي تُطلق في السويداء بدعم من أمريكا.
الوقت: قالت بعض عشائر السويداء إن احتجاجاتها سلمية، ولا تهدف إلى زعزعة الأمن في البلاد، ولا تسمح للأجانب بتصعيد الأزمة. ما هو سبب قلق القبائل المحلية؟
السيد جعفر قنادباشي: تخشى عشائر السويداء، التي أعلنت أن احتجاجاتها سلمية، من استغلال الجماعات الإرهابية لتحركاتها، ولهذا تؤكد أنها سلمية، لأنهم يعلمون جيداً أن الکيان الصهيوني والولايات المتحدة والرجعية العربية في المنطقة يبحثون عن فرصة لنشر مجموعات مسلحة في السويداء ودرعا، وهذا هو الخطر الذي يهدد أهالي هذه المناطق.
وخلال الأزمة، رأوا جيداً كيف أن الإرهابيين، باسم دينهم وشريعتهم المزعومين، قتلوا الناس وشردوا الملايين من أراضيهم، ودمروا سوريا، وهذه التجربة المريرة جعلتهم يؤكدون على سلمية احتجاجاتهم، لكن العدو لا يلتفت إلى هذه القضية، ويسعى إلى استغلال حالة الفوضى هذه لإعادة الانفلات الأمني إلى سوريا.
إن عودة انعدام الأمن إلى السويداء ليس فقط لن تؤدي إلى حصول الناس على مطالبهم المشروعة، بل سيؤدي أيضًا إلى فقدان الأمن النسبي الذي اكتسبوه في السنوات الأخيرة، وسيخلق لهم مشاكل جديدة، وهم يحاولون منع حدوث توترات جديدة، وبالتالي يسعون إلی عدم الدخول في ألعاب سياسية يستغلها أعداء سوريا.