الوقت- بالتزامن مع الحرب والإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، أقام السعوديون أحد أكبر الأحداث الفنية والمعادية للثقافة العربية بأسلوب غربي تمامًا، وتضمن الحدث برامج مثل عروض أزياء نسائية ذات أنماط معينة غير أخلاقية، وعروض أجساد، وحفل موسيقي لبعض المطربين الأمريكيين والغربيين المؤيدين لـ"إسرائيل".
وبطبيعة الحال، رافق هذا الإجراء السعودي العديد من ردود الفعل السلبية في الفضاء الإلكتروني، واتهم مستخدمون مسلمون السلطات السعودية بتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني، وارتبط هذا الحدث الذي أقيم تحت اسم "موسم الرياض"، بأقوى ردود الفعل في الفضاء الافتراضي لشبكة X.
انتقاداتك سببها تزامنها مع حرب غزة
وانتقد بعض مستخدمي قناة إكس إقامة حفل موسم في الرياض بسبب تزامنه مع حرب غزة، يتضمن هذا التقرير بعض آراء المستخدمين المسلمين والناطقين بالعربية: (إلى جانب أسماء هؤلاء المستخدمين، تم تقديم معارفهم أيضًا في شبكة X) وهنا يقول، فهيم (@stoppression) مستخدم هندي: "يمكنك الرقص على أغاني شاكيرا، والتباهي بجسدك بالبيكيني، لكن لا يمكنك رفع العلم الفلسطيني في المملكة العربية السعودية".
ومن جانبه، قال زكي @ZEEKHAN2089276: "يجب على المملكة العربية السعودية أن تخجل من استضافة مثل هذه الأحداث عندما يقتل اليهود أطفال المسلمين"، ومن جهته كتب علي إبراهيم (@AliIbra713): "كان ينبغي على ولي العهد (محمد بن سلمان) دعوة أفراد من الجيش الإسرائيلي لحضور حفل موسم الرياض".
كما قال سيد زمير عباس جفري (@me_zameerjaffri): "أيها السعوديون الوقحون، لديكم حفل موسيقي عندما يحدث القصف والإبادة الجماعية في غزة، أين السعودية؟! أين بن سلمان؟ غزة تتعرض لقصف إسرائيلي وحشي! لدي (ابن سلمان) أمر عاجل عليه أن يتعامل معه أولا! ما الذي قد يكون عاجلا؟ آخر الاستعدادات لحفلات موسم بالرياض!".
ومن جابنه قال وصي الدين (@Wasiuddinkhan1): "بينما يتعرض قطاع غزة لهجمات إسرائيلية مكثفة، قرر القادة السعوديون إقامة مهرجان للرقص والموسيقا بدلاً من تنظيم مظاهرات مناهضة للحرب مثل دول أخرى في العالم".
إدانة للسعوديين الذين يديرون ظهورهم للإسلام
ومن ناحية أخرى، ارتبط حفل موسم الرياض ببعض الإجراءات المخالفة للأعراف ضد معتقدات مليارات المسلمين، وقد صاحبت هذه الإجراءات المخالفة للأعراف إدانة واسعة النطاق من قبل المستخدمين الناطقين بالعربية.
وحول هذا السياق، قال موقع me.mashable.com الذي يتابع تطورات الشرق الأوسط، في تقرير يشير إلى آراء المستخدمين العرب حول حفل موسم الرياض: إن العديد من المستخدمين عارضوا طريقة استضافة الحفلات في السعودية باعتبارها مهد الإسلام وأرض الإسلام، وأعربت مدينة مكة المكرمة والحرم الشريف عن قلقهما وعدم رضاهما عن طريقة غناء الموسيقيين الغربيين والجمهور الذي حضر الرقص.
كما أثار مقطع فيديو لهيكل مكعب يدور حوله راقصون، والذي تم تداوله عبر الإنترنت، ضجة بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي العرب، وأثار غضبًا كبيرًا تجاه السخرية من الكعبة باعتبارها أقدس مكان في الإسلام، ويظهر هذا الفيديو، الذي تم بثه خلال إحدى مراسم افتتاح مهرجان موسم الرياض، هيكلا مكعب الشكل يعرض أضواء ساطعة وصورا وراقصين يدورون حوله.
وقارن مراقبون هذه المشاهد بالشعائر الإسلامية في الكعبة المشرفة، وأدانوا هذا العرض، وكتب أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي: "السعودية بهذا تصرفت ضد الإسلام"، وكتب آخر: “هل لا يزال هناك علماء [دينيون] في السعودية؟ فهل ما زالوا مسلمين؟
السلوك الدرامي
أظهر انعقاد فعالية موسم الرياض عدة نقاط مهمة فيما يتعلق بسياسة السعودية الخارجية تجاه فلسطين:
1- القضية الفلسطينية لا أهمية لها لدى السعوديين، وسلطات الرياض لا تهتم بالإبادة الجماعية في غزة.
2- قامت سلطات الرياض، وتحت ضغط الرأي العام الداخلي والعالم العربي، ببعض السلوكيات التظاهرية دعماً لشعب غزة، ومن بينها عقد القمة الأخيرة لمنظمة التعاون الإسلامي حول غزة، إلا أن هذه القمة كانت أكثر من مجرد تحرك ظاهري، لأنه بعد أيام قليلة من هذا اللقاء، أقيم احتفال "موسم الرياض" بحضور شخصيات غربية.
