الوقت- جاءت "رؤية كيري" لحل الدولتين، كمشروعٍ قابلٍ لأن يُصبح قراراً دولياً، على الرغم من أنه يُشرعن الإحتلال الإسرائيلي ويسلب الحقوق الفلسطينية. لكن السؤال الأبرز الذي يُلاحق كافة الخبراء، كان أسباب الرفض الإسرائيلي. وهنا فإننا لا نتحدث من مُنطلق القبول بالقرار، بل من مبدأ الإجابة على السؤال التالي: لماذا تدعم واشنطن حل الدولتين، فيما ترفض تل أبيب ذلك؟ الأمر الذي يجعلنا أمام أسئلةٍ عديدة يجب الإجابة عليها دعماً للسؤال الأصلي. فما هي أهم بنود مشروع الإدارة الأمريكية الديمقراطية لحل الدولتين والذي يُعرف بـ "رؤية كيري"؟ ولماذا تدعمه واشنطن وترفضه تل أبيب؟ وما هي دلالات ذلك؟
مبادئ "روية كيري" الستة: نظرة عامة
إن معظم مبادئ "رؤية كيري" الستة هي عبارة عن مبادئ سبق أن حصلت على إجماع دولي، قامت الإدارات الأمريكية السابقة بإهمالها. فيما سعت إدارة أوباما الديمقراطية الحالية الى تجميعها في سلة واحدة وإعادة تسليط الضوء عليها، وهي:
المبدأ الأول: الدعوة إلى إقامة حدود آمنة معترف بها دولياً بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني يقبلها الطرفان، تكون قابلة للاستمرار وذلك عبر التفاوض على أساس حدود 1967.
المبدأ الثاني: الإلتزام بالقرار الأممي 181 الصادر عام 1947 بشأن قيام الدولتين لشعبين، أحدهما يهودي والآخر عربي.
المبدأ الثالث: ايجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مع مراعاة الطابع الأساسي للكيان الإسرائيلي!
المبدأ الرابع: إيجاد حل لمدينة القدس مقبول من الطرفين، وجعلها عاصمة معترف بها دولياً للدولتين.
المبدأ الخامس: إنهاء الكيان الإسرائيلي لكل احتلال خارج نطاق الجغرافيا التي تُحددها المفاوضات، مع إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح!.
المبدأ السادس: الإعتراف بحق تل أبيب بحدود آمنة مقابل انسحابها إلى حدود 1967 والتوافق مع الجانب الفلسطيني على حدود الدولتين.
لماذا تسعى أمريكا لحلِّ الدولتين؟
إن المساعي الأمريكي للترويج لرؤية كيري، تخضع لعدة أسباب بحسب ما تراه واشنطن، أهمها:
أولاً: إعتبار واشنطن بأن العمليات الإستيطانية ومخططات التوسع الإسرائيلي زادت عن حدِّها الطبيعي، وباتت تُحرج أمريكا دولياً خصوصاً مع زيادة وعي الشعوب الغربية. الى جانب أن هذا التوسُّع يمنع قيام الدولة الفلسطينية.
ثانياً: الإنطلاق من مبدأ أن القيم الأميركية الأخلاقية هي التي تجعل التمسك بمسألة حل الدولتين ضرورة استراتيجية ومحاولة لإثبات وجه أمريكا الديمقراطي.
ثالثاً: اعتبار قيام دولة اسرائيل المزعومة، أمراً سيؤدي الى قيام دولة واحدة يهودية لكن غير ديمقراطية، فيما ستكون حصيلة التطرف الأسرائيلي الذي بات يطغى على الشارع الإسرائيلي.
رابعاً: إن حصول السبب الثالث، سيكون سبب موجب لنشوء تطرف فلسطيني وعربي وإسلامي بحسب الرأي الأمريكي، مما يمنع الطرف الأمريكي من ممارسة حق الدفاع عن تل أبيب.
