الوقت- في دورته الخامسة والأربعين، أطل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بحلة استثنائية هذا العام، تعكس تضامنا مع القضية الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة في غزة. وتميزت هذه الدورة بحضور رموز تضامنية مثل الكوفية الفلسطينية ودبوس يمثل خارطة فلسطين، وارتداها العديد من الفنانين المشاركين. هذه المبادرة جاءت بإلهام وتنفيذ الفنان المصري حسين فهمي، رئيس المهرجان، الذي دعا أيضا لإلغاء رعاية كل الشركات المُقاطعة، على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وصولا إلى قائمة الأفلام الفلسطينية التي دعمها المهرجان.
وفي افتتاح أعمال الدورة الخامسة والأربعين للمهرجان، تحدث فهمي أمام نخبة كبيرة من نجوم الفن من الصف الأول عن قرار اللجنة المنظمة تأجيل هذه الدورة من المهرجان في العام الماضي تضامنا مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأكد على التآخي بين الشعبين الفلسطيني والمصري ودعمه أيضا للبنانين في حربهم مع إسرائيل. واكتسى المهرجان في حلته الجديدة لهذا العام طابعا فلسطينيا، حيث شهد الافتتاح عرضا راقصا فلسطينيا على أنغام أغان شعبية فلسطينية تنفذه فرقة للفلكلور الشعبي من قطاع غزة على أنغام الدبكة الفلسطينية.
مهرجان القاهرة يحتفي بالسينما الفلسطينية
ولم يقتصر دعم المهرجان لغزة على الرموز والمقاطعة فحسب، بل تعداها إلى دعم الأعمال الفنية الفلسطينية السينمائية، إذ احتلت السينما الفلسطينية مساحة واسعة من جدول أعمال المهرجان. حيث تم عرض عدد من الأفلام الفلسطينية أبرزها "من المسافة صفر" وهو عبارة عن 22 فيلما قصيرا صورّها مخرجون من غزة خلال الحرب المستمرة، والمرشح لجائزة أفضل إخراج لمخرجه الفلسطيني رشيد مشهراوي
كما تم عرض فيلم "أحلام عابرة" الذي عرض في الافتتاح والذي يتحدث عن رحلة الفلسطيني المريرة عبر مخيمات اللاجئين ونقاط التفتيش الإسرائيلية، لمخرجه الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي حضر الافتتاح. وفي حديث له، تحدث مشهراوي عن ضرورة توثيق معاناة الفلسطينيين من خلال لغة السينما، وأضاف "السينما تدافع عن أرضنا أفضل بكثير من أي خطاب عسكري أو سياسي". وأضاف مشهراوي "السينما لدينا لا يمكن أن تكون دائما مجرّد رد فعل على التصرفات الإسرائيلية، بل يجب أن تكون فعلا في حد ذاته"
ندوة "السرد كأداة للصمود: قصص الهوية والبقاء"
وقالت المخرجة اللبنانية ميريام الحاج: "أنا ضد من يقول ألا نُقيم السينما الفلسطينية واللبنانية فنيًا، فأنا في هذه المهنة منذ 15 عامًا، وعملنا في أفلام سينمائية ووثائقية وطورنا من أنفسنا حتى نليق بمستوى السينما العربية، وبالتالي لا أتحمل من يقول لا نتحدث عن الفيلم الفلسطيني، كيف تم تصويره وتنفيذه، والمهم أنه يوصل رسالته فقط، فهذا خطأ لأن القائمين على هذه الأعمال كانوا في المجال منذ سنوات حتى يطوروا من السينما العربية، ولا بد من دعم المخرجين العرب بالنقد البناء حتى يطوروا من أنفسهم ويقدموا نظرات مختلفة للقضية".
