الوقت - تماشياً مع جهود النظام الصهيوني لتوسيع نفوذه في منطقة "آسيا الوسطى والقوقاز"، يفحص موقع "فيكر تورو" التركي في تقرير آخر الإجراءات الإسرائيلية في دولة "أوزبكستان" من حيث النفوذ اليهودي والقدرة، وبسبب حدودهم المشتركة مع أفغانستان، فإن أي تحركات إسرائيلية في أوزبكستان مهمة لطهران وكابول.
وقال التقرير "في السنوات الأخيرة، أقام النظام الصهيوني علاقات واسعة ووثيقة، وخاصة في المجالين العسكري والأمني، مع أذربيجان، وهي منطقة توليها أوزبكستان اهتماما خاصاً، أقامت أوزبكستان علاقات سياسية ودبلوماسية رسمية مع تل أبيب قبل دول أخرى في المنطقة، حيث تستضيف "يهود بخارى"، وهم من أقدم الجماعات العرقية في آسيا الوسطى.
إيدي شابيرا.. سفير "إسرائيل" لدى أوزبكستان
وتحاول أوزبكستان حالياً إقامة علاقة جديدة مع تل أبيب بهدف تحقيق توازن قوى بين روسيا والصين في منطقة آسيا الوسطى، وإعطاء بعد جديد للعلاقات بين البلدين. ولهذه الغاية، تدعو منظمات النمو والتنمية الغربية، بما في ذلك "إسرائيل"، إلى العمل وفتح مكاتب في أوزبكستان، وتسعى إلى خلق موارد جديدة لدعم اقتصادها من خلال قطاع السياحة ومكافحة الإرهاب، ويستخدم النظام الصهيوني كل قوته للاستجابة لطلبات ودعوات "طشقند" في أسرع وقت ممكن.
لعبت التغييرات السريعة التي حدثت في المقاربات السياسية في طشقند منذ وفاة إسلام كريموف، أول رئيس لأوزبكستان، الذي حكم البلاد من 1991 إلى 2016، دوراً رئيسياً في تطوير العلاقة بين طشقند وتل أبيب. تسارعت هذه العملية مع وصول شوكت ميرزيوييف إلى السلطة كرئيس جديد لأوزبكستان، كانت مناهج مير زيايف الجديدة مختلفة تماماً عن كريموف وصفه الخبراء بمؤسس "أوزبكستان الجديدة" و"النهضة الثالثة" في البلاد، وكان في طليعة هذا التغيير في النهج تبني سياسة أكثر مرونة تجاه الغرب وإسرائيل.
تناوب النهج السياسي
وحسب التقرير، فإن عنصري "الإسلام المتطرف" و "الإرهاب" اللذين يدخلان البلاد من جنوب أوزبكستان، حيث لها حدود مشتركة مع أفغانستان، يعتبران تهديداً خطيراً للأمن القومي لأوزبكستان، ولهذا بُذلت جهود لاستقطاب مختلف الأطراف من الأقليات والقبائل داخل البلاد. إضافة إلى ذلك، ركزت طشقند اهتمامها على توسيع وتطوير علاقاتها مع روسيا والصين، وحاولت في هذا الصدد استخدام المساعدات الاقتصادية لدول مثل كوريا الجنوبية والنظام الصهيوني لتوفير الأرضية لنمو البلاد وتطورها، ولكن عندما وصل شوكت ميرزيوييف إلى السلطة في أوزبكستان، التفت إلى الغرب. أدت التهديدات البيئية والمناخية، مثل ندرة المياه والتصحر، وعدم وجود تسوية دائمة في أفغانستان، إلى زيادة تركيز طشقند على توسيع علاقاتها مع دول مثل الولايات المتحدة وتركيا، وبالطبع الكيان الصهيوني. بينما يتطلعون إلى الغرب، واصلت أوزبكستان سياسة الحياد التي كانت سائدة في عهد كريموف، وامتنعت عن الدخول في عالم الصراع على السلطة بين الغرب والصين وروسيا في آسيا الوسطى. هذا النهج السياسي نفسه جعل أوزبكستان واحدة من الدول الإسلامية القليلة التي تحافظ على علاقاتها مع طهران وحركة طالبان في أفغانستان، على الرغم من العلاقات السياسية والدبلوماسية مع النظام الصهيوني، وكان هذا مهماً جداً لتل أبيب، إذ إنه يوفر مكاناً في السياسة الخارجية للنظام الصهيوني في آسيا الوسطى.
