الوقت- خلال العدوان الصهيونيّ على قطاع غزة المحاصر والذي راح ضحيته مئات الشهداء والجرحى مع دمار كبير في البنية التحتيّة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعيّ بصورة الطفلة الفلسطينية نانا العقاد (8 سنوات)، التي تظهر وهي تحمل عبوة زجاجيّة صغيرة تحوي سمكتها “حورية” التي كانت تهتم برعايتها قبل العدوان الهمجيّ مع مجموعة أخرى من أسماك الزينة، لكن بسبب الهجوم العسكريّ الغاشم قُتلت الأسماك، ولم يتبق سوى حورية، وانتشرت صورة الطفلة الفلسطينيّة التي التقطها المصور الفلسطينيّ، بلال خالد، برفقة ابن عمتها محمود العقاد (9 سنوات) بشكل كبير، نتيجة لبراءة وإنسانيّة الطفولة التي نقلتها الصورة، حيث كانا يبدوان وكأنهما عثرا على شيء ثمين للغاية مع حرص شديد على عدم فقدانه، رغم الدمار والقصف الذي كان يلفهما من كل جانب، نتيجة القصف العنيف الذي طال المنطقة.
في الوقت الذي يتباهى فيه العدو الصهيونيّ بجرائمه المتصاعدة بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، أظهرت الصورة حرص الأطفال الفلسطينيين على انقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح عقب الغارات الصهيونيّة التي قتلت البشر ودمرت الحجر، فشعور الانتصار والفرح بإنقاذ حياة السمكة يبدو ظاهراً جلياً على ملامح وجههما، مخلوط بمشاعر الصدمة من الحقد الإسرائيليّ الأعمى عليهم، لكنهما رغم ذلك قالا: ” انقذنا السمكة، ورح ننقذ العصافير".
وتقول الطفلة "نانا"، إنّها كانت قلقة للغاية على سمكاتها وعصافيرها، حيث هرعت للمنزل واخذت سمكتها "حورية" وهربت بسرعة نتيجة خوفها الشديد، وتتحدث والدتها أنّه لم يكن في حساباتهم أن يغادروا منزلهم، رغم الدمار الكبير والقصف المتكرر الذي طال مناطق واسعة في قطاع غزة، لكن الليلة التي سبقت القصف كانت الليلة الأخيرة في شهر رمضان، وقد لاحظوا أنّ الاحتلال يستهدف المباني السكنية والبنوك، وهذا ما حصل بالفعل حيث قصف العدو بنك الإنتاج في مدينة خان يونس جنوب غزة صبيحة يوم العيد، والذي يبعد عن منزلهم عدة أمتار فقط.
وفي ذلك اليوم، كانت طفلتها تقوم بتحضير ملابس العيد، وضعتها على السرير، ذهبت لتلقي التحية على سمكتها "حورية" ومن ثم جاءت لترتدي ملابسها، لكن القصف العدوانيّ للكيان القاتل كان أسرع منهم، تم قصف البنك، وهُدمت بعض جدران منازل سكان المنطقة إضافة إلى منزلهم، ومن ثم هرعوا مسرعين إلى الشارع ينظرون لمنازلهم بحسرة وألم كبيرين، في يوم كان من المفترض أن يكون عيداً، لكن الآلة العسكرية للكيان حولته إلى مأساة لا تُنسى.
وقد دفع الحب العظيم الذي تحمله تلك الطفلة إلى الذهاب للمنزل علّها تجد حوريتها على قيد الحياة بعد ساعتين تقريباً من الانتظار في الشارع، وكانت تركض مسرعة على أمل أن تجد السمكة، وفي الوقت نفسه يغلفها الرعب من إمكانية استهداف المنزل مجدداً، ما دفع والدتها لأن تمنعها من التقدم أكثر خشية على حياتها، وخاصة أنّ الحروب التي يشنّها الكيان الصهيونيّ المُجرم على الفلسطينيين عادة، لا تستثني طفلاً ولا مسناً ولا امرأة.
وبما أنّ الصهاينة يعيشون على منهج الدمّ والقتل والعنف، يعيش الفلسطينيون وأطفالهم على منهج المقاومة والإنسانيّة، حيث ألحت الطفلة بشدة على الذهاب برفقة أمها للمنزل، وقررت خوض المغامرة لإنقاذ حياة السمكة، إذ وصلتا إلى المنزل وكان كل ما يهم الطفلة أن تنجو بسمكتها، دخلت إلى غرفتها حيث كانت تضع ملابس العيد، وبجوارها السمكة، لكن ملابسها كانت قد امتلأت بغبار القصف، فيما حملت مرطبان الحورية بين ذراعيها وعادت مسرعة تبحث عن الأمان لها ولصغيرتها.
وقد رسخت الصورة في الأذهان أنّ العدو الإرهابيّ لا يعرف معنى الإنسانيّة، كيف لا؟ وهو الذي ارتكب آلاف الجرائم التي يتغاضى عنها المجتمع الدوليّ، فيما يبحث الفلسطينيون عن الحياة بين الركام، وإنّ القصة التي تم تداولها فلسطينياً كواحدة من أجمل القصص التي تمثل التحدي وحب الحياة، لاقت تعاطفاً كبيراً من الفلسطينيين والمؤيدين للقضية الفلسطينية، ما دفع رسامة الكاركاتير الرقمية زينة عبد الحكيم، لإعادة رسم المشهد بطريقة تحاكي الواقع، وتبدو اكثر جذباً من حيث اختيار الألوان، لتحمل رسالة مفادها “بأن أطفال فلسطين الذين كانوا هدفاً للاحتلال خلال عدوانه على غزة، هم أطفال يبحثون عن الحب والحياة وسط هذا الدمار"، بحسب مواقع إخباريّة.
بالنظر إلى رسالة المحبة والسلام التي أوصلتها الطفلة الفلسطينيّة من حيها الذي حوله القصف الصهيونيّ إلى خراب، لا بد من التذكير بأنّ ملايين الرسائل الفلسطينيّة وحكايات الظلم والألم لا تلقى آذاناً صاغيّة، رغم الوحشية غير المسبوقة التي يمارسها الكيان الباغي بحق الفلسطينيين، حيث يتعمد هدم كل ما هو جميل بالنسبة لهم، وفي هذه الصورة نرى أجمل معاني الحب والسلام إضافة إلى أقسى أنواع الوحشية وأبرز عناوين الإرهاب والإجرام.