3- حضور العديد من المطربين والشخصيات الثقافية الغربية المؤيدة لـ"إسرائيل" في حفل موسم الرياض، وهذا يدل على أن دعم سلطات الرياض لفلسطين ما هو إلا شعار والسعوديون وراء الكواليس يتشاورون ويتواصلون مع مؤيدي الصهاينة وحتى مع السلطات الصهيونية.
تهميش النظام السعودي لـ“قضية القدس عاصمة فلسطين”
في ظل الضغوط الدولية المتزايدة والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمةً لـ"إسرائيل"، كان من الممكن للنظام السعودي أن يلعب دورًا رياديًا بارزًا في مواجهة هذه القرارات الجائرة، فمنذ الاحتلال الأول للقدس عام 1967، والذي وضع المدينة في مهب الريح تحت نير الاحتلال، كان واضحًا أن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع إقليمي محدود الاختصاص بالعربي- الإسرائيلي، بل هي رمز للكرامة العربية والإسلامية، ومع ذلك، اختار النظام السعودي في أوقات حرجة ودون وجود استجابة حقيقية، أن يفضل الصمت والتسويف، ما أضاع فرصة حقيقية لتوحيد الصفوف العربية نحو قضية القدس.
التاريخ يعلمنا أن الشعوب لا تُبنى إلا بالقرارات الجريئة والوفاء بالالتزامات الأخلاقية تجاه القضايا الجوهرية، إن سلبية النظام السعودي تجاه القضية الفلسطينية لم تكن مجرد موقف آني، بل انعكست على العلاقات العربية والعالمية أيضًا، وبدلاً من أن يكون حليفًا للقضية، زادت سياساته من اتساع الهوة بين الدول العربية وأضعفت وحدة الصف.
إن الوحدة في مواجهة التحديات الراهنة تتطلب أكثر من مجرد بيانات صحفية أو تعبيرات عن نوايا، تحتاج إلى رؤية شجاعة وإستراتيجية واضحة تُنظم الجهود المشتركة لتعزيز دعم الطوفان الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وبناء تكامل عربي يُسهم في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للمظلومية الفلسطينية.
في ختام السردية المؤلمة
يتجلى الوجه القبيح للموقف السعودي الذي أظهر خذلانه المتكرر لقضايا الأمة، وخصوصًا القضية الفلسطينية، على مدى عقود من الزمان، إن إقدام السلطات السعودية على اعتقال القيادي الفلسطيني محمد الخضري، رمز النضال والمقاومة، لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان تجسيدًا صارخًا للتمادي الذي وصل إليه تواطؤ المملكة مع الاحتلال الإسرائيلي، في وقت تتعاظم فيه محاولات التصفية الممنهجة للقضية الفلسطينية، هذا الفعل المُخزي يضع علامات استفهام على المبادئ التي تأسس عليها النظام، ويؤكد أن مصالحه الذاتية هي من تصرفه عن قيم العطاء والبذل إلى الارتهان والعمالة.
منذ نشأته وعلى طول مراحل تكوينه، ورغم كل التحولات، فإن النظام السعودي لم يُظهر حتى الآن التزامًا حقيقيًا تجاه قضايا الأمة، بقدر ما مثل في كل موقف يتخذه في قضية من قضايا الأمة مساهمة فاعلة في تعزيز الفوضى وعدم الاستقرار، وتهديدا صريخا لمستقبل العلاقات العربية والإسلامية، ذلك أن النبع الذي انبثق منه النظام هو الخذلان المتواصل وهو ما يُبرز من خلال عجزه عن تحمل أعبائه صرفا عن تقديم العون لغيره.
في سياق بعيد عن مسار النظام السعودي الخياني، لم تقف المقاومة في غزة وجنوب لبنان مكتوفة الأيدي؛ بل أثبتت عزمها وإرادتها في مواجهة العدو، لقد استطاعت أن تهدي الصهاينة موتًا لم يعهدوه منذ تأسيس كيانهم، مسلطة الضوء على أكثر اللحظات الحالكة في التاريخ الصهيوني إلى درجة أن العدو، الذي كان يُدير معارك السياسيين بالأمس، صار اليوم مُجبرًا على التفكير في الاستسلام، وهو التحول الذي لم يكن محتملا لولا انطلاقة “طوفان الأقصى” في الـ 7 من أكتوبر 2023، حيث استيقظت الأمة واشتعلت في نفوس المجاهدين روح الجهاد وحماسة العودة.
إن زمن السكون قد ولى، وحان وقت العمل والوحدة؛ لنستعيد كرامتنا ونرفع صوتنا نحو القدس، وفي هذه الرحلة، علينا أن نُعيد بناء الوحدة الحقيقية للأمة، لنضع حدودًا لما يُمارس ضد حقوقها، ولنُوقف التراجعات تحت ضغوط القوى الكبرى.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر أمامنا كأمة آمنت بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قائدا ومرشدا، وبالله ربا وناصرا، وبالقرآن منهجا هاديا، وعلينا كمجاهدين ارتضينا أن نبذل أنفسنا وأموالنا في سبيل الله ونصرة المستضعفين أن نتجاوز كل الحواجز لنحرر أنفسنا من قيود الانقسامات.
ولا بد لهذا من أن يترافق مع مراجعة جادة لما يحدث في الساحة السياسية، وخاصة من جانب النظام السعودي، إذا أراد هذا النظام تغيير المصير الذي اختاره لنفسه، عليه أن يُدرك أن دوره لا ينحصر في إصدار بيانات خجولة، بل يتطلب تحركًا فعليًا نحو العدالة.