الوقت- يبدو أن الولايات المتحدة لم تمل بعد من اسطوانة الأسلحة الكيميائية السورية، ولا تزال في كل مناسبة تحاول لعب هذه الورقة حتى تواصل الضغط على الدولة السورية أو تبرير حصارها على الشعب السوري. دمشق أعلنت رفضها استقبال خبير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وقال مندوب سوريا لدى المنظمة إن الولايات المتحدة ودول غربية حوّلتها إلى أداة للتلاعب السياسي وأبعدتها عن مهنيتها، وقوضت مصداقيتها. وأضاف إن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لم تكتف بما قامت به طوال السنوات التسع الماضية في سوريا من فبركة مسرحيات استخدام أسلحة كيميائية أو التحضير لاستخدام تلك الأسلحة لاتهام الحكومة السورية بها، بل أعادت السيناريوهات نفسها مع الاتحاد الروسي في أوكرانيا لاتهام القوات الروسية بها، وغيرها من الاتهامات الأخرى. وأعرب عن القلق البالغ إزاء الحالة التي وصلت إليها الأمور، وقد أصبح مطلوبًا وقف هذا الانحدار المستمر في مسار عمل المنظمة، والشروع بشكل جاد وعاجل في تصحيحه للعودة بالمنظمة إلى تنفيذ ولايتها المنوطة بها.
سوريا انضمت في عام 2013 إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وذلك لإيمانها العميق برفض استخدام الأسلحة الكيميائية من قِبل أي كان، وفي أي مكان، وتحت أي ظرف. وخلال ثمانية أشهر من أكتوبر 2013 إلى يونيو 2014 نفذت علانية وبأمانة ومصداقية قرارها السيادي بالانتهاء من الملف الكيميائي السوري، وتم ذلك بالفعل، وخلال وقت قياسي بشهادة الدول الغربية. وفي أكثر من مرة عبرت سوريا عن ملاحظات موضوعية تخص عمل بعثة تقصي الحقائق، ورغم هذا تعاونت دمشق مع فرق هذه البعثة، وقدمت لها كامل التسهيلات المطلوبة لإنجاح مهماتها. بالمقابل فشلت البعثة في أكثر من اختبار، وثبت انحيازها وعدم مهنيتها، وتزويرها الحقائق في أكثر من تقرير أصدرته، وخير مثال على ذلك تقرير حادثة دوما لعام 2018 الذي شابه عيوب كثيرة وعدم مصداقية وتزوير.
موقع The Grayzone نشر تقريرًا مفصلًا لعمليات الخداع التي قامت بها قيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإفساد عملية التحقيقات في الهجوم الكيميائي المزعوم في مدينة دوما لعام 2018. وذكر الموقع في تحقيقه أنّه في الأيام الأولى من تحقيق المنظمة استبعد خبراء السموم غاز الكلور كسبب للوفاة لأكثر من 40 مدنياً تم الإبلاغ عنهم في مكان الحادث. وأكّد التحقيق أنّه بدلاً من نشر هذه النتيجة، قام كبار مسؤولي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بإخفائها، ثم فتحوا تحقيقاً مع مفتش متمرّس ليشكك في الرقابة. واوضح تحقيق الموقع انه بدأ التلاعب عندما أصدرت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريراً من 115 صفحة في حزيران/يونيو 2018. ولم يجد التقرير أي دليل على هجوم بالأسلحة الكيماوية في دوما. وحسب التحقيق، فإنّ هذا التقرير تمّ إخفاؤه، ليقوَض الهجوم كذريعة معلنة للضربات الجوية بقيادة الولايات المتحدة على سوريا قبل شهرين، وأثار احتمال أن يكون الارهابيون قد شنوا حادثة 7 نيسان/أبريل 2018 لادانة الحكومة السورية. وحسب تحقيق الموقع فانه خلال بعثة فريق من "OPCW" للقاء عدد من علماء السموم في ألمانيا، تم التوصّل إلى أنّ البداية السريعة من الرغوة الغزيرة التي أظهرتها الفيديوهات التي قيل إنّها توثق ما حدث في دوما، لم تكن متوافقة مع التعرض للكلور السام.
منظمة حظر الاسلحة الكيميائية أشرفت بنفسها على تفتيش المواقع في سوريا وتفكيك البرنامج الكيميائي وأعلنت في آب - أغسطس لعام 2014 أنها انتهت من تفكيكه بشكل كامل وان سوريا باتت خالية من هذه الاسلحة، ودمشق فعليًا لم تكن تريد التمسك بهذا النوع من الأسلحة، لأنها تعلم مدى خطورتها على المجتمع أن احتلت الجماعات الإرهابية موقعًا من هذه المواقع وبالتالي تجاوبت لتفكيكها. إضافة إلى أن سوريا كانت تستخدم هذه الأسلحة كسلاح ردع بوجه كيان الاحتلال الإسرائيلي في العقود الماضية، أما الآن فلديها أسلحة أكثر ردعًا بوجه الاحتلال، وبات التخلص من السلاح الكيميائي أفضل لدمشق. والدولة السورية كان يصعب عليها التخلص منه بسبب قدمه ويحتاج تفكيكه إلى اساليب متطورة ومناطق مفتوحة غير مأهولة بالسكان، وهو ما ساعدتها عليه منظمة الأسلحة الكيميائية، وبالتالي هل من المعقول أن تعود دمشق لتصنيع هذه الأسلحة بعد أن تخلّصت منها وكانت تشكل عبئًا عليها؟ وكيف دخلت مواد تصنيعها في ظل العقوبات الاقتصادية الكبيرة ضد الدولة السورية والمراقبة الدقيقة لكل ما يدخل إلى البلاد ويخرج منها. ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يريدون تصديق هذه الحقيقة وذلك بهدف مواصلة الضغط ضد الدولة السورية وتلفيق الأكاذيب بشكل دائم.