الوقت - بعد ثلاثة أسابيع من تنفيذ وقف إطلاق النار بين الکيان الصهيوني ولبنان، زادت مؤخرًا التحركات الدولية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بين هذا الکيان وحركة حماس في قطاع غزة أيضًا، وعلى الرغم من أن محادثات وقف النار قد جرت في صمت إعلامي، إلا أن هناك أدلة تشير إلى أن الطرفين قد توصلا إلى نتائج ملموسة حول تبادل الأسرى ووقف الاشتباكات.
القناة الصهيونية الـ 14 أفصحت ليلة الإثنين الماضية عن تفاصيل جديدة تتعلق بالاتفاق المقترح لوقف إطلاق النار بين الکيان الصهيوني وحماس، حيث تم الإبلاغ عن أنه مقابل إطلاق سراح 700 إلى 1000 أسير فلسطيني، سيتم الإفراج عن العشرات من الأسرى الإسرائيليين، ووفقًا لهذا التقرير، سيكون من بين الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم، عدة أسرى محكوم عليهم بالسجن المؤبد.
ووفقًا للتفاصيل الجديدة لهذا الاتفاق المقترح، ستتم إعادة النازحين إلى شمال غزة تحت إشراف نظام أمني. كما سيكون اتفاق وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، وسيتم تنفيذه من قبل الطرفين في عدة مراحل بشكل متزامن لضمان الالتزام به.
في الوقت نفسه، قال أحد قادة حماس لصحيفة الشرق: "إذا لم يعرقل بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء "إسرائيل"، اتفاق تبادل الأسرى ووقف النار، نحن قريبون من تحقيق هذه الصفقة أكثر من أي وقت مضى، والقضية المهمة الحالية هي أن واشنطن يجب أن تضغط على نتانياهو لتحقيق هذه الصفقة".
كما نقلت رويترز عن مصدر مطلع قوله: "هناك وفد إسرائيلي في الدوحة لمناقشة القضايا المتبقية المتعلقة بوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى الصهيونيين في غزة".
يأتي هذا في وقت تبذل فيه قطر بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة جهوداً مكثفةً للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، لكنها أعلنت في نوفمبر الماضي أنه لا يوجد سبب لاستمرار المفاوضات بشأن وقف النار ما لم يلتزم الطرفان بالتفاوض بحسن نية، وبالتالي، فإن وجود الوفد الصهيوني يشير إلى أن القطريين ربما يكونون متفائلين بشأن تنفيذ وقف إطلاق النار.
الضغوط الداخلية والأمريكية
حتى فترة قريبة، كان نتنياهو وأصدقاؤه يزعمون أنهم لن يُوقفوا الحرب حتى يحققوا أهدافهم في غزة، لكن يبدو أن الضغوط الخارجية لم تكن بلا تأثير في توجيه الوزراء المتشددين في تل أبيب نحو وقف إطلاق النار، وفي هذا السياق، حذر دونالد ترامب، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، نتنياهو خلال اتصال هاتفي بقوله: "إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى قبل توليه منصبه، سيكون هناك جحيم".
كما كشف مصدر مطلع على ملف المفاوضات لصحيفة الشرق أنه: "تم إبلاغ حركة حماس بأن الحكومة الأمريكية ودونالد ترامب يرغبان في صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب في أسرع وقت ممكن، وقبل أداء ترامب اليمين الدستورية"، وقد صرح ترامب عدة مرات أنه بمجرد دخوله البيت الأبيض، سيعمل على إنهاء الأزمات الإقليمية بما في ذلك حرب غزة وأوكرانيا، وبالتالي يسعى لإغلاق الأزمات التي كلفت الولايات المتحدة تكاليف باهظة خلال السنوات الثلاث الماضية قبل مراسم التنصيب.
وعلى الرغم من أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي في الکيان الصهيوني، قد هدد سابقًا بأنه سيترك الائتلاف مع نتانياهو إذا توقفت الحرب في غزة، إلا أن صمته المعنوي بشأن تفاصيل وقف النار، يُظهر أن ترامب ربما تمكن من ترويض الوزراء المتمردين في تل أبيب.
وقد توصل نتانياهو والأمريكيون، بالنظر إلى التطورات الميدانية، إلى قناعة أن تدمير حماس كهدف رئيسي من الهجوم على غزة ليس ممكنًا، وأنه لا يمكنهم تحقيق أي مكاسب من استمرار الحرب لفترة غير محددة، وأن هذه المغامرة ستزيد فقط من تكاليف "إسرائيل".
من جهة أخرى، فإن الاعتراضات الواسعة من عائلات الأسرى قد زادت من الضغوط على حكومة نتنياهو من الجبهة الداخلية، ونظرًا لأن خطة "تغيير النظام القضائي" قد عادت إلى جدول الأعمال الحكومي من قبل المتطرفين، فإن الأراضي المحتلة الآن تقف على برميل من البارود، وهو ما عبّر عنه بشكل جيد بني غانتس، وزير الدفاع السابق في الکيان الإسرائيلي، يوم الإثنين الماضي، حيث حذر في رد على إعادة طرح تغيير النظام القضائي، بأن حكومة نتانياهو تقود "إسرائيل" نحو حرب داخلية من خلال هذه الإجراءات.
أفق ضبابي لوقف إطلاق النار في غزة
على الرغم من أن اتفاق وقف النار يمهد الطريق نحو تحقيق وقف دائم للحرب، فإن الأمر لا يزال غير واضح في هذه المرحلة ما إذا كانت حماس ستوافق على اتفاق محدود دون إنهاء الحرب.
ورغم عدم تسريب تفاصيل إضافية حول الاتفاقات المبرمة، إلا أن قادة حماس أعلنوا في العام الماضي شروطهم لتوقيع وقف النار، ولم يتراجعوا عن هذه المطالب حتى الآن، حيث قال أحد الأعضاء البارزين في حماس لصحيفة الشرق: "نحن وعموم فصائل المقاومة لن نتنازل عن مطالب الشعب الفلسطيني بأن يقود هذا الاتفاق إلى توقف دائم للحرب، وسحب كامل للقوات من غزة، وعودة النازحين، وتهيئة صفقة جدية لتبادل الأسرى".
كما أكد أحمد عبد الهادي، ممثل حماس في لبنان، قبل عدة أيام: "نحن ملتزمون بشروطنا السابقة في أي اتفاق، ولن نقبل بأي اتفاق جزئي أو وقف نار مؤقت".
إن مطالب حماس بخروج كامل للقوات الصهيونية من غزة، وإسناد إدارة معبر رفح ومحور فيلادلفيا إلى الفلسطينيين، هي شروط سبق أن عارضها قادة تل أبيب، علاوةً على ذلك، فقد أنشأ الجيش الصهيوني في الأسابيع الأخيرة قواعد جديدة في محوري فيلادلفيا ونتساريم، ووفقًا للتقارير الإعلامية العبرية، فإنه لا يُخطط للانسحاب من هذه المنطقة، ما يساهم في تعقيد آفاق وقف الحرب.
ونظرًا لأن عودة اللاجئين إلى شمال غزة ستتم مراقبتها من خلال نظام أمني مكون من قوات صهيونية، فإن هناك احتمالًا كبيرًا بأن تقوم القوات الإسرائيلية باعتقال أو قتل المدنيين الفلسطينيين بتهمة التعاون مع حماس، كما فعلت في الماضي، وهذا سيساهم في تصعيد التوترات بشكل كبير.
وبناءً على السجل السيء للکيان الصهيوني في نقض الاتفاقات السابقة، فإن حماس في هذه المرة تسعى للحصول على ضمانات جدية من الکيان ومن الوسطاء الدوليين لضمان عدم انتهاك وقف إطلاق النار في المستقبل، وهو طلب تم رفضه من قبل قادة تل أبيب.
وبما أن نتانياهو لم يعلن رسميًا عن موافقته على جميع بنود وقف النار، فإن هناك احتمالًا كبيرًا أنه بمجرد الإفراج عن الأسرى وانتهاء فترة الـ60 يومًا، سيستأنف الهجمات على غزة مرة أخرى، وفي الواقع، كان وجود الأسرى في غزة خلال الأشهر الـ15 الماضية، هو العائق الرئيسي أمام تل أبيب لتمديد احتلالها في غزة، وإذا تمت إزالة هذا العائق، فإن نتنياهو سيقوم بشن المزيد من المذابح ضد الفلسطينيين دون تردد، ما سيسبب رد فعل قوياً من قبل فصائل المقاومة، وبالتالي ستعود الحرب للاشتعال مرةً أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، يعرف نتانياهو، الذي يواجه محاكمةً بسبب ملفات فساد مالي في هذه الأيام، أنه إذا خرج من ميدان غزة خالي اليدين، ستضاف المسألة المتعلقة بالهزيمة أمام الجماعات الفلسطينية إلى ملفاته العديدة، لذا، من غير المستبعد أن يقوم، في الأيام الأخيرة من فترة الهدنة التي تبلغ شهرين، بإلقاء المسؤولية تحت الطاولة تحت ذرائع مختلفة، متهمًا حماس بانتهاك الهدنة، من أجل تقليل الضغوط الداخلية من خلال استمرار الحرب في غزة.
من جهة أخرى، تبدو أجواء محادثات الوفد الإسرائيلي في الدوحة غامضةً، كما أشارت صحيفة "العربي الجديد" نقلاً عن مسؤول إسرائيلي رفيع، فإن هذا الوفد ذهب إلى الدوحة بمهمة وصلاحيات محدودة، لذلك، إذا استمر الصهاينة في الإصرار على الحصول على المزيد من التنازلات من حماس، فإن آفاق التوصل إلى اتفاق تبدو قاتمةً.
علاوةً على ذلك، فإن طريقة تنفيذ الهدنة على الجبهة الشمالية تجسد خرق الکيان الصهيوني للاتفاقات، حيث لم يتراجع الجيش الإسرائيلي عن الحدود الجنوبية للبنان بعد ثلاثة أسابيع من بدء الهدنة، بل قام بخرق الاتفاق عدة مرات بدوافع مختلفة، ما يزيد من احتمالية اندلاع صراع جديد بين حزب الله وتل أبيب، لذلك، ليس من المستبعد أن يكرر الصهاينة في غزة سيناريو مشابه، حيث سيؤدي وجود آلاف الجنود في الشمال والجنوب إلى استمرار النزاع بين فصائل المقاومة والجيش المحتل.
على الرغم من الاتفاق الأولي بشأن الهدنة في غزة، إلا أن غياب الانسحاب الكامل للجيش الصهيوني من هذا القطاع ووقف الحرب بشكل دائم، يجعل آفاق هذه الاتفاقات غير واضحة وغامضة.