الوقت- يعد مجلس التعاون الأكثر قدرة على التأثير في اليمن، إلا أن المتغيرات التي حصلت إبان الثورة في عام2011 حدّت بشكل كبير من هذا الدور. زيارة أمين عام مجلس التعاون إلى عدن، ولقاء الرئيس المستقيل الذي بدوره ثمّن هذه الزيارة، ودعوة الأخيرلنقل الحوار بين المكونات السياسية من صنعاء إلى مقر مجلس التعاون في الرياض، إضافةً إلى انتقال سفراء كل من السعودية، وقطر، والإمارات والكويت وبقية بعثات دول مجلس التعاون إلى عدن، كلها رسائل تؤكد أن المجلس يريد إعادة الإمساك بزمام الأمور في اليمن، أونقل الصراع إلى إرهاصات مرحلة جديدة مفتوحة على السيناريوهات كافة أهمها تقسيم اليمن إلى يمنين بين عدن وصنعاء.
لطالما كان مجلس التعاون حضناً دافئاً لأتباع السياسة السعودية في منطقة الخليج الفارسي، اذ إن المبادرة الخليجية تسعى دائماً للوقوف في وجه أي تغيير لا تهواه المملكة وهذا بالفعل ما حصل في اليمن. فقد عادت العملية السياسية في اليمن مجدداً إلى طاولة دول مجلس التعاون، من حيث بدأت المرحلة الانتقالية أواخر العام 2011 عبر "المبادرة الخليجية"، عندما طالب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي بنقل الحوار بين القوى السياسية اليمنية إلى مقر مجلس التعاون في الرياض.
هادي ومن خلال هذه الدعوة يكون بشكل او بآخر قد اقتفى أثر سلفه، علي عبد الله صالح، الذي طرح عام 2011 على مجلس التعاون تبني مبادرة تضمن مخرجاً سلمياً للأزمة التي تصاعدت بين نظامه والقوى المؤيدة للثورة عليه. وأصبحت "المبادرة الخليجية" القاعدة الأساسية التي قامت المرحلة الانتقالية عليها وتسلم بموجبها هادي، الذي كان نائباً لصالح، رئاسة الدولة.
أهدف دعوة هادي
تثار تساؤلات عديدة حول دعوة هادي لنقل الحوار، وهي تساؤلات تتحكم في نجاح تلك الدعوة من عدمها، فلماذا دعا هادي لنقل الحوار إلى صنعاء رغم علمه مسبقاً برد انصار الله وحلفائها السياسيين؟
لا يختلف اثنان أن الهدف الرئيسي لدعوة هادي تتمثل بإعادة وتعزيزدور مجلس التعاون الذي سلبته الثورة والمقاوة الشعبية، وبالتالي يريد الإلتفاف كما حصل إبان المبادرة الخليجية في العام 2011، ولكن ما غاب عن بال هادي، فإما نسيه أو تناساه، هو أن صالح عزلته المبادرة الخليجية التي تقدم بها إلى الرياض، وربما نسي الرئيس المستقيل أن الأزمة اليمنية لم تعد محصورة في صنعاء، ولا تتمتع عناصر المعادلة الراهنة بذات العلاقة التي كانت قوى الخلاف في العام 2011 تتمتع بها مع الرياض، فأنصار الله أقوى وصالح لم يعد يسبّح بحمد السعودية، وهادي البعيد في عدن جل ما يتمتع به هو نتيجة لموقف قوى آخرى من انصار الله وحلفائهم. وحسب متابعين أيضاً، فإن قرار هادي بنقل الحوار إلى الرياض الذي ترافق هادي مع تعيين القائد العسكري السابق جواس قائداً لقوات الأمن الخاصة بمحافظة عدن، ما يعني أنه يهدف أيضاً لتحسين شروطه التفاوضية.
وعن ذلك يقول رئيس تحرير جريدة "الشارع" الأهلية، نائف حسان، إن "المشكلة لا تكمن في مكان الحوار حتى يتم تحديد مكان آخر، بل في ضعف رئاسة الجمهورية ممثلة في هادي، وغياب سلطة الدولة اليمنية كدولة ضامنة لتنفيذ ما يمكن الاتفاق عليه في أي حوار سواء كان في صنعاء أو في غيرها".
