الوقت- المرجعية الدينية العراقية التي كانت قد أعلنت موقفها من التطورات الحالية منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في البلاد، أصدرت بياناً أكدت فيه على دعم مطالب الناس المشروعة مجدداً.
هنالك عدة نقاط يجب ملاحظتها في بيان آية الله السيستاني الأخير وهو المرجع العليا للشيعة العراقيين، فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في البلاد، البيان يصف الوضع الحالي في العراق ويحذّر من جرّ البلاد إلى الفوضى.
جاء في البيان: "مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح في بغداد وعدد آخر من المحافظات، شهدنا في هذا الأسبوع اصطدامات جديدة مؤلمة ومؤسفة بين الأحبة المتظاهرين والمعتصمين وبين رجال الأمن وغيرهم، وقد أسفرت عن سفك مزيد من الدماء البريئة وتعرّض أعداد كبيرة من الجانبين لإصابات مختلفة، وتزامن ذلك مع الاعتداء بالحرق والنهب على العديد من الممتلكات العامة والخاصة، إن الدماء الزكية التي سالت خلال الأسابيع الماضية غالية علينا جميعاً، ومن الضروري العمل على منع إراقة المزيد منها، وعدم السماح أبداً بانزلاق البلد إلى مهاوي الاقتتال الداخلي والفوضى والخراب".
وأضاف بيان المرجعية: "المرجعية الدينية تجدد التأكيد على موقفها المعروف من إدانة التعرّض للمتظاهرين السلميين وكل أنواع العنف غير المبرر، وضرورة محاسبة القائمين بذلك، وتشدّد على الجهات المعنية بعدم الزجّ بالقوات القتالية بأيّ من عناوينها في التعامل مع الاعتصامات والتظاهرات السلمية، خشية الانجرار إلى مزيد من العنف".
وأشار البيان إلى أن "احترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والإداري لبلدهم، من خلال إجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب، هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق، واليوم تؤكد على أن الإصلاح وإن كان ضرورةً حتميةً - كما جرى الحديث عنه أكثر من مرة - إلا أن ما يلزم من الإصلاح ويتعين إجراؤه بهذا الصدد، موكول أيضاً إلى اختيار الشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه من أقصى البلد إلى أقصاه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم".
يشار إلى أنه بعد صدور هذا البيان، رحّبت المجموعات السياسية العراقية بما ورد فيه من نقاط، وأعربت عن دعمها للبيان.
على سبيل المثال، أكد رئيس البرلمان العراقي "محمد الحلبوسي" أن البرلمان ملتزم بالخارطة التي وضعتها المرجعية الدينية. وأضاف إنه سيبذل قصارى جهده لتنفيذ تغييرات الدستور العراقي.
وقال رئيس مجلس النواب العراقي إن المجلس سيعمل بشكل مكثّف ومتواصل "من أجل الشعب ومطالبه، دون ضغط خارجي، إقليمياً كان أم دولياً، ودون فرض إرادات شخصية أو حزبية، لما فيه مصلحة العراقيين".
يدرك الشعب العراقي جيداً الوضع في البلاد وظروفها السياسية، وقد نزلوا إلى ميدان التحرير في بغداد بعد إصدار هذا البيان وإعلان دعمهم للمرجعية الدينية.
العراقيون في ميدان التحرير بوسط بغداد، رددوا شعارات ضد أمريكا والكيان الإسرائيلي والسعودية وحزب البعث، واحتجوا على التدخل الأجنبي في الشؤون العراقية، بهدف خلق الفوضى وسوق المظاهرات نحو العنف، وأحرقوا الأعلام الأمريكية والإسرائيلية.
دراسة هذه التطورات تحتوي على نقطتين أساسيتين: الأولى هي حول بيان آية الله السيستاني وضرورة أن تولي المجموعات السياسية العراقية الاهتمام بالنقاط التي أثيرت فيه.
بعض الجماعات السياسية العراقية التي تسعى هذه الأيام إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة الحالية ورئيس الوزراء "عادل عبد المهدي" شخصياً، وإلقاء كل المسؤولية عن الوضع العراقي والفساد الموجود على الحكومة، لتسوية الحسابات السياسية، ينبغي أن يلتفتوا إلى النقاط التي أثيرت في هذا البيان.
في الوضع الحالي، يجب على الجماعات السياسية العراقية التحرك نحو تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد، في ظل مساعدة الحكومة وتخفيف التوترات في البلاد دون أي تدخل أجنبي.
بالإضافة إلى ذلك، تحاول بعض الأحزاب السياسية في العراق مصادرة الاحتجاجات الشعبية لمصلحتها، وتفسيرها لتحقيق غاياتها السياسية، هذه المجموعات السياسية وعن طريق الامتثال لإملاءات دول مثل أمريكا والسعودية، لديها غرض آخر غير الإصلاحات الحقيقية في البلاد.
لكن المرجعية الدينية العراقية ومن خلال تقديم خارطة الطريق هذه، تصرّ على أنه لا يحق لأي حزب أو جماعة مصادرة احتجاجات الشعب العراقي لمصلحته.
والنقطة التالية هي فشل جهود بعض الدول الأجنبية، وخاصةً أمريكا في الاصطياد في المياه العكرة للاحتجاجات العراقية.
إن وسائل الإعلام الأجنبية، وخاصةً وسائل الإعلام الأمريكية، والتي تعكس مواقف واشنطن، عملت بجد خلال الأيام القليلة الماضية للإيحاء بأن المتظاهرين العراقيين قد رددوا شعارات خلال مظاهراتهم ضد المرجعية الدينية في البلاد، وهاجموا حتى بعض مكاتبها.
وسائل الإعلام هذه، إلى جانب بعض وسائل الإعلام العربية التابعة للدول الخليجية، كانت مصرّةً بقوة على إظهار وجود فجوة بين الشعب العراقي والمرجعية الدينية في البلاد، ولكن دراسة مواقف المرجعية الدينية العراقية منذ الاحتجاجات في العراق، توضّح دعمها لمطالب الشعب العراقي وتأكيدها على سلمية هذه الاحتجاجات، وضرورة اهتمام الحكومة بهذه المطالب.
على أي حال، يجب القول إن تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية في أي بلد، لن يتم دون استقرار الأوضاع وخلق الاستقرار والأمن؛ كما يجب على الجماعات السياسية العراقية أيضاً أن تسعى إلى إجراء إصلاحات حقيقية من أجل اجتياز البلاد هذه المرحلة الحرجة، بعيداً عن الألاعيب السياسية وتسوية الحسابات.