الوقت - دخلت العلاقات بين العراق والسعودية مرحلة جديدة خلال العامين الماضيين بناء على عدد وكمية الاجتماعات بين الوفدين السياسيين للبلدين، واشتد هذا الاتجاه منذ تشكيل اللجنة السياسية والأمنية والعسكرية المشتركة بين البلدين في أكتوبر 2020، وعقب زيارة مصطفى الكاظمي إلى الرياض في مارس 2021. كما عقد مؤخرا اجتماع اللجنة المشتركة للتعاون بين العراق والمملكة العربية السعودية في 10 يناير 2022. والسؤال هو إلى أي مدى يمكن أن تمهد هذه اللقاءات وعملية تعزيز العلاقات بين البلدين الطريق للتعاون الاستراتيجي؟ في الواقع، السؤال الأكثر مؤسسية هو إلى أي مدى يمكن أن تأمل حكومة بغداد في تعزيز علاقاتها وتعاونها مع السعوديين في حقبة ما بعد داعش؟
تشكيل وأهداف اللجنة السياسية والأمنية والعسكرية السعودية العراقية المشتركة
يأتي تشكيل لجنة سياسية وأمنية وعسكرية سعودية - عراقية مشتركة في أعقاب توجه جديد للتقارب بين البلدين في عام 2020. في الواقع، بدأت جهود الحكومة السعودية الجادة للاقتراب من العراق عندما استضافت الرياض لجنة ثنائية مشتركة مع العراق للاستثمار في البلاد في 14 أكتوبر 2020، استثمرت فيها 2.9 مليون دولار. وتم الكشف عن مشاريع سعودية بمليارات الدولارات في مشاريع مختلفة بالعراق، تحدث وزير التخطيط العراقي خالد بطل النجم عن وجود 6000 مشروع استثماري سعودي مناسب بقيمة 100 مليار دولار. ففي الجولة الأولى لاجتماع اللجنة المشتركة العراقية والسعودية، تم الاتفاق على إعادة فتح معبر "عرعر" الحدودي على الحدود العراقية السعودية، واتفق الجانبان على بدء مشروع إنشاء طريق يربط محافظة النجف بالحدود السعودية، وكذلك تشاوروا على إعادة فتح معبر آخر على حدود محافظة المثنى مع السعودية. وخلال اللقاء مع محمد بن سلمان ، تم الاتفاق على اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي بين البلدين من قبل وزيري المالية، وتمويل صادرات المملكة من الرئيس التنفيذي لصندوق التنمية السعودي، التخطيط للتنمية الاقتصادية والتنوع، وكذلك تنمية القطاع الخاص من قبل وزراء التخطيط، مذكرة تفاهم بين دار الكتب والأرشيف الوطني العراقي ومكتبة دار الملك عبد العزيز السعودية على ما ذكره وزير الإسكان العراقي ومدير دار الملك السعودية، ووقعت مذكرة تفاهم بين شبكة الإعلام العراقي والإذاعة والتلفزيون السعودية من قبل الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي والسعودية وزيري الاعلام للطرفين. عقد الاجتماع الثاني للجنة المشتركة للتعاون بين العراق والمملكة العربية السعودية في 16 أغسطس 2021، حيث تم تشكيل مجلس التجار المشترك بين البلدين. وتم التأكيد في الاجتماع على أن مجلس التعاون السعودي العراقي المشترك يسعى إلى دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية وزيادة حجم التجارة بين العراق والمملكة العربية السعودية وزيادة التفاعل بين ممثلي قطاع التجارة الاقتصادية من أجل تفعيل حجم المعاملات التجارية والصناعية والاستثمارية.
اتفاقيات وانجازات الاجتماع الثالث للمجلس المشترك العراقي والسعودي
على الرغم من هذا المستوى من تعزيز التعاون الثنائي، عقدت اللجان السياسية والأمنية والعسكرية للمجلس المشترك العراقي والسعودي اجتماعها المشترك الثالث في 10 كانون الثاني (يناير) 2021. وترأس الوفد العراقي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ورأس الوفد السعودي وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية العراقية أن الجانبين بحثا القضايا المدرجة على جدول أعمال اللجان المشتركة من أجل تعزيز وتطوير التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات. وبحث الجانبان خلال الاجتماع استمرار التعاون والتنسيق في القضايا السياسية والأمنية والعسكرية، والجهود المبذولة لرسم رؤية مشتركة حول القضايا التي تهم البلدين في مختلف المجالات، وتسهيل إجراءات التأشيرات لرجال الأعمال العراقيين والسعوديين، التشاور وتنسيق الدعم المتبادل في الأوساط الدولية، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي في مجال مكافحة الجريمة والتهريب، وتسريع توقيع مذكرة أمنية بين وزارتي الداخلية، والتعاون في المجال العسكري من خلال التدريبات المشتركة في إطار المذكرة، دورات تفاهم وتبادل متفق عليها بشأن التدريب والتخطيط الاستراتيجي والدعم المستمر لجهود العراق للعمل مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي. كما اتفق الوفدان العراقي والسعودي على استمرار التعاون والتنسيق في مختلف المجالات والزيارات المتبادلة وعقد اجتماعات لجنة المجلس المشترك بين البلدين من أجل تعزيز التعاون الثنائي وتحقيق مطالب وتطلعات قادة شعب البلدين.
