الوقت_ لاحظ الجميع، أنّ الأسابيع الفائتة أفسدت فرحة الكيان الصهيونيّ الغاصب للأراضي العربيّة بما تسميها الشعوب العربية "اتفاقات العار" أيّ التطبيع، والتي ضمت كلاً من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب إلى الحلف الخانع، حيث شدّد اللاعبون والمُشجعون العرب الذين توافدوا لمونديال قطر أنّه خلافًا للأنظمة الحاكمة، المُطبّعة مع تل أبيب، وتلك التي ربما تدخل في حظيرة التطبيع الأمريكيّة، على أنّهم كانوا وما زالوا متمسّكين بقضية فلسطين الأشهر عالميّاً نتيجة الظلم الذي يحل بهذا الشعب، ومثلت ردود أفعالهم داخل وخارج الملاعب صفعة قوّية للخيانات الحكوميّة في العالم العربيّ، الشيء الذي دفع الإسرائيليين المصدومين من نظرة العرب –كل العرب- لاحتلالهم الجاثم على قلوب عدّة شعوب عربيّة وبالأخص الفلسطينيين، لأن يفكروا بطرق لمحاولة الترويج للرواية الصهيونيّة التي لم يعد أولئك الذين جُلبوا من أصقاع الأرض يصدقونها.
صفعة عربيّة للكيان
ردود الأفعال العربيّة في المونديال، أوصلت رسالة واضحة للإسرائيليين وهي: "نحن لسنا أنظمتنا الخائنة، فالسلام المُصطنع والمُبتذل مع من يقتلنا ويسلب أرضنا هو سراب وخيانة"، ما أثار حفيظة الإعلام الإسرائيلي وبالتالي الإسرائيليين أجمع، ودفع قيادات الاحتلال للتفكير بما يجِب فعله لتغيير الوضع القائم، أيْ برودة السلام الشعبيّ، حيث تعكس تغطيات وسائل إعلام العدو في قطر والذي يُعتبر مرآةً لصُنّاع القرار الصهاينة، حالة الصدمة في مجتمع الاحتلال والإرباك الشديد في حكومة العدو من "ثمار" اتفاقيات التطبيع التي لم تتخطَ بعض الدوائر الحكومية العربية، ويظهر هذا الأمر جليّاً من خلال طريقة تعاطي الجماهير العربية مع الصهاينة، في ظل تفاخر لسنوات من قبل الكيان بخيانة بعض الدول العربيّة والخليجيّة التي وقّعت اتفاقية للاستسلام مع عدو العرب العنصريّ.
وبالاستناد إلى أنّ الغالبية العظمى من المواطنين –إن لم نقل جميعهم- من الدول العربية، وبالأخص من الدول المطبعة مع تل أبيب، هم غير مؤيدين لاتفاقية التطبيع من أنظمتهم ورافضون لأي حوار مع من يحتل أراضيهم ويرتكب أشنع الجنايات بالأبرياء، اعترف سفير كيان الاحتلال الأسبق في مصر، أن تل أبيب تشهد اتفاقات مشابهة لاتفاق (كامب ديفيد) الذي وقع مع مصر زمن السادات مع كلٍّ من المغرب والسودان والأردن والإمارات والبحرين، متسائلاً: "أيعقل أن نستمر في الوضع الحالي بعد أقل من 50 عامًا على زيارة السادات، فنقيم علاقات مع الزعماء فقط، أمْ نُغيّر المعادلة، حيث يتسلل (السلام) إلى الشعوب؟".
وكان واضحاً من مقال السفير الصهيونيّ السابق في صحيفة عبريّة، أنّه كان غاضباً للغاية من نتائج التطبيع الهزيلة شعبيّاً –على مستوى العالم العربيّ-، في ظلّ خيانة فلسطين والعرب عبر اتفاقات أدخلت الخنجر في خاصرة هذه الأمة التي تعاني من مشكلات جمة، وقد ازدادت بعد أن تحالف حكام بعض الدول العربيّة مع أشدّ الكيانات إجراماً واحتلالاً تحت ذرائع واهية اصطدمت مع كل القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة، برعايةٍ أمريكيّة، لكنّ الشعوب العربيّة قالت كلمتها: "حكوماتنا لم تمثلنا، ولا يمكن حتى أن نحاور عصابات العدو الصهيونيّ القاتل".
وفي محاولة لتسليط الضوء على هذا الخلل الجم، وسعيّاً للتأثير على القرار الشعبي العربي الصلب، بيّن ليفانون، أنّ العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزّة في آب (أغسطس) الفائت أظهر حقيقتين مهمتيْن، ليستا في المجال العسكريّ: الأولى، أنّ الإعلام في العصر الحالي حيويّ لغرس "الترهات الإسرائيلية" لدى الجمهور الواسع ودعم الخطوات العسكريّة، والثانية، أنّه يمكن النجاح في الإعلام إذا ما عمل الصهاينة بشكلٍ صحيحٍ، كما أنّه يمكن التأثير على الرأي العام العالميّ”، مستشهداً بالنجاح الإعلاميّ الذي حققه الفلسطينيون خلال العدوان الأخير ضدّ غزة، قائلاً: "يجب أنْ يشجعنا ذلك على أنْ نفعّل الأمر الأكبر، الذي في الماضي بحثنا فيه لكنه لم يخرج إلى حيز التنفيذ، أي تلفزيونًا عبريّاً باللغة العربيّة موجهاً للعالم العربيّ من المحيط للخليج”، بما يساعد الصهاينة –برأيهم- على التأثير في وعي الجمهور في الشرق الأوسط وفي كلّ دولة تتحدث العربية، وبالتالي زرع الأساطير الإسرائيليّة التي بات الإسرائيليون أنفسهم يُحرقون فيها.
