الوقت- يكفي أن تكتب على أحد متصفحات الانترنت، عن العلاقة بين البطالة والإرهاب لكي تظهر لك عشرات الأبحاث عن هذا الموضوع المتشعب، وتختلف الدراسات بين مؤيد لارتباط الإرهاب بالبطالة وبين معارض لها، ونحن نقول لكم لا هذا ولا ذاك لأن الموضوع في حقيقة الأمر نسبي ولا يمكن جزمه بالمطلق، حيث لا يمكننا تأكيد هذه العلاقة بينهما ولا نفيها وذلك لعدة اعتبارات سنحاول تلخيصها بالتالي:
أولاً: لا نستطيع ان ننكر بأن البطالة فيروس خطير يفتك بالمجتمع ويحول لياليه إلى كابوس يتجمع فيها الشباب العاطلين عن العمل للحديث عن معاناتهم التي يحملون حكومتهم جزء كبير منها، وهنا تبدأ رحلة الانحراف نحو الأعمال المرفوضة والمنبوذة اجتماعيا، حيث يكفي ان يكون في كل مجموعة شخص واحد يقود هذه المجموعة نحو اعمال مخالفة لقوانين المجتمع الذي يعيشون فيه حتى تبدأ العدوى تنتشر بين جميع افراد المجموعة، لعدة أسباب أبرزها "الفقر، الحاجة، اليأس، التهميش وغيرها".
وبعد مدة قد تتحول هذه المجموعة إلى ارتكاب حماقات تصل إلى حد ارتكاب جرائم من سرقة واعتداء وتهريب مواد ممنوعة، ومع ذلك ليس بالسهولة أن يتحول هؤلاء إلى إرهابيين، لأنهم يسرقون لكي يعيشون عيشة كريمة من وجهة نظرهم ولكي يعوضوا حرمانهم وبالتالي هم يحبون الحياة ولا يريدون الموت.
ولكن ماذا يحدث لكي يتحول جزء من هؤلاء إلى إرهابيين، في الحقيقة يتم استغلال هذه الفئة من الشباب من قبل منظمات داخل الدولة وخارجها لتحقيق أهدافها الخاصة، والأطراف الخارجية هنا تلعب دورا مؤثرا أكثر من غيرها لكونها تملك أطماع أكبر، وطريقة دخولهم على هؤلاء الشباب ليست بالعسيرة لطالما أن هذه الجهات تدغدغ عاطفة الشباب من خلال تقديم مغريات أهمها المال، وكثير من هؤلاء الشباب يعجز عن الزواج لذلك يستغل الأقوياء نقطة الضعف هذه للدخول إلى عقل الشباب وإن لم تنفع فهناك طرق كثيرة منها دفع التنظيمات الإرهابية لجذب الشباب خاصة في العالم الإسلامي عن طريق الخطاب الديني والوعود البراقة بالدخول إلى الجنة وغيرها من الطرق التي يتم إدخالها إلى عقول الشباب وفق مخطط ممنهج يبدأ بتعويد فكر اشاب على التفكير الغير منطقي،وذلك يحدث بتكرار الشيء حتى يصل في عقله اللاواعي أن هذا الأمر هو الشيء الصحيح، ومعنى ذلك أنه مقتنع أنه عندما يقتل، أنه سيدخل الجنة وأن ذلك دفاعا عن الدين.
وهذا لا يعني إطلاقا بأن فقط الفقراء والعاطلين عن العمل في العالم الاسلامي هم فقط من يتجهون نحو الانضمام إلى تنظيمات إرهابية، فقد شهدنا ظهور هذا الأمر في بداية القرن العشرين في أوروبا ومن ثم ظهرت موجات إرهابية يسارية في الفترة من "1960-1980"، وكانت تقودها حركات "الكتائب الحمراء" في إيطاليا و"العمل المباشر" في فرنسا، وبعد هذه المرحلة بدأت مرحلة الإرهاب الديني وانتشرت وفي منطقة الشرق الأوسط وانضم إليها أوروبيين من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وشاهدنا هذا الأمر في سوريا والعراق وغيرها من الدول.
وتقول الاحصائيات ان أكثر من 6 آلاف أوروبي ذهبوا للقتال مع الجماعات الإرهابية في سوريا، هل هذا يعني انهم كانوا يعانون من الفقر والبطالة؟!، بالطبع لا فأغلبهم عاشوا حياة مرفهة في بلادهم ولكنهم انضموا لأسباب مختلفة منها، حب الاختلاف والتميز أو ردة فعل على عقد حدثت لهم في الطفولة أو أنهم منبوذين من داخل مجتمعاتهم والأساب كثير بهذا الخصوص ولا نريد الآن الخوض في غمارها.
ثانياً: لنرى ماذا تقول الدراسات حول هذا الموضوع، في تشرين الأول/أكتوبر أصدر البنك الدولي تقريرا حول العدالة الاجتماعية والاقتصادية ودورها في منع التطرف العنيف، جاءت بعض النتائج على غير المتوقع: الفقر وتدني مستوى التعليم ليسا محددين رئيسيين في التحول إلى الإرهاب. في المقابل، البطالة عنصر مهم في تحول الشباب نحو الإرهاب.
ورأى التقرير حينها أن " السياسات التي تشجع على خلق فرص العمل. لا تفيد الشباب الساعين وراء فرصة عمل فحسب، بل قد تساعد على إحباط انتشار التطرف العنيف".
ووجدت احدى الدراسات أن معدلات الهجمات الإرهابية تنخفض في الدول ذات مستويات التنمية البشرية المرتفعة جدا لأنها "دول مستقرة". لكنها لاحظت أيضا أن الدول التي تكاد التنمية البشرية تكون فيها منعدمة تشهد هي الأخرى انخفاضا في العمليات الإرهابية. وأطلقت الدراسة تسمية "مستقرة قسرا" على هذه الدول، موضحة أن هذين النموذجين معا طاردان للإرهاب.
ختاماً؛ على الحكومات أن تضع خططا واضحة لإنقاذ شبابها من حالة الضياع التي يعيشونها، وعدم السماح لأي جهة باستغلال هؤلاء الشباب تحت أي ظرف من خلال محاربة الفساد وخلق فرص عمل لهؤلاء الشباب وإعطاء مساحة للتنمية البشرية في البلاد، قبل ان تتفاقم الأزمة وتتسع على مساحات واسعة وتصبح خارجة عن السيطرة وعندها حتى الحكومات لن تبقى.
وكما ذكرنا في الأعلى ربط البطالة بالإرهاب أمر خاطئ، ولمن لا يعلم فإن بن لادن والظواهري وغيرهم كانوا من عائلات ميثورة ماديا وبالتالي هذا يسقط الفكرة السائدة عن هذا الاعتقاد، ولكن البطالة قد تكون شرارة يتم استغلالها لإشعال نار كبيرة في أي وسط يعاني من الفقر والفساد والبطالة.