شكوك كبيرة في النظرة الايجابية للتعاون بين بغداد والرياض
أثير موضوع دخول العراق والمملكة العربية السعودية في عهد التعاون الاستراتيجي في وضع توجد فيه أهداف تاريخية مؤسسية ومصالح وتوترات بين البلدين في أبعاد مختلفة. لذلك، فإن حجة هذا المقال هي أنه لن تكون هناك أرضية مناسبة للتعاون الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والعراق، لإثبات ذلك، يمكن ذكر مسألتين أساسيتين:
تاريخ العلاقات السعودية العراقية المتوترة: كانت العلاقات بين بغداد والرياض متوترة بشكل أساسي طوال السنوات منذ عام 1990، عندما غزت حكومة صدام حسين الكويت. ظلت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين متوترة حتى بعد سقوط النظام البعثي عام 2003. في الأساس، كان السعوديون غير راضين عن التغييرات الجديدة في المشهد السياسي العراقي ولم يتسامحوا مع إقصاء السنة من السلطة. لهذا السبب، رأينا أنه في السنوات التي تلت عام 2003، أصبحت الرياض معادية للعراق ونظامه الجديد، ولم تتخل عن أي عمل يتعارض مع النظام السياسي الجديد. فقد دعمت الانقسامات بين الجماعات السياسية، ودعمت الجماعات الإرهابية، وعطلت التماسك الاجتماعي، ودعم وتوحيد التيارات السياسية المعارضة داخل العراق، وبذلك فقد لعب حكام الرياض دورًا سلبيًا في الوضع السياسي والحكومي للعراق. استمرت عملية قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتى كانون الأول 2015، لكن إرسال أول سفير لها في العراق، ثامر السبهان، تلاه تدخل واسع في الشؤون الداخلية للعراق، مما أدى إلى سلسلة من الملاحظات الاحتجاجية. وطلبت بغداد من الرياض رسميا في 25 آب / أغسطس 2016، تغيير سفيرها لتصريحاته الطائفية، والتدخل في الشؤون العراقية، وانتهاك الأعراف الدبلوماسية. خلال سنوات وجود داعش في العراق، استمر الدور المدمر للمملكة العربية السعودية في العراق، وقد أثار هذا الآن مخاوف من استمرار سياسات الرياض التقسيمية في العراق في المستقبل.
التضارب بين وجهات نظر الجانبين حول الأمن ومكافحة الإرهاب: ولكن حتى الآن، ونتيجة للاجتماعات الثلاثية للجنة التعاون السعودي العراقي المشترك، تم التوصل إلى اتفاقيات واسعة النطاق بشأن مختلف القضايا. لكن تجدر الإشارة إلى أن التعاون السياسي والعسكري والأمني بين الجانبين لا يمكن أن يدخل مرحلة التعاون والتحالف الاستراتيجي بسبب الخلاف في وجهات نظر الجانبين. في الواقع، تعاني هذه الاتفاقيات من تضارب المصالح (على سبيل المثال، دور السعوديين في تشكيل الجماعات الإرهابية وإرسالها إلى العراق أو بدء الحرب اليمنية). وهدف السعودية المتمثل في زيادة النفوذ والتدخل في الشأن العراقي لا يمكن أن يحقق النهاية الأهداف المتوقعة للحكومة العراقية.
وحقيقة الأمر أن هذه المفاوضات تجري بعد دور الرياض التخريبي في العراق بسبب دعمها للإرهاب منذ 8 يونيو 2014 وحتى قبل ذلك. كما أن التعاون مع حزب البعث المنحل لمصلحة داعش لم يخفى على أحد. بعبارات أكثر دقة، يمكن إثارة مسألة المواجهة بين مجموعتين مختلفتين من الأمن. الأول هو محور المقاومة ومعاداة الصهيونية ضد الوجود الأمريكي في المنطقة، والثاني هو المقاومة المعادية للصهيونية في اتجاه تطبيع العلاقات وبما يتماشى مع الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. لذلك، يمكن القول أن الجمع بين هذين التناقضين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤدي إلى نتيجة استراتيجية وتعاون في هذا المجال.
