الوقت- على وقع حالة التأهب التي تعيشها مختلف الجبهات الإسرائيلية، وفي حين يخيّم التوتّر الأمني والسياسي على الكيان، بدءاً من غزة في الجنوب مروراً بنتنياهو ومعركة التحالفات في الوسط، وليس انتهاءً بعملية الأنفاق في الشمال، خرجت وثيقة سريّة إلى العلن قدّمها نائب رئيس الأركان السابق اللواء "يائير غولان" يتحدّث فيها بصراحة عن عدم ثقته بالقيادة العليا بالجيش البري، والتحذير مما ينتظر الجبهة الداخلية من سيناريوات مرتقبة.
ما قاله اللواء غولان كثير، ولكن ما لم يقله أكثر من ذلك، الجنرال الذي يمتلك تصاريح نارية سابقةً حول أشكال النازيّة في الجيش الإسرائيلي، اعتبر أن انعدام الثقة بقدرات سلاح البر، والخوف من الخسائر، أديا إلى عدم تنفيذ اجتياح بري خلال العدوان على قطاع غزة في العام 2014.
إذن، يحمل كلام غولان أبعاداً استراتيجية تتعلق بواقع الأمن القومي لكيان الاحتلال وتبدّل الرؤية العسكرية التي تأسس عليها الكيان الإسرائيلي في ظل الشلل النصفي الذي يعاني منه سلاح البرّ، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: يتحمّل رئيس الأركان السابق "غادي إيزنكوت" التي شهدت فترته هدوءاً تاماً على مختلف الجبهات المسؤولية الأبرز.
الرجل الذي يقدّم نفسه كمنظّر استراتيجي عمد خلال سنوات خدمته إلى إهمال سلاح البر لمصلحة الأسلحة الأخرى، هذا ما يؤكده رئيس معهد القدس للأبحاث الاستراتيجية "أفرايم عنبر" الذي اعتبر أن الخشية من القيام بهجوم بري موجود منذ سنوات طويلة أي منذ أيام حرب تموز، وأضاف: "ليس عبثاً جرى إهمال سلاح البر لمصلحة قدرات السايبر وسلاح الجو".
ثانياً: لا تزال حرب تموز ترخي بظلالها على الداخل الإسرائيلي السياسي والعسكري حيث لم تغيّر معادلات الردع مع لبنان فحسب، بل فرضت معادلات جديدة داخل وحدات الجيش الإسرائيلي.
المعادلات هذه ظهرت أيضاً في غزة، وهذا ما يشير إليه غولان في رسالته التي بعثها إلى القيادات السياسيّة عندما أخبرهم أن "سلاح الجو الإسرائيلي ألقى 1200 صاروخ وقنبلة دقيقة على أهداف فارغة بقطاع غزة، بعد أن أصابهم الإحباط بسبب عدم انتهاء الحرب بسرعة"، مشيراً إلى التخوفات التي سرت في قيادة الجيش الإسرائيلي، آنذاك، من توسيع المعركة البرية في قطاع غزة خلال حرب "الجرف الصامد"، وصلت بسرعة إلى الجنود، وأن هذا الأمر أضرّ بثقة الجنود بالقادة العسكريين في الجيش الإسرائيلي، وبقدرتهم على الخروج من الحرب منتصرين".
ثالثاً: تكمن خطورة كلام الرجل الذي يتحدّث بناءً على تجارب عملانية، وليست نظرية فحسب، في كسر شوكة "الجيش الذي لا يقهر"، ليس في أعين "الأعداء" فحسب، بل داخل وحدات الذراع البرّي في الجيش الإسرائيلي من جهة، وبين الوحدات الأخرى التي باتت تنظر بعين الريبة والدونية إلى هذه الوحدات.
تشير التقارير الصادرة عن الجيش الإسرائيلي عن عملية هروب واسعة من الوحدات القتالية إلى الوحدات الأخرى، ولاسيّما العلمية منها.
رابعاً: يبدو أن هناك إجماع واضح على عقم سلاح البر، والتجارب أثبتت أن سلاح الجوّ غير قادر على إنهاء حرب، أو الانتصار بها، هذا ما أكّده سابقاً اللواء "يتسحاق بريك" مفوض شكاوى الجنود في الجيش، حول عدم جاهزية الجيش للحرب، رغم إذعان الرئيس السابق لأركان "غادي آيزنكوت" بأن سلاح الجو غير قادر على الانتصار في الحرب، وأن "الانتصار سيأتي حصراً عبر عمل القوات البرية"، لكنه لم يهيّئ الأرضية التي تسمح لهذه القوات بتحقيق الانتصارات.
الكلام اليوم، ليس تحليلاً، وليس استناداً إلى ما ذكره السيد نصرالله منذ عشر سنوات، بل هي تقارير صادرة عن القيادة العسكريّة العليا في الجيش الإسرائيلي.
خامساً: يرتبط كلام الجنرال "يائير غولان" الذي شغل منصب رئيس الأركان لمدّة ثلاثة أسابيع سابقاً وذلك بعد دخول "إيزنكوت" إلى المستشفى للعلاج، بصراع الجنرالات القائم في الجيش الإسرائيلي. "غولان" الذي تمّ استبعاده من منصب الأركان الذي كان الأقرب إليه، يحاول اليوم التصويب من خلال هذا الكلام على رئيس الأركان المنتهية ولايته "غادي إيزنكوت" الذي حاول تقديم انتصارات وهمية يسعى لاستخدامها لاحقاً في حياته السياسيّة. هدف آخر صوّب نحوه غولان هو رئيس الأركان الجديد "كوخافي" الذي حلّ مكانه كحل وسط بين "نتنياهو" و"ليبرمان".
يرى "غولان" نفسه الأكفأ عسكرياً وإدارياً على قيادة الأركان، بسبب تجاربه العسكرية من ناحية والعلمية من ناحية أخرى كونه يحمل شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية ودرجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد، لكن ابتعاده عن القيادات السياسية أقفل الطريق عليه إلى رئاسة الأركان.
صحيح أن الكيان الإسرائيلي يعمل على تطوير قدراته من التكنولوجياً العسكريّة، وقد قطع شوطاً كبيراً في هذا المجال، لكن تجربة حرب تمّوز المريرة، ولاحقاً حروب غزة، مسحت مقولة الجيش الذي لا يقهر، وأفرزت واقعاً جديداً جعل من الجندي الإسرائيلي يشعر وكأنه لقمة سائغة أمام عدوّه، الواقع الجديد يرتبط بالقدرات التي شاهدها هؤلاء المقاتلون "المرضى نفسياً" في وادي الحجير والشجاعية من جهة، وبانعدام ثقة هؤلاء الجنود بقياداتهم من جهة أخرى.
في الختام، إن "قنبلة غولان" العسكرية، سترخي بظلالها على الحياة السياسية في ظل اقتراب الانتخابات وتشكيل التحالفات، فتحذيرات الجنرال تتعلّق بقضايا مصيرية وفق المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرنوت "روني بن يشاي" الذي تحدّث عن تكاليف باهظة خلال أيّ حرب قادمة.