الوقت- هناك خلف الستار الكثير من العلاقات الوطيدة التي تجمع بين النظامين (السعودي والاسرائيلي) على كافة الأصعدة، بدءً من العلاقات السياسية والاقتصادية، وحتى العلاقات العسكرية والأمنية والاستخباراتية.
إن قبول كون ما يحدث في اليمن على يد المملكة السعودية يشبه سلوك العدو الإسرائيلي ضد قطاع غزة، قد يبدو من الناحية النظرية ومن حيث بعض العناصر مثل "الإسلام" و"العروبة" أمراً مستحيلاً، إلا أن مقارنة سلوك وأفعال الجيشين ضد ضحاياهم، يضع الكثير من أوجه الشبه بين النظامين أمام أعين المحللين رغماً عنهم، ويزيد من هذا الظن القائل بأن هناك خلف الستار الكثير من العلاقات الوطيدة التي تجمع بين النظامين على كافة الأصعدة، بدءً من العلاقات السياسية والاقتصادية، وحتى العلاقات العسكرية والأمنية والاستخباراتية.
يقع في أرض المملكة السعودية مقامان شريفان من ثلاثة مقامات مقدسة لدى المسلمين، وهي كدولة إسلامية تعتبر أكبر منتجي النفط الخام في العالم، كما أنها تتمتع بمكانة رفيعة على المستويين الإقليمي والدولي. إن وجود مدن مقدسة مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة في السعودية يرفع من شأن هذا البلد لدى المسلمين، فكثير من الدول الإسلامية وخاصة الدول العربية تنظر إلى هذا البلد بعين الاحترام. لقد حصل ملوك السعودية على لقب "خادم الحرمين الشريفين" لوجود مدينتي مكة والمدينة على أرضها، وقد رفع هذا اللقب من مكانة رؤساء السعودية في كثير من النزاعات الإقليمية والدولية إلى درجة "الوسيط النزيه".
منذ عام 2011 م، أي منذ أن شهد العالم العربي الانتفاضات الشعبية، بدأت مكانة السعودية لدى العرب والمسلمين تواجه شكوكاً بشكل تدريجي، لما اتخذته هذه الدولة من مواقف. إن التعامل بعنف مع الاحتجاجات السلمية لطائفة كبيرة من أهالي المنطقة الشرقية في هذا البلد، وما تبعه من التدخل العسكري والتدخل بالوكالة في قضايا دول الجوار مثل البحرين، وسوريا، ومصر، جعل مكانة هذا البلد صاحب النفوذ تهبط من "دولة سلمية فاعلة خير" إلى "دولة مخربة داعية حرب"، فقد وصلت هذه الدولة من أجل تحقيق أهدافها المخطط لها في دول الجوار إلى درجة التدريب على الإرهاب وتصديره، بل وأقدمت كذلك على القيام بمغامرات عسكرية واضحة، ولم تخف في سلوكها هذا من افتضاح أمر تحالفها مع عدو العالم الإسلامي الدموي أي "إسرائيل".
لقد ارتكبت السعودية في الأعوام الأربعة الأخيرة أعمالاً ارتكبتها "اسرائيل" ضد الفلسطينيين منذ عام 2000 م، بعد بداية الانتفاضة الثانية. إن إرسال السعودية لقواتها العسكرية إلى البحرين، وإرسالها التكفيريين إلى سوريا، وأخيراً شنها لحرب شاملة ضد جارتها الجنوبية أي "اليمن"؛ هي أمثلة واضحة على اتباع السعودية للسياسات الإسرائيلية.
إن التحولات الأخيرة التي حدثت في اليمن وأوجه الشبه بين السلوك السعودي والسلوك الإسرائيلي في حرب السعودية على اليمن جعل التحالف الإسرائيلي السعودي يبدو أكثر وضوحاً في الأذهان من ذي قبل، وسوف نشير فيما يلي إلى بعض من أوجه الشبه بينهما.
الهياكل السياسية
لقد بُني كل من النظامين السياسيين للسعودية و"إسرائيل" على أساس عرقي وطائفي، حيث بُني النظام السعودي على سلطة قبيلتي آل سعود وآل الشيخ وهو أساس عرقي وطائفي، في حين تم منع كافة الطبقات الأخرى في الدولة من الوصول إلى السلطة. في الهيكل السياسي لـ "إسرائيل" كذلك نجد أن العرق والدين هما أساس السلطة، حيث ترى السلطات الإسرائيلية أن غير اليهود من القوميات والطوائف الأخرى ليس لديهم حق الحياة.
