الوقت- يعتبر تحرير الرقة من سيطرة تنظيم داعش الارهابي أهم تحدٍ يواجه القوى الداخلية، الاقليمية والدولية على المدى المنظور في الأزمة السورية. فوجود لاعبين على مستويات مختلفة يدعي كل منهم القدرة على السيطرة على المدينة وتطهيرها، يضفي هالة من الابهام حول المعادلات المستقبلية في الرقة.
وتعقد الوضع منذ أن توجهت قوات سوريا الديمقراطية (SDF) نحو مركز الرقة بدعم جوي وبري أمريكي في أواسط عام 2016، بالإضافة الى دخول القوات التركية الى شمال سوريا ضمن اطار عمليات درع الفرات في 24 اكتوبر 2016، ثم أعلان المسؤولون الأتراك أنهم بعد السيطرة على مدينة الباب ينوون تحرير الرقة. كل هذا في حين ترفض الحكومة المركزية والقانونية في سوريا جميع أنواع التدخل الاجنبي على الأراضي السورية وترى فيه انتهاكا للسيادة الوطنية.
وفي ظل هذه التطورات، إذا رجعنا الى التاريخ سنجد أن المواقف الأمريكية التركية قد تباينت علانية حول العلاقة مع الأكراد وعمليات تحرير الرقة من سيطرة داعش. فمنذ عام 2014 قدمت أمريكا الدعم المباشر للقوات الكردية في سوريا وتطور هذا التعاون الى درجة قتال الجنود الأمريكان الى جانب الاكراد. وخلال هذه البرهة الزمنية طلبت انقرة من واشنطن ألا تدعم القوات التابعة لحزب اللاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يعد الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) وأن تصنف هذا الحزب على أنه حزب ارهابي ولكن المسؤولين الأمريكان رفضوا الطلبات التركية رفضا صريحا وأكدوا على دعم الاكراد السوريين وعدم اضافتهم الى قائمة المنظمات الارهابية. وبالنظر الى ذلك يبقى السؤال الأهم كيف ستحل حكومة ترامب لغز تحرير الرقة في ظل الخلافات بين تركيا والاكراد السوريين؟ هل سيضحي ترامب بالاكراد من أجل مصالح حلفائه في غرب آسيا ورغباتهم ، أي مصالح الأتراك الذين تحالفوا مع امريكا على مدى عقود، أم أن ترامب سيمضي على خطى أوباما وسياسته مقابل الأكراد في سوريا؟ وهنا سيكون ترامب أمام خيارين هما استمرار التحالف الأمريكي مع الاكراد او انهاء التحالف الأمريكي الكردي.
1-استمرار التحالف الأمريكي الكردي رغم الضغوط التركية
في هذا السيناريو سيستمر التحالف الأمريكي الكردي خلال عهد ترامب، في الحقيقة تحتاج امريكا الى الأكراد من أجل تحقيق التفوق في سوريا، حيث يأست أمريكا خلال عام 2015 من تأسيس قوة معارضة عربية سنية تكون حليفا وفيا لها في سورية، وعمليا فقدت واشنطن زمام المبادرة في سوريا بعد الدخول الروسي القوي الى الساحة السورية. فقررت وزارة الدفاع الأمريكية تشكيل قوات عسكرية من التيارات التي وصفتها بالمعتدلة. وفي هذا الصدد أنفقت أمريكا قرابة 500 مليون دولار لتشكيل قوات سوريا الديمقراطية باستخدام الأكراد والعرب "المعتدلين". وتسعى امريكا حاليا الى تعزيز موقعها في سوريا. وقد يمنحها تحرير الرقة باستخدام قوات كردية بعض الضمانات؛ حيث أن جميع الجماعات التي دعمتها واشنطن بين عامي 2011 و 2014 كانت جماعات متطرفة، وتعد الجماعات التي تدعمها تركيا اليوم متطرفة أيضا. في هذا السيناريو لن تتخلى أمريكا عن الأكراد في عمليات تحرير الرقة، ولو أدى ذلك الى حصول خلافات مع تركيا. وستتابع مسار أوباما في العلاقات مع الأكراد والأتراك.
2- التضحية بالاكراد من أجل التعاون مع تركيا
على العكس من السيناريو الأول يمكن افتراض أن فريق ترامب للسياسة الخارجية سيغير اتجاه بوصلته على حساب الاكراد، من أجل حماية المصالح الأمريكية الكبرى مع تركيا، وسيضع حزب الاتحاد الديمقراطي في قائمة الارهاب وينهي التعاون معه.
في مؤتمر ميونخ للأمن والذي عقد مؤخرا قال رئيس الوزراء التركي بصراحة: كما تعلمون سيحين دور تطهير الرقة من عناصر داعش بعد تطهير مدينة الباب منهم. لقد أخبرنا الأمريكان بأن التعاون مع (PYD) و (YPG) أمر غير صائب و اعتقد ان الحكومة الامريكية الجديدة ستدرس الأمر. وقد قلت هذا مسبقا عند لقائي نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس. على أي حال فإن لأمريكا خطة من أجل تحرير الرقة، وسنتباحث حول الموضوع وكيفية تنفيذه. أتمنى ألا تختار أمريكا (PYD) و (YPG) من اجل تنفيذ عمليات الرقة، وإلا فإن العلاقات مع امريكا ستشهد مشاكل حقيقية.
ويبدو واضحا أن المقطع الاخير من كلام يلدريم انطوى على تهديد مباشر لواشنطن. ومن هذا المنطلق يمكن توقع أن يلتفت فريق ترامب الى الهواجس التركية وان يفضل أنقرة على الأكراد؛ حيث أن أمريكا بحاجة للتعاون التركي الكبير في المنطقة.
من الجانب الآخر، يمكن القول أن احتمال الغاء دور الاكراد في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، أمر مستبعد، حيث يعلم مسؤولو البيت الأيسض أن تركيا لم تعد حليفا موثوقا كما كانت عليه في السابق، حتى أن الجماعات التي تدعمها تركيا جميعها جماعات متطرفة.