الوقت- إن من أولويات البيت الأبيض تحقيق مايسمى ب"مشروع الشرق الأوسط الكبير" والذي بني على أساس تقسيم دول المنطقة إلى دويلات لتسهل السيطرة عليها. وإذا لم يكن لدى قادة دول المنطقة ادراك صحيح لما جرى من أحداث في البلدان المجاورة كتقسيم السودان وسقوط النظامين الليبي والمصري، سيتعرض استقرار جميع دول المنطقة إلى الخطر.
وللبدء بتحقيق مشروع مايسمى بـ "الشرق الأوسط الجديد" قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإنشاء مجموعات إرهابية ودعمها بالمال والسلاح، لكن الحفاظ على التحالف السياسي والعسكري بين طهران ودمشق أحبط هذا المشروع.
ومن المرجح أن يسبب تغيير الرئيس الأمريكي تحولات كبيرة، نتيجة تدخل البيت الأبيض في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى ومحاولة لعب دور في القضايا الدولية.
ولكون الشرق الأوسط يحظى باهتمام خاص من قبل الإدارة الأمريكية التي تتدخل بشؤون المنطقة بشكل مباشر وغير مباشر، فليس مستغرباً أن نرى ترامب يولي اهتماماً كبيراً لهذه المنطقة ويجعلها على رأس أولوياته.
إن الدول العربية الحليفة لواشنطن والتي دعمت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الإنتخابات لم تكن تتوقع فوز ترامب بمنصب الرئيس الأمريكي، حيث أصبحت هذه الدول الآن وفي مقدمتها السعودية التي تخلت مرغمة عن موضوع تنحي الأسد عن السلطة أمام أمر واقع يجبرها على تغيير سياستها خصوصا بعد أن أيقنت أن ترامب يسعى للتنسيق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن مختلف القضايا ومن بينها مكافحة الارهاب، وكذلك تهديده بفرض الجزية على البلدان التي تدعمها واشنطن عسكرياً.
من الأمور الأخرى التي تسببت بقلق السعودية هي الاستدارة الواضحة في موقف ترامب ازاء الاتفاق النووي مع ايران، فبعد أن كان ترامب يهدد بتمزيق الاتفاق النووي بات اليوم مجبراً على تخفيف حدة تصريحاته و التراجع للمطالبة بتغيير بعض بنود الاتفاق بعد أن اصطدم بالواقع حيث ترفض روسيا والصين والاتحاد الاوروبي الغاء الاتفاق، كذلك مجلس الأمن الدولي الذي صادق على هذا الاتفاق.
وتخشى السعودية التي وصل العجز في ميزانيتها إلى 18 مليار دولار ومعها الكيان الاسرائيلي من أن يعزز الاتفاق النووي مكانة ايران في المنطقة وترى أن الغاء هذا الاتفاق يحمل في طياته العودة الى لغة التهديد التي كانت تلوح بها واشنطن ضد طهران قبل ابرام الاتفاق .
وقد أثبتت ايران أنها لن تنحني أمام الضغوطات الغربية مهما كان حجمها، وأعلنت مراراً أنها ستعاود نشاطاتها النووية بوتيرة أعلى من السابق في حال نفذ ترامب تهديداته.
بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، يرى الكثير من المراقبين أن ترامب يكن العداء للعالم الاسلامي بسبب تصوراته الخاطئة بأن التطرف والعنف هما جزء من الدين الاسلامي، وعلى الرغم من زعمه بأنه يسعى لمواجهة هذا التطرف فإن الحقيقة تشير إلى عكس ذلك، إذ أن تشكيلته الحكومية التي تتألف من أشخاص معروفين بالتحمس في العداء لإيران والعالم الاسلامي تفضح مزاعمه بأنه يعادي التطرف فقط.
يمكننا القول أنه من المحتمل أن أمريكا تتفاوض مع روسيا لإيجاد حل للأزمة السورية، ولكن يجب أن لا نذهب بعيداً في التفاؤل بشأن تشكيل جبهة موحدة بين الدولتين لمحاربة داعش من أجل مصلحة العالم الاسلامي.
ويبدو أن ترامب يسعى أيضا لتوظيف موضوع تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في أي محادثات لتسوية الأزمة السورية كما كان يفعل سلفه باراك أوباما لكنه وبسبب التطورات الأخيرة التي طرأت على هذه الأزمة عدل عن هذا الموضوع لتجنب الصدام المباشر مع روسيا وتركيز الاهتمام على مواجهة داعش في هذه المرحلة بالذات.
مما لا شك فيه أن وجود حكومة سورية قوية في محاذاة حدود الكيان الاسرائيلي لا يتناسب قطعا مع السياسة الأمريكية التي تدعم هذا الكيان دعما غير محدود. ومن الأمور الأخرى التي تقلق سياسة أمريكا والكيان الاسرائيلي على وجه الخصوص تولى العماد ميشيل عون السلطة في لبنان، الرئيس الذي يؤكد دعمه المستمر لحزب الله، بالاضافة إلى تعاونه مع السيد حسن نصرالله منذ عام 2006 إلى الآن.
ستبقى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مبنية على أساس التفرقة والعمل على خلق نزاعات طائفية وقومية بين دول المنطقة، كما سيبقى آل سعود أداة لتنفيذ المخططات الغربية في الشرق الأوسط.
وأصبح من البديهي بالنسبة لنا أن أمن الكيان الاسرائيلي وحمايته والدفاع عن الجرائم التي يرتكبها في الشرق الأوسط من أولويات كل شخص يدخل إلى البيت الأبيض، وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي الجديد ترامب بشكل مستمر في خطابته.
ومن الواضح أن أمريكا تسعى بشتى الوسائل لإضعاف الدور الإيراني البارز في المنطقة وتريد الحد من دعم ايران للإستقرار في العراق وسورية.