الوقت- شهدت خريطة السيطرة والنفوذ في محافظة أبين الواقعة جنوب اليمن تحولاً نوعياً، ما تسبب في خلط الأوراق العسكرية بشكل كبير بين قوات الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي" التي سيطرة على مواقع جديدة بالمحافظة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا. ورغم سيطرة قوات "هادي" على أغلب المساحة الجغرافية لمحافظة أبين، إلا أنها مازالت تتقاسم السيطرة على المحافظة مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي. وتمكنت قوات الرئيس المستقيل "هادي"، من السيطرة على عدد من المعسكرات والمناطق في محيط مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين شرق مدينة عدن، خلال عملية عسكرية لا تزال جارية حتى هذه اللحظة على مواقع قوات المجلس الانتقالي الموالي للإمارات. وذكرت مصادر عسكرية ميدانية، أن قوات "هادي" حققت خلال الساعات الماضية، تقدما جديدا، واستعادت بعض المواقع التي كانت قد حررتها ثم تركتها، وعادت يوم الجمعة الماضي لتحريرها وتجاوزها في منطقة "الشيخ سالم"، التي سيطرت عليها بالكامل، ثم اتجهت للسيطرة على منطقة "الإرسال"، أقرب نقطة إلى مدينة زنجبار عاصمة أبين.
وإلى جانب ذلك، فقد تمكنت قوات الرئيس المستقيل "هادي" من بسط سيطرتها على كامل منطقة "الطرية"، وأيضا على معسكر "اللواء الثالث دعم وإسناد"، التابع لوكلاء الإمارات، إلى جانب السيطرة على معسكر "حيدرة السيد" ومعسكر الحزام الأمني. ووفق المصادر، فإن قوات "هادي" تقترب من دخول مدينة زنجبار، مع سعيها لبسط السيطرة على كامل محافظة أبين المحاذية لمدينة عدن من جهة الشرق. وتمكنت قوات "هادي" من أسر العشرات من عناصر المجلس الانتقالي، إضافة إلى السيطرة على عتاد وأسلحة حديثة كبيرة وآليات إماراتية، فيما تتواصل العمليات العسكرية حتى اللحظة.
وعلى صعيد متصل، رصدت بعض المصادر الاخبارية اخر التطورات الميدانية والمواجهات العسكرية بين قوات الانتقالي وحكومة الرئيس المستقيل "هادي" في محافظة أبين جنوبي البلاد. ووفقا لتلك المصادر الاخبارية فقد دخلت قوات "هادي"، صباح اليوم الثلاثاء، مدينة شقرة الساحلية في محافظة أبين، والتي تبعد نحو 100 كيلومتر شرق عدن، وتخوض مواجهات مع قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقالي. وأوضحت تلك المصادر أن المواجهات اندلعت بعد فشل مساعي وساطة لإقناع القوات الموالية للانتقالي بمغادرة المدينة وتسليمها سلمياً. وبالتزامن تدور مفاوضات بين قوات "هادي" ووجهاء قبليين مع قوات الحزام الأمني في مدينة زنجبار عاصمة المحافظة ومديرية "خنفر" لتسليمهما دون قتال. وأشارت المصادر إلى أن قوات "هادي" بعد أن استكملت السيطرة على مديرية "أحور"، توجهت نحو زنجبار، وهي الآن على مشارفها بانتظار ما ستتوصل إليه لجنة الوساطة التي تعمل على إقناع عناصر بالمجلس الانتقالي بالاستسلام وتجنيب المدينة إراقة الدماء.
وفي ذات السياق أصدر اللواء "الخامس مشاة" في محافظة أبين مساء أمس الاثنين بياناً، دعا فيه عناصر الانتقالي في المحافظة إلى سرعة تسليم مواقعهم، والعمل على تجنيب المحافظة الفوضى والاقتتال. الجدير بالذكر أن هذه التطورات تأتي بعد يوم من إعلان وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المستقيلة، "معمر الإرياني"، عن وقف إطلاق النار في عدن وأبين وشبوة استجابة لدعوة من قيادة تحالف العدوان، مشيراً إلى أن وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة، طلب من الوحدات العسكرية وقف النار في شبوة وعدن وأبين. فيما قال المجلس الانتقالي الجنوبي، يوم أمس الاثنين، في بيان على تويتر: "المجلس يؤكد على ما تضمنه بيانه الصادر يوم الجمعة الماضي من استجابة لدعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتزامنا بوقف إطلاق النار في شبوة والتهدئة، ونستنكر في الوقت ذاته عدم التزام الحكومة اليمنية".
وأضاف بيان الانتقالي: "نجدد التزامنا باستمرار الشراكة مع دول التحالف في المنطقة، وكذا مشاركتنا في مكافحة الإرهاب الذي ينشط تحت مظلة حكومة هادي، وهو ما أكده العدوان المستمر على محافظة شبوة". كما توعد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المشكل في جنوبي اليمن، "عيدروس الزبيدي"، يوم السبت الماضي، قوات "هادي"، بالرد على سيطرته على مديرية لودر في محافظة أبين جنوبي البلاد، وأحد المعسكرات التابعة للمجلس فيها. وقال "الزبيدي"، خلال اجتماع عقده في عدن ضم قادة القوات العسكرية والأمنية التابعة للمجلس، خصص لمناقشة الأحداث والمواجهات العسكرية في مديرية لودر بمحافظة أبين والحشود والتعزيزات العسكرية لاقتحام المدينة والسيطرة على معسكر قوات الحزام الأمني: "قوات المجلس الانتقالي الجنوبية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذا العبث بأمن واستقرار لودر ومحافظة أبين والجنوب عموماً".
وتشهد العلاقة بين حكومة "هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي، توترا غير مسبوق، عقب الإعلان في 21 يونيو/ حزيران الماضي، عن توافق ممثلي الجانبين في المشاورات التي جرت بالعاصمة السعودية الرياض، على عودة حكومة "هادي" التي يشارك فيها المجلس إلى محافظة عدن والمضي في استكمال تنفيذ اتفاق الرياض المتعثر في شقه الأمني والعسكري. وحول هذا السياق، أشار الحقوقي "محمد نعمان" إلى أن كل طرف يحاول إفشال الآخر، عبر تعطيل الخدمات وقال: "الأمر يتطلب تحلي الرياض بالمسؤولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه". وأكد أن مؤشرات الصدام العسكري بين حكومة "هادي" والانتقالي، أكبر من السلام.
ومن جانبه، يقول رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان، "محمد قاسم نعمان": "الأوضاع الحالية عبارة عن صراع مصالح خاصة للداخل والخارج على حد سواء، في إشارة إلى طرفي تحالف العدوان (السعودية والإمارات)، ومن هنا تبرز مشكلة كبيرة لوقف الحرب في البلاد". وأضاف "نعمان": "هذا الصراع له انعكاساته السلبية الكبيرة، ليس محليًا فحسب، بل إقليميا ودوليًا، فالكل يطمح بالسيطرة على عدن، بحكم موقعها الجغرافي المتميز، ولعل الجميع قد تابع كيف دفعت إسرائيل ببعض بوارجها الحربية إلى باب المندب خلال عدوانها الغاشم على غزة مؤخرًا". وأوضح "نعمان" أن "الحشود العسكرية لطرفي الصراع الداخلي التي تتم في أبين، حاليًا ليست بمعزلٍ عن طرفي التحالف الأساسيين، وحتى اللاعبين الدوليين في المنطقة".
ومن جانبه، اعتبر عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، "فضل الجعدي"، "فرض الإرادات عن طريق معاقبة الناس بالخدمات، اغتيال مبطن لاتفاق الرياض الذي جاء لمعالجة الأوضاع المتفاقمة". وقال "الجعدي"، في سلسلة تغريدات على حسابه بـ"تويتر": "العقاب الجماعي الذي يُمارس لتركيع الناس وتجويعهم، أمر مرفوض وسوف نتصدى له بكل الطرق وبكل الخيارات". ولفت: "الأمر يتطلب تحلي التحالف، بالمسؤولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان". وأما أمين عام مساعد حركة النهضة للتغيير السلمي، "علي الأحمدي"، فوصف العودة للتصعيد العسكري بعد اتفاق الرياض بأنه "تراجع خطير ومؤشر للعودة إلى المسار الكارثي، الذي لن يفضي إلا لإراقة المزيد من الدماء من الطرفين".
ويرى رئيس تحرير موقع "عدن الغد"، "فتحي بن لزرق"، أن "ما يجري في عدن من اختلاق للأزمات صراع نفوذ بين طرفي التحالف، ومن يمثلهما على الأرض" وأضاف "بن لزرق": "الصراع السياسي الحاصل في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، انعكس سلبًا على أداء حكومة هادي وتنازع وتقاسم سلطاتها، ما أدى إلى حالة شلل تام في أجهزتها وأنتج واقعا خدماتيا واقتصاديا أليما". وأشار إلى "أن الأوضاع آخذة في التدهور، ما لم تتفرمل بحالة من الاستقرار السياسي والعسكري، وهذا لن يتحقق إلا بتطبيق بنود اتفاق الرياض".
