الوقت- عمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام إلى تسخين ملف الأكراد من جديد ولكن هذه المرة "شرق الفرات"، هذه المنطقة المعروفة بتعقيداتها السياسية والعسكرية لكونها حساسة بالنسبة لكل من "سوريا، تركيا، العراق وأمريكا" ولا يمكننا عزل "روسيا" عن الاهتمام بهذه المنطقة على اعتبار أن خصمها الكبير يسرح ويمرح هناك مستغلاً مشروع "محاربة الإرهاب" "المطّاط" والذي كان له تجربة شبيهة به ولكن باسم مختلف سُمي حينها "نشر الديمقراطية".
إذن أردوغان يضع "شرق الفرات" نصب عينيه في تطوّر دراماتيكي مفاجئ أوحى لنا وكأن فترة الهدوء التي شهدتها العلاقات التركية - الأمريكية بعد إطلاق سراح القس الأمريكي برونسون قد انتهت على نحو سريع قبل أن تستفيد منها أنقرة بالشكل الكافي، وقد لا يكون الأمر كذلك على اعتبار أن واشنطن نسّقت مع أنقرة فيما يخص "الأكراد" سابقاً في منطقة "عفرين" وقدمتهم "كبش فداء" للتركي، فهل تفعل الأمر ذاته اليوم أم لأردوغان وترامب غايات أخرى بما يتناسب مع مصالح الطرفين؟، وهنا يبرز سؤال مهم هل تتوافق هذه المصالح فيما بينها أم لا وفي حال اختلفت هل سيشن أردوغان حملة عسكرية على شرق الفرات خلال الساعات أو الأيام المقبلة كما قال؟.
احتمالية بدء عملية عسكرية "تركية" على "شرق الفرات"
الأسباب التي قد تدفع أردوغان للقيام بذلك:
أولاً: لا تريد تركيا تحت أي ظرف أن يشكّل الأكراد قوة عسكرية كبيرة على حدودها تتمتع بالإمكانات العسكرية واللوجستية الحديثة، على اعتبار أن أنقرة ترى في هذا تهديداً لأمنها القومي، وما يقلقها حالياً هو الدعم الأمريكي المتواصل للأكراد بالمال والسلاح.
في الحقيقة هذا الدعم كان موجوداً في السابق لكن على ما يبدو أن أردوغان يريد إشعال النار تحت هذا "الموضوع" للحصول على ميزات من أمريكا لم يحظَ بها على خلفية "قضية خاشقجي".
ثانياً: احتمال حصول العملية العسكرية على مراحل، وبهذا تحاول تركيا الجمع ما بين الضغط السياسي والعسكري ويمكنها الحصول على ما تريد قبل أن يسقط قتلى بين صفوف جنودها فيشكل ذلك ضغطاً على أردوغان في الداخل التركي، ومن الناحية العسكرية تكون تركيا قد ثبّتت نقاطاً عسكرية في العمق السوري وفي المناطق القريبة من الحدود، لتكون هذه النقاط نقطة انطلاق لمراحل عسكرية ثانية.
ثالثاً: قد يحصل الهجوم على شرق الفرات في حال كان هناك تنسيق مع أمريكا، بحيث ترفع الأخيرة غطاءها عن الأكراد كما فعلت في "عفرين" وتتركهم فريسة سهلة لأردوغان، وهذا الأمر ليس بالبعيد على اعتبار أن تصريحات واشنطن لم تحمل تهديداً صريحاً لأنقرة وإنما قالت بأن هذه العملية قد تسبب فوضى واضطرابات في تلك المنطقة وأنها غير حكيمة، وفي مقابل ذلك تحدث الجانب التركي بأن تركيا لن تستهدف الجنود الأمريكيين من خلال العملية التي تعتزم القيام بها شرقي نهر الفرات في سوريا، وإنما هدفها هو تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا"، وبالتالي يمكننا القول بأن هذه التصريحات لا تؤيد ولا تعارض وبهذا يبقى احتمال شن العملية العسكرية مفتوحاً.
رابعاً: أردوغان يبحث عن انتصار سياسي قبل الانتخابات المحلية التي ستحصل في 31مارس 2019، أي بعد حوالي أربعة أشهر من الآن، خلال هذه الانتخابات ستكون المنافسة قوية جداً، وسيسعى أردوغان الذي يتزعّم حزب العدالة والتنمية لمنع انتصار حزب الشعوب الديمقراطية "HDP" في مناطق الأكراد.
احتمالية عدم القيام بعملية عسكرية "تركية" على "شرق الفرات"
في الحقيقة موضوع شرق الفرات معقد جداً ولا يمكن لأحد توقع ماذا سيحصل هناك حتى أردوغان نفسه وقد يمنعه الخوف من عدم معرفة مصير الدخول إلى شرق الفرات من شنّ العملية الجديدة هناك ويضاف إلى هذا مجموعة الأسباب التالية:
أولاً: على اعتبار أن أردوغان يبحث عن نتائج سياسية أكثر منها عسكرية نعتقد أنه سيفكر ألف مرة قبل التورّط بمثل هذه الحملة، ففي حال خطط أردوغان لعزل عين العرب أو التقدم من محور فهذا يجعل المعركة مفتوحة وغير محدودة وبالتالي تعقيد الأمور، وتركيا غالباً لا تمتلك المرونة التي نظنّها حيال المناورة العسكرية المنفردة في ظل الوجود العسكري الأمريكي، والأهمية الجغرافية للمنطقة بالنسبة لسياسات واشنطن في المنطقة.
ثانياً: لن يتمكن أردوغان من شنّ عمليته العسكرية دون التنسيق مع واشنطن وموسكو لكونه يعلم انه في حال قام بهذه العملية دون التنسيق مع هاتين الدولتين على الأقل ستكون نتائج معاركه وخيمة وقد تدعم أمريكا الأكراد بشكل فعلي هذه المرة، خاصة وأن سياسة واشنطن مبنية على "ازدواجية" مفرطة لا يمكن أن تتوقع تصرفاتها كيف ومتى وأين ولماذا.
أما موسكو فلم تعلن موقفاً صريحاً تجاه العملية التركية، واكتفت بالإعراب عن قلق تجاه ما أسمتها تناقضات كردية ــ عربية في شرق الفرات، وحمّلت واشنطن مسؤولية الامتناع عن إجراء حوار منطقي مع واشنطن حسب الناطق باسم الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف.
بالمحصلة؛ المواقف الدولية والاقليمية غير واضحة تجاه عملية "شرق الفرات" وبالتالي سيبقى القادم من الأيام مفتوحاً على جميع الاحتمالات وسيبقى احتمال الحرب قائماً لطالما أن المصالح متشعّبة ومتشابكة بين دول المنطقة بشكل لا يمكن الإفلات منه بسهولة.