الجذور والعوامل التاريخية
يمضي التقرير في شرح العلاقة بين طشقند وتل أبيب لأسباب تاريخية: كانت أوزبكستان تاريخياً واحدة من أهم مراكز الاستيطان اليهودي الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق. أوزبكستان هي أيضًا موطن "يهود بخارى"، وهم من سلالة الأجيال الحالية من يهود الشرق، ووفقًا للوثائق التاريخية، فإن هذه المجموعة من اليهود تعيش في أوزبكستان منذ حوالي 1200 عام. يحتل يهود بخارى موقعاً مهماً ومؤثراً في أجهزة صنع القرار في روسيا والولايات المتحدة و"إسرائيل"، ومن أبرز الشخصيات في هذه الفئة من اليهود لويف، المعروف باسم "ملك الماس"، الذي لديه علاقات استراتيجية وهامة مع واشنطن وموسكو وتل أبيب.
إضافة إلى ذلك، فإن علاقات المجموعة مع اليهود الروس لها تأثير كبير على نهج السياسة الخارجية لـ"إسرائيل"، حيث كان العديد من اليهود الروس من بين المجموعة الأولى من المهاجرين إلى الأراضي المحتلة (إسرائيل) ومن مؤسسي الحركة الصهيونية ويشغلون مراكز السلطة المهمة في الكيان الصهيوني كوزارة خارجية الكيان على وجه الخصوص وترسم سياساتها وتوجهاتها، لا يقتصر التأثير اليهودي في أوزبكستان على الأفراد والشخصيات، بل تنشط الحركات والمنظمات اليهودية أيضًا في البلاد، مثل بخارى وسمرقند وطشقند، تسعى إلى جمع اليهود في الاتحاد السوفيتي السابق من خلال مدارسها ومراكزها الدينية.
الوكالة اليهودية لديها أيضا مكتب في طشقند وتعمل في البلاد. إضافة إلى ذلك، يوجد في "إسرائيل" عدة مراكز ثقافية في أوزبكستان تعمل بحرية في مدن ومناطق مختلفة من البلاد، بل تدرس اللغة العبرية. وهكذا بدأ النفوذ الثقافي والاقتصادي والسياسي لـ"إسرائيل" في أوزبكستان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ومن أهم أسباب ذلك قلق طشقند من تسلل المتطرفين الإسلاميين من أفغانستان إلى أوزبكستان وما يشكله ذلك من خطر يهدد الأمن القومي. أوزبكستان. ودفع تهديد الإسلاميين المتطرفين طشقند إلى زيادة جاهزية أجهزتها العسكرية والاستخبارية لمواجهة هذا التهديد، وكانت هذه فرصة جيدة للنظام الصهيوني لتوسيع نفوذه في الدوائر العسكرية والأمنية والاستخبارية، وذلك بسبب تضارب المصالح موسكو مع طشقند في هذا الملف، وذلك يعني أن طشقند لن تطلب المساعدة من موسكو في هذا الصدد. بعد ذلك، وفي السنوات التي تلت ذلك، أدى توسع النفوذ الإسلامي المتطرف في أفغانستان، فضلاً عن صعود الحركات الإسلامية الأوزبكية، إلى توسع العلاقات العسكرية والأمنية بين طشقند وتل أبيب. لكن بغض النظر عن تهديد الإسلاميين المتطرفين، فإن تهديد الثورة الإسلامية في إيران ومواجهة نفوذ إيران في دول آسيا الوسطى كان من أهم العوامل لأهمية أوزبكستان للنظام الصهيوني، وهي نقطة أثارها مراراً وتكراراً وزير الخارجية الأمريكية السابق مادلين أولبرايت، وشددت على أن أوزبكستان وتل أبيب مهمتان للغاية في مواجهة نفوذ إيران في أوزبكستان في آسيا الوسطى.
