الوقت- في خطوة مثيرة للجدل، تقدّم الكيان الإسرائيلي بطلب رسمي لإعادة النظر في القرارات المتعلقة بمحاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، اللذين يواجهان اتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، هذا الطلب يأتي وسط تصاعد التوترات الإقليمية والتحولات السياسية في المنطقة، ولا سيما في سوريا، حيث يبدو أن الكيان الإسرائيلي يسعى لاستغلال هذه الديناميكيات لتشكيل ضغوط على القضاء الدولي.
الاتهامات الموجهة إلى نتنياهو وغالانت ليست وليدة اللحظة؛ فهي نابعة من تاريخ طويل من الانتهاكات التي نفذها الكيان الإسرائيلي في غزة خلال السنوات الأخيرة، حيث تزايدت الأعمال العدوانية ضد الفلسطينيين بشكل ملحوظ، وتراوحت بين القصف العشوائي على المناطق السكنية، وتدمير البنية التحتية، وقتل المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال، وقد أظهر تحقيق استقصائي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أدلة دامغة تشمل صورًا وفيديوهات توثق هذه الجرائم، وتضمنت الأدلة أيضًا مشاهد لجنود من الكيان الإسرائيلي يحتفلون بدمار المنازل الفلسطينية، ويرددون دعوات صريحة للإبادة.
وفقًا لتقرير الخبراء القانونيين الذين شاركوا في التحقيق، فإن هذه الانتهاكات تصل إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وتشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة.
محاولة التأثير على القضاء الدولي
من الواضح أن الكيان الإسرائيلي يحاول من خلال طلبه إعادة النظر التأثير على المحكمة الجنائية الدولية، وخاصةً في ظل التحولات الجارية في سوريا والتي قد تعيد ترتيب الأوراق الإقليمية، حيث يعتقد البعض أن الكيان الإسرائيلي يسعى لاستغلال هذه التغيرات السياسية لخلق حالة من التعاطف الدولي أو لتبرير أفعاله بدعوى حماية أمنه القومي.
إلا أن هذه المحاولات تواجه صعوبات جمة، لأن الجرائم الموثقة ضد الفلسطينيين تمتد عبر سنوات طويلة، وتشمل عمليات ممنهجة ومتعمدة تهدف إلى اقتلاع السكان الأصليين من أرضهم.
إن الأدلة التي جُمعت لا تترك مجالًا كبيرًا للشك، وحتى مع وجود ضغوط سياسية أو تحالفات إقليمية، فإن حجم الجرائم المرتكبة يجعل من الصعب جدًا تبرئة القيادة في الكيان الإسرائيلي.
ردود الفعل الدولية
لاقت هذه الخطوة من الكيان الإسرائيلي انتقادات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، التي اعتبرت أن الكيان الإسرائيلي يسعى لعرقلة العدالة والتملص من المساءلة القانونية، وقد دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المحكمة الجنائية الدولية إلى المضي قدمًا في المحاكمة دون التأثر بالضغوط السياسية.
من جهتها، أكدت الأمم المتحدة مرارًا أن محاسبة مرتكبي الجرائم في النزاعات المسلحة ضرورة لتحقيق العدالة وضمان عدم الإفلات من العقاب، وفي السياق نفسه، شدد خبراء قانونيون على أن القضايا المتعلقة بالإبادة الجماعية لا يمكن أن تخضع للتسويات السياسية، لأنها تمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية.
المحكمة الجنائية الدولية تواجه اليوم اختبارًا حاسمًا في كيفية التعامل مع هذه القضية، على الرغم من أن هناك سوابق لمحاولات ضغط سياسي على المحكمة، إلا أن القضاة والمدعين العامين العاملين فيها ملزمون بالاستناد إلى الأدلة والوقائع فقط.
ومع تزايد المطالبات الشعبية والسياسية بمحاكمة المسؤولين في الكيان الإسرائيلي، فإن أي تراجع من المحكمة سيؤثر بشكل كبير على مصداقيتها، وبالنظر إلى التحليل القانوني للأدلة، فإن الجرائم الموثقة تشير بوضوح إلى نية متعمدة للإبادة، ما يجعل القضية أقوى من أن تُرفض.
إن حجم المعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون في غزة يفوق الوصف، الدمار الشامل للمنازل والبنية التحتية ترك مئات الآلاف دون مأوى، بينما يعاني الناجون من صدمات نفسية عميقة، إن هذه الممارسات لا تقتصر على الأثر الفوري فقط، بل تمتد إلى تعطيل حياة الأجيال القادمة من الفلسطينيين.
إضافة إلى ذلك، فإن السياسات الممنهجة التي ينفذها الكيان الإسرائيلي تهدف إلى تدمير النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني، وهو ما يشكل خرقًا للقانون الدولي، ومن الناحية الإنسانية، فإن التهجير القسري والقتل المتعمد وإفقار السكان يُعتبر إرهاب دولة منظم يهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض.
مسؤولية المجتمع الدولي
في مواجهة هذه الجرائم، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبرى في ضمان العدالة للفلسطينيين، وإن الصمت أو التراخي في محاسبة الكيان الإسرائيلي سيشجع على تكرار هذه الجرائم في المستقبل، ليس فقط في فلسطين بل في أماكن أخرى من العالم.
لقد دعت العديد من الدول والمنظمات إلى فرض عقوبات على المسؤولين في الكيان الإسرائيلي المتورطين في هذه الجرائم، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، كما طالبت بضرورة توفير حماية دولية للفلسطينيين، وإيجاد حلول سياسية عادلة تعيد حقوقهم المسلوبة.
إن محاولة الكيان الإسرائيلي إعادة النظر في الاتهامات الموجهة ضد نتنياهو وغالانت تعكس استراتيجيته المستمرة في المماطلة وتعطيل العدالة، ومع ذلك، فإن حجم الجرائم المرتكبة في غزة يجعل من الصعب جدًا تجاهل الأدلة أو التغاضي عن المحاسبة.
في ظل هذه التطورات، يبقى الدور الأبرز للمجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية في ضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا الفلسطينيين، وإن التحدي الحقيقي يكمن في مواجهة الضغوط السياسية وتأكيد أن القانون الدولي فوق الجميع، وأن العدالة لا يمكن أن تُباع أو تُشترى.