الوقت - كعادتهم خرج العرب في اجتماعهم دون أي جدوى. كلامٌ يتحدث عن كيفية إدارة الواقع السياسي الحالي ومستقبل المنطقة بلغة الماضي. في حين اتفق وزراء الخارجية العرب والأوروبيين، على عدة نقاط، رضخوا فيها للواقع الإقليمي والدولي السياسي الجديد. فيما بانت نوايا الغرب وبعض العرب، حول شروط إعادة الإعمار في سوريا لا سيما تلك التي تتعلق بالرهان على تغيير النظام عبر مُسمى "الإنتقال السياسي". لكن موقف العرب يمكن فصله عن موقف الدول الأوروبية، لأسباب تتعلق بحجم الأدوار. حيث خرجت تقارير إعلامية وسياسية، لتفضح التوجه الأوروبي، وحجم استغلاله للقضايا الإنسانية في سوريا، عبر وضعه شروطاً سياسية بهدف ابتزاز موسكو، كمقدمة لأي مساعدة ذات طابع إنساني. فماذا في أهم ما خرجت به قمة وزراء الخارجية العرب والأوروبيين فيما يخص سوريا؟ وكيف فضح السلوك الأوروبي نوايا السياسة الأوروبية تجاه سوريا؟ وما هي أهم دلالات ذلك؟
وزراء الخارجية العرب والأوروبيين: نحو إعادة إعمار سوريا بعد المرحلة الإنتقالية
أعلن وزراء الخارجية العرب ونظراؤهم الأوروبيون يوم الثلاثاء المنصرم ومن خلال البيان الختامي لاجتماعهم الرابع في القاهرة، التزامهم بدعم عملية إعادة إعمار سوريا فور التوصل لمرحلة انتقالية سياسية شاملة. كما أبدوا تخوفهم من تدهور الأوضاع الإنسانية هناك، ووجهوا انتقاداتهم للحكومة السورية وحلفائها.
الإتحاد الأوروبي يفضح نفسه: شروطٌ للمساهمة في إعمار سوريا!
ليس بعيداً عن القمة وخلال الأسبوع الماضي، خرج مشروع مسودة بيان القمة الأوروبية في بروكسل، ليُعلن العديد من النقاط التي تدل على مراهنة الإتحاد تغيير النظام في سوريا. وهي كالتالي:
- لن يساهم الإتحاد في إعادة إعمار سوريا، إلا في حال ضمان مستقبلٍ لما يُسمى بالمعارضة السورية داخل البلاد. وهو ما فضح التوجه الأوروبي رغم التطورات الحاصلة في الملف السوري لصالح الدولة السورية.
- حذر بيان الإتحاد الأوروبي من أن دمشق ستواجه حرب العصابات لسنوات طويلة، في حال رفْضِها تخفيف مركزية السلطة والسماح للمعارضة بممارسة أنشطتها داخل الأراضي السورية. وهو ما اعتُبر محاولة تتَّسم بالتهديد بهدف الضغط السياسي دون جدوى.
- عاد واشترط البيان تقديم الدعم لإعادة الإعمار في سوريا، فقط في حال حصول ما يُسمى بعملية الإنتقال السياسي "الموثوقة" بحسب تعبير البيان.
الغارديان تفضح التوجه الأوروبي: استخدام ورقة إعادة الإعمار لابتزاز موسكو!
في آخر عددٍ لها خلال الشهر المنصرم، وتحت عنوان " Russia should foot Syria reconstruction bill, European leaders say " كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن تهديدات أوروبية لموسكو، بتحميلها كلفة إعادة الإعمار في سوريا. مُشيرة الى أن هذا التوجه الأوروبي هو آخر الأوراق بيد المسؤولين الأوروبيين للضغط على روسيا. وأكدت "الغارديان" أن القادة الأوروبيين وتحديداً الطرف الفرنسي يُحذرون في اجتماعات مغلقة بأنه سيكون على روسيا أن تدفع فاتورة إعادة إعمار سوريا في حال سمح فلاديمير بوتين للرئيس الأسد بتحويل السيطرة المتوقعة لحلب إلى انتصار عسكري في معظم أنحاء البلاد. ونقلت عن دبلوماسي غربي قوله إن روسيا تُدرك بأن الإتحاد الأوروبي هو الطرف الوحيد الذي يملك الموارد اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية في سوريا بعد خمس سنوات من الحرب.