"إسرائيل" وفشلها في اختراق المجتمعات العربيّة
لا يخفى على أحد أنّ "إسرائيل" تعوّل على فوائد التطبيع مع بعض العواصم العربية بشكل كبير، إلا أنّها بالفعل كانت معدومة شعبيّاً بالمقارنة مع التوقعات التي كانت لدى الصهاينة، فالشعوب العربية –كما آمنا دوماً- هي نقيض حكوماتها تماماً، فيما علقت جميع الأطراف الإسرائيلية الكثير من الآمال على هذه الاتفاقيات التطبيعيّة ونتائجها في تغيير الصورة البشعة والدمويّة للكيان، لكنّها وباعتراف العدو وإعلامه انحصرت بين حكومات لا أكثر ولم تخترق أبداً المجتمعات العربيّة التي تنظر للعدو الإسرائيليّ ببغضة واشمئزاز، وقد أثبت مونديال قطر تلك الحقيقة الدامغة.
وعلى الرغم من أنّ كل السياسيين والمحللين والخبراء والمختّصين في الكيان الصهيونيّ ودول التطبيع يتجاهلون بشكل كامل ومقصود في تحليلاتهم مواقف الشعوب العربيّة الرافِضة للتطبيع مع الصهاينة، إلا أن كلمتهم كانت "رصاصة رحمة" في مشاريع التطبيع، وهذا ما أشارت إليه المستشرقة الإسرائيليّة سمدار بيري في تحليلٍ نشرته بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، حيث أقرّت بأنّ السلام مع القاهرة ما زال باردًا جدًا وبحاجةٍ ماسّةٍ للإنعاش، وخصوصًا من طرف صُنّاع القرار في مصر، وبطبيعة الحال من الشعب المصريّ المعادي للصهاينة.
وخير دليل على أنّ هذه الشعوب العربية لا يمكن أن تغير عقيدتها تجاه قاتل الأطفال ومشرد الملايين من العرب، أنّ الشعب العربيّ في مصر ورغم مرور أكثر من 40 عاماً على توقيع اتفاقية "السلام" مع العدو ما زال يرفضه بشكل مُطلق، ويُطالِب بإلغاء أي ارتباط مع سالبي الأرض وقاتلي الأبرياء، فيما باتت تل أبيب تدرك أنّ علاقاتها مع أنظمة التطبيع لا ترتبط أبدا مع شعوب تلك الدول، فهم غير معنيون بخيانة حكامهم الخانعين، وجميعنا شاهدنا المغاربة والخليجيين والسودانيين يرفضون بالمطلق الحديث مع الصهاينة فكيف التطبيع معهم، فهم يؤمنون بشدّة أنّ "إسرائيل" لا تعدو عن كونها عدواً كبيراً للمسلمين والعرب والفلسطينيين لأنّه من أكثر الكيانات الاستعماريّة إجراماً في العالم، كما أنهم يعتقدون أنّ خيانة حكوماتهم محض صفقات مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج بلادهم إليها رغم أنفهم، في خيانة حكوميّة تحقق نصراً معنوياً وسياسياً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً لشعب مظلوم.
إذن، يدرك الشعب العربيّ بالكامل حجم التكالب على فلسطين والأراضي العربيّة المحتلة (الجولان، جنوب لبنان) من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير المشاريع التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، ويرفض العربي أيضا إقامة علاقات مع الكيان الغاصب، والدليل أن ما تُسمى "اتفاقيات السلام" التي وقّعها العدو الغاصب مع مصر عام 1979، ومع المملكة الأردنيّة عام 1994، لم تنفذ حتى اللحظة على أرض الواقع، ما يبرهن من جديد أنّ الرفض الشعبيّ العربيّ للإساءات التي قامت بها بعض الحكومات كان ولا يزال وسيبقى قائماً، ليمنع تحقيق المخططات الصهيونيّة العدوانيّة، ويقف في وجهها على الدوام، ولا ننسى أن قضيّة فلسطين هي قضية العرب جميعاً، وبالأخص بعد أن خضعت الدول المُطبعة الخانعة لإرادة الإدارة الأمريكيّة التي تُمثل "وتين" الكيان الصهيونيّ الذي خُلق ليفصل العرب عن بعضهم ويمثل مصالح واشنطن والدول الغربيّة في دولنا، وبالتالي لن تنجح "إسرائيل" في هذه الخطوة ولو أسست لكل قرية عربية وسيلة إعلاميّة.