الوقت- بدأت الدول الغربية الواحدة تلو الأُخرى تخرج من عباءة الاتحاد الأوروبي وهيمنته السياسية عليها، وباتت تفكر في أن تشكل علاقات دولية جديدة وتصلح ما افسده الاتحاد في السنوات الماضية، وأولى هذه الخطوات كانت سوريا حيث كشفت مصادر إعلامية ودبلوماسية أن الحكومات في اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا تستغل مواقعها داخل الاتحاد الأوروبي للضغط على عدد من خطوط السياسة والدعوات لتغيير السياسة التي تتماشى مباشرة مع الدولة السورية.
وأضافت إنه خارج غرف الاتحاد الأوروبي، عقدت بعض هذه الحكومات اجتماعات مع مجموعات مختارة من الخبراء لتبادل الأفكار حول الطرق الإبداعية لتجاوز لوائح وعقوبات الاتحاد الأوروبي التقييدية من أجل بذل المزيد في سوريا. وأشارت إلى أن الخوف العام من اللاجئين والسياسة الشعبوية والقومية قد يقود إلى زيادة الدعوات لتخفيف موقف أوروبا من الدولة السورية.
منذ عام 2020 أعادت العديد من الدول علاقاتها الطبيعية مع سوريا مثل الإمارات والبحرين والاردن عربيًا، فيما حاولت بعض الدول الغربية إعادة الاتصال وشبه العلاقات مع دمشق مثل بلغاريا والمجر واليونان، التي أرسلت قائماً بالأعمال إلى دمشق، وقبرص التي انتقلت إلى سفارة جديدة في دمشق منتصف عام 2021، فيما أعلنت الدنمارك أن المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية آمنة لعودة اللاجئين إليها، وزار نائب وزير الخارجية البولندي دمشق في آب - اغسطس لعام 2020، فيما تشير المصادر إلى أن المسؤولين في النمسا يفكرون جديًا بإعادة شكل من أشكال الاتصال الدبلوماسي مع دمشق.
ملف اللاجئين يعتبر من أهم الملفات التي يتخوف منها الغرب وخصوصًا في الفترة الأخيرة، وهو ما يدفع حكومات هذه الدول لإعادة الحوار مع دمشق، وخصوصا أن تركيا تستغل هذا الملف بهدف الضغط على الدول الغربية لابتزازها ماليًا ودبلوماسيًا. ومع عودة اليمين المتطرف إلى بعض الدول الأوروبية وارتفاع وتيرة اللغة الشعبويّة القومية بات ملف اللاجئين عائقا حقيقيا في أوروبا، ويشكل ضغطًا متزايدًا على هذه الحكومات، ومع تزايد أعداد اللاجئين السوريين، بدأت الدول الأوروبية في دارسة جدوى وجود اللاجئين لديهم، وبحث الوضع في سوريا بعيدًا عن الضغوطات الغربية الأوروبية، وبدأت تعي هذه الدول ان سوريا شهدت في السنوات الأخيرة تعافيا حقيقيا من آثار الحرب ولكن العقوبات الأميركية والأوروبية جعلوها تعاني اقتصاديًا، وبالتالي هذه الدول بدأت تدرس فعليا فتح الباب للأنشطة الممولة من المانحين والتي من شأنها أن ترقى إلى إعادة الإعمار الفعلية في سوريا بعيدًا عن الضغوطات الغربية.
من الجانب آخر قدم مسؤولون في أوروبا الجنوبية والوسطى شكاوى متكررة حول استخدام الاتحاد الأوروبي لشرطية آمنة وطوعية وكريمة عندما يتعلق الأمر بعودة اللاجئين السوريين، بحجة أنها تعيق عمليات العودة وتغذي الهجرة. والاتحاد الأوروبي يفرض هذه الشرطية على اعادة اللاجئين ولكن لا يفكر بما يعيشه المواطن السوري في مناطق سيطرة الدولة من فقدان للحياة الانسانية جراء العقوبات الغربية أُحادية الجانب من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها في القارة الأوروبية.
الزيادة الكبيرة في التعبيرات عن الرأي والرسمية للدول الأوروبية في معارضة سياسة الاتحاد الأوروبي لعزل سوريا وحصارها والضغط عليها، تعتبر تحديا حقيقيا للحلف المعادي لدمشق. ويهدد أيضًا بانهيار السياسة الأوروبية تجاه دمشق وتشجيع المزيد الدول على القيام بخطوات إقليمية نحو إعادة تطبيع العلاقات مع الدولة السورية. وقد تؤدي مثل هذه الحوارات والخطوات إلى تآكل تدريجي لسياسة الاتحاد الأوروبي نحو دمشق حيث قد تنفصل الدول الفردية وتنخرط في أشكال مختلفة من إعادة الارتباط بشكل فردي مع الدولة السورية.
الحوادث العالمية الأخيرة اثبتت لبعض الدول الأوروبية أن سياسة الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي هي سياسة فردية وليس جماعية، مثل فرنسا وألمانيا وحتى بريطانيا التي خرجت من التكتل الأوروبي ولا تزال تُهيّمن على بعض دوله، خلال جائحة كورونا اهتمت بنفسها أولًا وبشعبها ولم تهتم بشعوب ألمانيا وقبرص وإيطاليا والنمسا وغيرها من الدول، وخلال الحرب في أوكرانيا اهتمت هذه الدول أيضًا بشعوبها عبر تأمين الطاقة لهم بعد أن قطعت روسيا الغاز عن بعض الدول الأوروبية ولم تهتم لشعوب تلك الدول كيف ستؤمن لهم الطاقة ودخلت في عداء ومواجهة مع موسكو دون أن تعير اهتمامًا لهذه الدول ومخاوفها من تداعيات الانخراط الأوروبي في العداء مع موسكو، وبالتالي باتت مثل هذه الدول تتخذ سياسة النأي بالنفس بعد ما رأته من الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي.