الوقت- فشلت السعودية مرة أخرى في اليمن بعد مرور عام كامل على الاتفاق الذي رعته بين حكومة الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، دون تحقيق أي تقدم فيه، ما زاد من دوامة الصراع داخل البلاد وذلك لأن السعودية حاولت من خلال اتفاق الرياض تأكيد نفوذها في اليمن، بيد أنها واجهت اعتراضات شديدة من قبل مرتزقة الإمارات الذين رفضوا تسليم اسلحتهم وترك مواقعهم التي يحتلونها في عدد من المدن الجنوبية في اليمن وهذا الأمر يثبت واقع افتقار السعودية إلى القدرة على متابعة ذلك الاتفاق. ولقد شهد العام الحالي سلسلة من الانتكاسات العسكرية والسياسية لتحالف العدوان السعودي، وبدا أن احلامها التي كانت تريد أن تحققها خلال السنوات الماضية في اليمن في طريقها للتبخر دفعة واحدة، وسط تزايد السخط الشعبي بسبب إطالة أمد الحرب وعدم ظهور نتائج قد تدفع لإنهائها.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية، أنه بعد مرور عام كامل على توقيع اتفاق الرياض المعني بتسوية الوضع وحل الجوانب الخلافية بين الأطراف المتصارعة في الجنوب اليمني، لكن لا شيء تغير على الأرض، بل على العكس من ذلك اتسعت دائرة الصراع المسلح لتتجاوز عدن إلى محافظات أخرى مثل أبين وشبوه والمهره وسقطرى ولحج، كما ازدادت حالة الفوضى الأمنية وحالات الاغتيالات والاختطافات والانتهاكات في هذه المناطق. ولفتت تلك التقارير إلى أن حدة المعارك ووتيرة الصراع المسلح في عدد من مناطق الجنوب اليمني ارتفع بشكل ملحوظ بالتزامن مع مرور عام على اتفاق الرياض. ومنذ توقيع ذلك الاتفاق العام الماضي، شهدت المحافظات الجنوبية العديد من المحطات والتحولات الناتجة عن فشل تنفيذ بنود الاتفاق الذي لم يحقق للجنوبيين أي شيء ايجابي على الارض.
وعلى صعيد متصل، قال "سمير المسني" القيادي في الحراك الجنوبي: "أي اتفاق مابين المجلس الانتقالي وحكومة الفنادق لن يأتي بجديد لا الان ولا في المستقبل. المسألة تتعلق بتوجهات واجندات ومخططات المحتلين، أي الامارات والسعودية". مضيفاً إنه منذ اللحظة الأولى رافق التعثر اتفاق الرياض نتيجة أزمة الثقة واتساع فجوة الخلافات بين أطراف الاتفاق حول تنفيذ آلياته وبنوده وتحديداً ما يتعلق بترتيب الشق العسكري وتشكيل الحكومة المشتركة، ليظل الاتفاق السعودي حبراً على ورق بل اتجهت معه المناطق الجنوبية إلى واقع بدا أكثر سوءاً مع غياب المؤشرات الإيجابية لتطبيق التفاهمات المفترضة.
وعلى هذا المنوال كشفت العديد من المصادر، أن نزاع الإمارات مع "منصور هادي" بدأ عندما دخلت قوات "حزب اصلاح" جنوب اليمن والتي تعدّ احد تيارات الاخوان. ومن الواضح أن الإمارات، بصفتها الداعم الرئيس للمجلس الانتقالي الجنوبي ، تكره حضور ودور عناصر الإخوان في كل مكان، وخاصة في جنوب اليمن. ويمكن رؤية وجهة نظر الإمارات تجاه التيارات والاتجاهات القريبة من جماعة الإخوان المسلمين في طريقة معاملتها لدول مثل قطر وليبيا وتركيا، حيث ان العداء والصراع مع الإخوان يعتبر من المبادئ الأساسية للسياسة الداخلية والخارجية لقادة أبو ظبي. وعلى الرغم من أن السعودية غير راضية عن الإخوان، لكن بسبب نقص القوات الميدانية في جنوب اليمن، كان على الرياض أن تتعاون مع عناصر "حزب الإصلاح" في حكومة "منصور هادي" من أجل تحقيق أهدافها في اليمن، ومع ذلك، فإن مثل هذا النهج غير مقبول حتى من قبل الإمارات ومرتزقتها. ولهذا فقد رفض مرتزقة الإمارات التخلي عن سلاحهم وتسليم مواقعهم لقوات "منصور هادي" في جنوب اليمن
ومن ناحية أخرى، يعتقد العديد من الخبراء السياسيين، أن الإمارات لا تريد أن تكون تحت راية السعودية في شكل ائتلاف، ووفقاً لخططها للوصول إلى الموانئ اليمنية الجنوبية وتوسيع عمقها الاستراتيجي في خليج عدن ومضيق باب المندب، فهي تريد الخروج من جدول أعمال السعودية والفوز في هذه المعركة، وحول هذا السياق، قال "أنيس الاصبحي" الناشط السياسي الجنوبي: "علی ارض الواقع لم يتحقق أي شئ بقدر ما يعكس هذا الاتفاق حجم المؤامرة التي تديرها سواءاً الامارات او السعودية من خلال تمزيق اليمن الموحد".
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الإعلامية مقربة من العدوان أن قصفا متبادلا بالأسلحة الثقيلة يجري حاليا بين فصيلي المرتزقة الموالين للسعودية والامارات شرق مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين. وبينت تلك المصادر، أن أصوات الاشتباكات تسمع في المدن القريبة من جبهتي الشيخ "سالم والطرية" شرق مدينة "زنجبار". وتأتي تلك الاشتباكات بالتزامن مع وقوع اشتباكات متواصلة بين فصائل ومليشيات المرتزقة المسلحة التابعة لأجنحة المحتلين في مختلف المحافظات الجنوبية اليمنية المحتلة والتي راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى.
وأكدت تلك المصادر على المحتلين قاموا خلال الفترة الماضية بتشكيل عشرات المجاميع المسلحة في مختلف المناطق والمحافظات المحتلة التي تتصارع فيما بينها بين الحين والآخر ليبقى المحتل مهيمنا على البلاد ومسيطرا على مناطقها وجرزها المهمة. يذكر أن ملتقى "التصالح والتسامح" الجنوبي أكد في مايو الماضي أن سلطة الاحتلال السعودي الإماراتي تواصل إقحام محافظة أبين في دوامة الاقتتال لسفك الدم الجنوبي لصالح أجندتها. وأوضح الملتقى في بيان، أن هدف قوى الاحتلال من دوامة الاقتتال استنزاف قدرات الجنوب، وذلك عبر أدواتها المحلية من ما يسمى شرعية "هادي" ومليشيات "حزب الإصلاح" الموالية للسعودية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات.
إن كل هذه المعطيات تؤشر إلى تجميد وتعطل "اتفاق الرياض" الذي يمر عام على توقيعه، ما يعني عودة الوضع إلى نقطة الصفر في الجنوب اليمني، وخاصة مع تصاعد حدة المعارك وتزايد الخلافات حول تشكيل الحكومة، ومن الواضح أن السعودية والإمارات تدركان عدم جدوى مثل هذه الاتفاقات وتحاولان فقط الحد من مستوى التوتر والصراع والسيطرة عليهما. إن الاشتباكات العنيفة السابقة في أبين وعدن بين قوات "منصور هادي" والمجلس الانتقالي، بعد يومين فقط من إعلان اتفاق الرياض، تظهر عدم جدوى الاتفاق وتظهر مدى تعقيد الانقسامات ووضوحها في المعسكر المخالف لأنصار الله.
وفي الختام يمكن القول إن الرياض وأبو ظبي تحاولان الخروج من هذه المعركة بكرامة بعد خمس سنوات من الحرب العقيمة في اليمن وإيصال قواتهما ومرتزقاتهما المتحالفة إلى السلطة، وفي غضون ذلك ، تمكنت حركة "أنصار الله" من تحقيق انتصارات متتالية في الحرب مع التحالف من خلال اتباع استراتيجية الصمود والمقاومة، والحفاظ على كونها اليد العليا في أي حوار حول مصير اليمن، إن مستقبل اليمن لن يتحدد بالاتفاقيات التي تركت على الورق، ولكن من خلال معادلات ساحة المعركة واستغلال إنجازاته في مجال الحوار اليمني اليمني، حيث لـ"أنصار الله" اليد العليا في هذا الصدد.