أبعاد ومستوى العلاقات طشقند - تل أبيب
كما ذكرنا، فإن علاقة طشقند - تل أبيب لها أبعاد ومستويات مختلفة، في البعد الاقتصادي، تقدر العلاقات بين الجانبين بأنها متوسطة، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 50 مليون دولار سنويًا. يشمل الاستثمار الاقتصادي الإسرائيلي في أوزبكستان الزراعة والطب وأنظمة المعلومات والأمن. وحسب رئيس غرفة التجارة الإسرائيلية في آسيا، فإن "الزراعة هي المجال الرئيسي للاستثمار والمشاركة الإسرائيلية في أوزبكستان، والدعم الإسرائيلي والمشاركة في هذا المجال لطشقند التي تعاني من نقص حاد في المياه والتصحر من الأهمية بمكان. بعد القطاع الزراعي، قام الكيان الصهيوني باستثمارات كبيرة في قطاع الصحة في أوزبكستان، كما أن برامج المساعدة والتدريب للمنظمات اليهودية الصهيونية في مجال الصحة عززت القوة الناعمة للنظام الصهيوني في أوزبكستان. في غضون ذلك، تقدم البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في أوزبكستان دعماً خاصاً لفقراء يهود بخارى بطرق مختلفة.
موقف أوزبكستان في السياسة الخارجية الإسرائيلية
كانت أوزبكستان لاعباً رئيسياً في سياسة تل أبيب الخارجية منذ إعلان النظام الصهيوني، بغض النظر عن منطقة آسيا الوسطى. تتجذر هذه الأهمية في عدد من العوامل، بما في ذلك حقيقة أن أوزبكستان، التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، هي الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في آسيا الوسطى، وبعد كازاخستان، الدولة الأكثر تقدمًا في المنطقة من حيث الصناعة والعلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى ذلك، تعد أوزبكستان أكبر جالية يهودية في آسيا الوسطى مع 120,000 يهودي، تم نقل أكثر من 70,000 منهم إلى الأراضي المحتلة من قبل النظام الصهيوني، ما يجعلها مصدراً مهماً للسكان لـ "إسرائيل" من ناحية أخرى، تمتلك أوزبكستان العديد من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والفضة واليورانيوم والنحاس والزنك، وكذلك الغاز الطبيعي والنفط والفحم وما إلى ذلك، وهي سادس أكبر منتج للذهب في العالم ورابع أكبر احتياطي من خام الفضة، كما أن لديها احتياطيات كبيرة من اليورانيوم ومعرفة وإمكانات تخصيبه، تتمتع أوزبكستان بموقع جغرافي مهم نظراً لموقعها في قلب آسيا الوسطى، لهذا السبب، ركزت "إسرائيل" جهودها منذ سنوات على توسيع نفوذها في البلاد، ولا سيما في المجال الاقتصادي، وفي هذا الاتجاه عقدت "إسرائيل" أول اجتماع اقتصادي مشترك لها مع دول آسيا الوسطى في عام 1992 في طشقند.
كما ذكر أعلاه، فإن مخاوف طشقند من تسلل التيارات الإسلامية المتطرفة من أفغانستان ومواجهة نفوذ جمهورية إيران الإسلامية في منطقة آسيا الوسطى بأوزبكستان لها أهمية كبيرة في السياسة الخارجية للنظام الصهيوني.