الاتحاد والتحالفات
كان الجيش الصهيوني في حروبه الثلاث الأخيرة على قطاع غزة ينسق مع الولايات المتحدة الأميركية تنسيقاً كاملاً، كما نسقت السعودية كذلك معها في حربها ضد اليمن، بل إن السعودية في واقع الأمر قد شنت حربها على اليمن بأمر من أميركا. إن جميع الدول التي اتخذت موقفاً مؤيداً لـ "إسرائيل" في حربها الثالثة ضد غزة والمعروفة بحرب الـ 51 يوماً، هي نفس الدول تقريباً التي اتخذت موقفاً مؤيداً للرياض في الاعتداء السعودي على اليمن. لقد قامت كل من أميركا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، والمغرب، والأردن، ومصر، والإمارات وقطر إلى جانب مجلس الأمن بدعم هذه الخطوة كرد فعل على الاعتداءات السعودية ضد اليمن.
أساليب الحرب
لقد استخدمت السعودية في حربها على اليمن من حيث الاستراتيجية العسكرية ونوع الحرب أدوات تم استخدامها في النسخة الإسرائيلية من حرب الـ 33 يوماً ضد لبنان. فمن حيث الاستراتيجية العسكرية، كان استخدام الطلعات الجوية المتعددة بهدف تدمير البنية التحتية والبنية الدفاعية والاقتصادية لليمن على جدول أعمال الرياض، وهي نفس الاستراتيجية تماماً التي استخدمتها "إسرائيل" في عامي 2006 و2009 ضد لبنان وقطاع غزة، حتى تم تسليم أرض محترقة للشعب اللبناني ولأهالي غزة. من الضروري كذلك ذكر عدة نقاط في نطاق الأدوات المستخدمة، حيث استفاد الجيش السعودي -مثلما استفاد الجيش الإسرائيلي- في حربه ضد اليمن من كافة ترساناته، بدءً من الهجمات الجوية وإطلاق الصواريخ وحتى الهجمات البحرية والمدفعية، وذلك لإجبار اليمنيين على الاستسلام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام السعودية للأسلحة المحظورة (الأسلحة النووية التكتيكية) في حي "فج عطان" السكني في العاصمة اليمنية صنعاء كان أيضاً بمثابة نسخة استخدمتها "إسرائيل" من قبل في حربها ضد غزة وعلى الأحياء السكنية في هذه المدينة، وذلك بهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وكان استخدام هذا النوع من الأسلحة المحظورة هو ما فتح المجال أمام لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في حرب الـ 22 يوماً ضد غزة، كما كان استخدام القنابل الفراغية (Vacuum Bomb) في هدم المباني والأبراج أيضاً أسلوباً استخدمته كل من "إسرائيل" في حربها على غزة، والسعودية في حربها ضد اليمن.
طبيعة الضحايا
لقد ثار كل من الشعب اليمني وأهالي غزة من أجل التخلص من الظلم والاحتلال، ما جعلهما يقعا هدفاً لاعتداءات السعودية و"إسرائيل". إن كلا المعتدين قد قام بمذابح شعبية دون اكتراث بالقوانين الدولية ولا بميثاق الأمم المتحدة، ودون خوف من المحاكمة أو الملاحقة القضائية. لقد منعت كل من السعودية و"إسرائيل" وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني وأهالي غزة المتضررين من الحرب. إن حادثة سفينة المساعدات الدولية "مافي مرمرة" في عام 2010 م والمعروفة باسم "أسطول الحرية" والتي توجهت إلى غزة، وكذلك حادثة منع السعودية لهبوط طائرة المساعدات الإيرانية في مطار صنعاء، يعد مصداقاً لهذه المحاذاة في السلوك. كذلك فإن أحداث الجدار الذكي الذي أقامته الرياض على الحدود اليمنية-السعودية يعد نسخة مكررة من أحداث الجدار الخرساني الذكي الذي أقامه الكيان الإسرائيلي حول قطاع غزة.