ويضيف حسان: "إذا ما افترضنا أنه جرى الاتفاق على نقل الحوار إلى تعز أو الرياض، فهذا لن يشكل فارقاً بالنسبة لتنفيذ مخرجات هذا الحوار، لهذا فالمهم لليمن في هذه المرحلة، هو المضي نحو نقل السلطة من هادي، والاتفاق على فترة زمنية قصيرة لإنهاء المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات تأتي بقيادة جديدة لليمن، لأن استمرار هادي في الرئاسة لا يعني إلا استمرار ضعف كيان الدولة".
في المقابل يرى المطلعون على الأوضاع في اليمن، أن هادي بهذه الدعوة "يسعى لجعل معارضي نقل الحوار إلى عدن يرضخون للاستجابة لهذا الخيار من خلال طرح ما هو أكثر مرارة بالنسبة لهم، ذلك أن إجراء الحوار في الرياض سيجعل بعض ممثلي القوى السياسية تحت تأثير نفوذ الرياض ذاتها، بمعنى أن ما يمكن أن يبديه ممثلو بعض القوى السياسية، وتحديداً حزب المؤتمر الشعبي وحلفاءه، من موقف إزاء قضايا خلافية، لن يكون بذات التعاطي فيما لو جرى الحوار في صنعاء أو غيرها من مدن اليمن".
في هذا السياق يؤكد المصدر نفسه أن الهدف من دعوة هادي لنقل الحوار، قد يكون "إحراج بعض القوى السياسية أمام القيادة الجديدة للسعودية لمجرد أنها تبدي فقط الممانعة في نقل الحوار إلى الرياض، إذ ليس في صالح تلك القوى أن يكون هذا العرض مرفوضاً من قِبلها، في ظل القيادة الجديدة التي يحاول الكثير خطب ودها، ولكن من دون أن يكون الثمن باهظاً".
هادي الذي برر طلبه بان صنعاء وتعز وعدن باتت اماكن غير مقبولة لبعض الاطراف اليمنية، يهدف أيضاً لعزل حركة انصار الله ومن ثم عزل الثورة والقوى الثورية والشعبية التي صنعت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وبالتالي عودة اليمن إلى طبيعته السابقة كحديقة خلفية لبعض الدول المجاورة.
ردود الأفعال
لم تلق دعوات هادي الذي لم يتوان عن تثبيت انخراطه في الخطة الخليجية المرسومة لليمن، ترحيباً من باقي المكونات السياسية، وسرعان ما بادرت حركة أنصار الله في رفضها على لسان عضو المجلس السياسي للحركة محمد البخيتي.
وأوضح البخيتي في تصريحه لقناة الميادين، ان حركة أنصارالله والقوى الحليفة لها ترفض دعوة هادي لنقل الحوار إلى العاصمة السعودية، الرياض.
من جهة أخرى، دعت اللجنة الثورية في صنعاء جامعة الدول العربية إلى إعادة النظر في دعوة الرئيس المستقيل والهارب الى عدن، عبدربه منصور هادي لحضور القمة المقبلة باعتباره فاقدا للشرعية الدستورية، يريد توتير الوضع وإثارة الانقسامات في البلاد.
كما أعلن حزب "المؤتمر الشعبي" الذي يقوده الرئيس السابق علي عبدالله صالح، رفض نقل الحوار خارج العاصمة بحجة الحرص على مشاركة جميع الأطراف والمكونات السياسية في الحوارالقائم.
في الخلاصة، تشير تطورات المشهد على أن دول الخليج الفارسي ما زالت غير قادرة على صياغة إستراتيجية واضحة وفعالة، لكنها تسعى وعبر بعض القرارات "الصبيانية" لتحقيق أهدافها دون أن تأخذ بعين الإعتبار تضحيات ودماء الشعب اليمني المسلم الذي لا تنظرإليه بعين الإحترام الأمر الذي قد يعمق من الأزمة اليمنية.