تحليل ودلالات
يبدو واضحاً من خلال ما تقدم التالي:
أولاً: يبدو واضحاً أن مُجرد الحديث عن إعادة الإعمار في سوريا، يدل على وجود توجه إقليمي ودولي لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا. وهو ما يراه المراقبون دليلاً على خسارة امريكا والغرب لمشروعهم السياسي التقسيمي والتدميري في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً. فيما باتت الأنظار تتوجه للتخطيط لما بعد الحرب.
ثانياً: إن مؤتمر وزراء الخارجية العرب والأوروبيين، يدل على وجود تهافُتٍ إقليمي ودولي من أجل المشاركة في إعادة إعمار سوريا، وذلك من باب محاولة هذه الدول إعادة تجميل صورتها لا سيما بعد أن لطَّختها من خلال دعمها للإرهاب والحرب السورية. فيما بان ومن خلال سلوك البعض لا سيما الإتحاد الأوروبي، وجود نوايا سياسية خفية ومآرب خاصة.
ثالثاً: إن أهم ما برز في سلوك الأطراف الأوروبية والدول العربية هو استمرار الرهان على تغيير النظام في سوريا تحت مُسمى "الإنتقال السياسي". كما يبدو واضحاً ومن خلال فضائح بيانات القمم الأوروبية والإعلام الأوروبي، حجم التعامل اللامسؤول مع القضايا الإنسانية في سوريا. خصوصاً لجهة إشتراط هذه الدول فيما يخص إعادة الإعمار، ووضعها لمطالب تخص الشعب السوري حصراً. كما تحاول هذه الدول استخدام مسألة إعادة الإعمار لإبتزاز الطرف الروسي، دون الأخذ بعين الإعتبار النواحي الإنسانية لها. بل تقوم بإستخدام وإستغلال معاناة الشعب السوري في بازار السياسة الدولية.
رابعاً: على الرغم من ادعاءاتها الإنسانية، أثبتت الدول الأوروبية، أنها تقوم بإستغلال هذه الشعارات لمآرب خاصة. وهو ما أكدته تقارير عديدة وثَّقتها روسيا ومنظمات دولية أخرى، أظهرت أن الغرب لم يقدم أياً من المساعدات الإنسانية الى الشعب السوري طيلة فترة الحرب، في حين قدَّم الغرب الكثير من الدعم للجماعات الإرهابية والمسلحين عسكرياً ومالياً بهدف تقسيم سوريا وإسقاط النظام.
خامساً: يجري الحديث في الإعلام الغربي وبين المحللين الغربيين عن وجود يد للغرب والسعودية في قتل السفير الروسي في تركيا. وهو ما تزامن مع خروج تحليلات تتحدث عن قوة أوروبا وقدرتها على فرض شروط إعادة الإعمار. الأمر الذي يمكن ربطه بمحاولة الضغط على الطرفين التركي والروسي فيما يخص الخيارات في سوريا. مع لِحاظ الفرق في قوة وقدرة وتأثير الطرفين.
إذن ليس جديداً لغة الإبتزاز السياسي التي يستخدمها الغرب وبعض العرب. لا سيما استغلالهم للنواحي الإنسانية التي تعيشها الشعوب. وهو ما ينطبق على الوضع في سوريا. حيث يبدو واضحاً أن هذه الدول التي تسعى لتلميع صورتها فيما يخص الأزمة السورية، باتت تراهن على ابتزاز موسكو بشروط إعادة الإعمار. وذلك بعد فشلها في أوراق الميدان السوري. ليكون أهم ما خرجت به القمة العربية الأوروبية المشتركة في القاهرة، شروطٌ سياسية لمساعدة سوريا إنسانياً!