سمة الاحتلال
تحتل "إسرائيل" أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وقد احتلت السعودية كذلك مساحات واسعة من الأراضي اليمنية من بينها محافظة "نجران" و"العسير” و"جازان". بالإضافة إلى ذلك، فإن جزيرتي "تيران وصنافير" السعودتين تقعا تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 م بموافقة من الرياض، وهذا إلى جانب بعض المناطق القطرية التي تقع تحت الاحتلال السعودي.
الاعتداء على دول الجوار
من بين أوجه الشبه التي تجمع بين "إسرائيل" والسعودية أيضاً مسألة الاعتداء على دول الجوار. لقد قامت "إسرائيل" منذ عام 1948 م باعتداءات غاشمة على جيرانها لأكثر من عشر مرات وبشكل رسمي، ومن بين هذه الاعتداءات اعتدائها على سوريا، ولبنان، والأردن، ومصر، والسودان والتي نتج عنها مئات الآلاف من القتلى والجرحى. يعد كذلك اعتداء السعودية الغاشم على اليمن هو الاعتداء السعودي الرابع من نوعه على جيرانها بعد اعتداءاتها على البحرين، والعراق، وسوريا، واليمن. على الرغم من أن السعودية لم تشن حرباً على سوريا والعراق بشكل رسمي كما فعلت مع البحرين واليمن، لكنها قد شرعت في تدمير هذين البلدين من خلال خلق جماعات إرهابية بداخلها مثل داعش والنصرة وغيرهما.
سابقة الهزيمة العسكرية
إلى جانب ما تم ذكره من أوجه الشبه بين السعودية و"إسرائيل"، فإن هذين البلدين أيضاً يتشابهان في الهزيمة التي لحقت بهما في حروبهما ومشاريعهما السابقة. لقد تلقى العدو الإسرائيلي ضربات قاضية من قبل جماعات المقاومة اللبنانية والفلسطينية في أربعة حروب هي حرب الـ 33 يوماً اللبنانية، وحرب الـ 22 يوماً، والـ 8 أيام، والـ 51 يوماً في غزة، حيث أُجبر على إنهاء هذه الحروب بعد أن فُضح أمره. لقد فشلت السعودية كذلك في إسقاط الحكم في لبنان، وسوريا، والعراق، والبحرين، وها هي الأن تدخل اليمن وتواجه حركة "أنصار الله" التي تشبه في سلوكها إلى حد بعيد جماعات المقاومة في لبنان، وفلسطين، وسوريا والعراق.
الأهداف المحددة
أعلن الجيش السعودي قبل بدء عمليات "عاصفة الحزم" أن هدفه من تنفيذ هذه العمليات هو تسليم جماعات المقاومة اليمنية، إلغاء اللجان الشعبية والقضاء على زعمائها، وفي النهاية عودة رئيس الجمهورية المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى بلده، وحيث أنها لم تنجح في أي من هذه الأهداف، فقد صبت جام غضبها على الأحياء السكنية وقامت بقتل الأهالي بما فيهم من نساء وأطفال. لقد أصبحت المستشفيات، والمدارس، والكباري، ومخازن الغذاء، والأحياء السكنية في اليمن أهدافاً للقصف السعودي. وبعد 27 يوماً من عمليات "عاصفة الحزم" لم يتم القضاء على حركة "أنصار الله"، ولم يعد منصور هادي إلى اليمن.
في حرب "إسرائيل" على غزة كذلك، وعلى الرغم من إعلان "إسرائيل" أن هدفها من الحرب هو القضاء على المقاومة، وتدمير مخازن صواريخ الفصائل الفلسطينية، إلا أنها لم تصل إلى أي من أهدافها بعد انتهاء ثلاث مراحل من الحرب الدموية، وقد أضطرت إلى وقف اطلاق النار مع الأهالي في غزة. لقد أيد السعوديون الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة في العام الماضي، وفي المقابل من ذلك قام الإسرائيليون بدعم الاعتداء السعودي على اليمن.
الاختلاف الوحيد
على الرغم من كل هذا التشابه الذي يجمع بين الطرفين، إلا أنهما يختلفان في أمر واحد، فـ "إسرائيل" بها دولة ديموقراطية تتمتع بتدوير النخب والمشاركة السياسية لكافة الأطياف، بينما السعودية بها سلطة ملكية إرثية ومغلقة تماماً، ولا يملك الشعب أي دور في تقرير مصيره.
الخبر برس: صلاح الدين الحموري، باحث وكاتب صحفي