وتحدثت المخرجة الفلسطينية مي عودة عن الصعاب التي تواجه المبدعين بفلسطين، قائلة: "الفيلم الفلسطيني يقابل العديد من المشكلات في التوزيع، لاعتبارات كثيرة للغاية، وبالتالي لا بد من التفكير خارج الصندوق وهو كيفية إنتاج أفلام ونشرها على نطاق واسع، خاصة ونحن أصبحنا في زمن التكنولوجيا وبالتالي لا بد من استخدامها في نشر أفلامنا، ولذلك فكرنا كمؤسسة السينما الفلسطينية وأصبح لدينا منذ 4 سنوات منصة الفيلم الفلسطيني، وفي يوم الأربعاء أسبوعيًا الساعة الخامسة بتوقيت فلسطين، يبث فيلم فلسطيني لمدة أسبوع مجانًا، حتى يشاهده الجميع وحققت الأفلام مشاهدات عالية"
وتابعت: "بعد السابع من أكتوبر 2023، جمعنا الأفلام التي تحدثت عن غزة والقضية الفلسطينية منذ السبعينيات حتى يومنا هذا، لكي نثقف جميع الأجيال الجديدة، تعليميًا وفنيًا، وإذا أراد أحد عرضها على مستوى العالم، من الممكن أن يبعث لنا رسالة، وسنلبي النداء على الفور، فنحن مسؤولين عن نشر القضية الفلسطينية، وممتنة للشعوب التي تتضامن مع القضية، ولا بد من كسب هذا التضامن والدفاع عن هويتنا عربيًا". وشددت المخرجة الفلسطينية نجوى نجار على أنه لا بد من نشر الوعي بالقضية الفلسطينية على نطاق واسع، إذ قالت: "أحرص في أفلامي على تقديم شكل مختلف للقضية الفلسطينية وليس في إطار واحد، فأنا أشارك في العديد من المهرجانات العالمية وأحضر فعالياتها ولن نصمت لأننا أصحاب القضية ولا بد من الدفاع عنها"
القضية الفلسطينية حاضرة في جميع فعاليات المهرجان
كشف عصام زكريا، مدير المهرجان أن القضية الفلسطينية حاضرة في كل فعاليات المهرجان، مؤكداً أن إدارة المهرجان رفضت بشكل قاطع التعاون مع أي جهة مدرجة في قائمة المقاطعة. وأوضح أن المهرجان لديه برنامج حافل من الأفلام ذات الجودة الفنية العالية والموضوعات الإنسانية من كل أنحاء العالم، وأضاف هناك اهتمام خاص بالسينما الفلسطينية وبالقضية الفلسطينية، بداية من اختيار فيلم افتتاح للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي «أحلام عابرة»، هذا بالإضافة إلى وجود جوائز خاصة بالسينما الفلسطينية وبرامج عروض وفعاليات متنوعة تبرز الصوت الفلسطيني، ونحن حريصون على أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في المهرجان.
وتحدث عن برنامج السينما العربية هذا العام قائلًا: "مهرجان القاهرة هذا العام لديه عدد غير مسبوق من الأفلام العربية الجيدة جدًا فنيًا، لا أعتقد أن المنافسة أثرت بالسلب على اختياراتنا، بل بالعكس، لأن الأفلام العربية الجيدة كثيرة جدًا، وأحدثنا هذا العام أيضًا تغييرات مهمة في ما يتعلق بالجوائز المقدمة للسينما العربية، أظن أنها حققت توازنًا مستحقًا، ففي الدورات السابقة كانت هناك جائزة أفضل فيلم عربي، وتتنافس عليها كل الأفلام العربية المشاركة في المهرجان، بالإضافة إلى مسابقة آفاق السينما العربية، وهو أمر مربك وغير مفهوم ولا مطلوب، وهذا العام قررنا استحداث جوائز السينما العربية، وهي جوائز مالية لأول مرة، وتتنافس عليها كل الأفلام العربية الطويلة المشاركة في المهرجان، سواء في المسابقة الدولية أو في آفاق السينما العربية الذي تحول إلى برنامج وليس مسابقة، وكانت لدينا مخاوف من تردد صناع الأفلام العرب في المشاركة في البرنامج، لكننا اكتشفنا العكس تمامًا، وأن عدد الأفلام العربية هذا العام قد يكون أكبر من أي دورة سابقة".
منعطف خطر
وفي تصريحات خاصة له، قال الفنان حسين فهمى رئيس مهرجان القاهرة السينمائي حول الدورة هذا العام ووجود فلسطين فيها بصورة رئيسة، إن "العالم العربي يمر بمنعطف خطر على الجوانب الإنسانية والسياسية والاجتماعية كافة، ودائماً نشعر بأن الفن في معترك صعب بين التوحد والتضامن مع القضايا والأحزان وفكرة التضامن الإيجابي بالدعم المباشر والتفاعل وتقديم القضايا، والعام الماضي وسط الآلام الشديدة لم يكن من الممكن التفكير في أية فعاليات بخلاف الأحزان التي عاناها كل عربي وفلسطيني وإنسان بوجه عام"
وتابع فهمي "هذا العام نحاول جاهدين أن نفعل دور الفن لدعم القضايا العربية والدفاع عن حقوق الضحايا بعرض قصصهم على مرأى ومسمع من الجميع، ولذلك نحن سعداء بعرض فيلم (أحلام عابرة) للمخرج رشيد مشهراوي وهو عمل سينمائي كبير عن القضية الفلسطينية وما يمر به المواطن داخل غزة في افتتاح مهرجان القاهرة، وذلك بمثابة رسالة دعم كبيرة وهو دور نتمسك به وسنواصل الدعم بوجود سلسلة أفلام تعبر عن قضايا إنسانية مهمة في فلسطين تضامناً مع القضية". وأضاف رئيس المهرجان "جميع الأفلام الفلسطينية مشاركة في المسابقات الرسمية للدورة الحالية مع تخصيص جائزة خاصة للفيلم الفلسطيني، وهذا يعزز من أهمية الدعم السينمائي للقضية الفلسطينية إذ إن قرار استئناف المهرجان أساسه أن نجعل من خلاله صوت القضية الفلسطينية مسموعاً". وكشف رئيس مهرجان القاهرة السينمائي أن إدارة المهرجان حرصت على الالتزام بمقاطعة أية شركة أو جهة مدرجة ضمن قائمة المقاطعة، وذلك لتأكيد الدعم الكامل للشعبين اللبناني والفلسطيني ومناهضة جميع صور العدوان والداعمين له من كيانات اقتصادية.