لماذا ترفض تل أبيب "رؤية كيري"؟
عدة أسباب تجعل الطرف الإسرائيلي يرفض الطرح الأمريكي، وهي:
أولاً: الخوف من تحوُّل قبول الدول الأوروبية والغربية لمثل هذه الرؤية، الى سلوك عملي يسعى للتوجه الى مجلس الأمن وشرعنة قانون جديد يُخالف رؤية الكيان الإسرائيلي ويُلزم تل أبيب أمام الشرعية الدولية والتي تسعى الأخيرة دوماً لتبييض صفحتها أمامها.
ثانياً: رهان الكيان الإسرائيلي أن الدول الغربية استعراضية في ادعاءاتها ولا تجرؤ على مواجهة سياسات الإستيطان والمشاريع الإسرائيلية. وهو ما تسعى تل أبيب لمواجهته عبر منع حركات الإحتجاج الغربي المتزايدة شعبياً ضد الكيان الإسرائيلي، والضغط على الدول الداعمة للرؤية الأمريكية عبر استدعاء سفرائها.
ثالثاً: وجود أيديولوجية متطرفة في الشارع الإسرائيلي ترفض الحلول الدبلوماسية لا سيما طروحات جون كيري. وهو ما تبيَّن من خلال التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال عهد الرئيس أوباما. فيما زاد السخط الإسرائيلي من محاولة جون كيري إرضاء الشارع الفلسطيني عبر اعتماده عبارة إزالة أي إحتلال إسرائيلي خارج حدود 1967! وهو الأمر غير الموجود في القاموس الإسرائيلي.
ما يجب أن يُقال
إن الطرح الأمريكي والرفض الإسرائيلي يجعلنا نصل الى النتائج التالية:
أولاً: إن المساعي الإسرائيلية تدل على حجم العنجهية التي يتمتع بها الكيان الإسرائيلي ومدى رفضه لأي قانون أو إجراء دولي يعترف ببعض الحقوق الفلسطينية ولو كان ناقصاً. وهو ما يعني سعيه الدائم للبقاء حراً في سياساته والتي تنطلق دائماً من سلب ونهب حقوق الشعوب العربية والإسلامية.
ثانياً: بالنسبة للرؤية الأمريكية فهناك استنتاجين:
- إذا كانت أمريكا صادقة في مساعيها، فهي تروِّج لحلول تنتقص من الحقوق الفلسطينية، وتُعطي للطرف الإسرائيلي اعتبار أكبر. وهو غير مقبول من النواحي كافة. فيما أثبتت واشنطن ومن خلال أزمتها الحالية مع تل أبيب نفاقها السياسي واستغلالها للقضية الفلسطينية. حيث فضحت هذه الأزمة رفض تل أبيب لأي مشروع ولو كان أمريكي. مما يطرح من جديد النقاش حول أزمة المصالح الأمريكية الإسرائيلية.
- من ناحية ثانية، يجري التساؤل حول صدقية الطرف الأمريكي والذي تأخر في طرح المشروع. حيث أن هذه الرؤية وفي حال لم تتحول الى قرار دولي، فستكون من دون جدوى. وهو ما تُدركه الإدارة الأمريكية جيداً، خصوصاً أن وقت ذلك سينتهي مع تسلُّم الرئيس ترامب مقاليد السلطة الأمريكية خلال الشهر الحالي. مما يُثبت الى حد بعيد النظرية الإسرائيلية المُقتنعة بأن ما يجري استعراضياً، وما هو إلا محاولة لتبيض صفحة الإدارة الأمريكية التي انتهى عهدها دون أي انجازات تُذكر على الصعيد الدولي.
إذن يُناقش العالم رؤية تُعطي الإسرائيليين شرعية لا يستحقونها، وتسلب من الشعب الفلسطيني حقوقه. فعالم الديبلوماسية الذي تخرَّج منه جون كيري، يُجيد صياغة الكلمات التي لن تنطلي على الشعب الفلسطيني المقاوم. فيما فضح الطرح الأمريكي، جموح وتطرُّف الكيان الإسرائيلي الرافض الإعتراف بأي حقٍ فلسطيني ولو كان ناقصاً.