الوقت - أثار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف إعلامياً بـ "جاستا" الذي أقره مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي الأسبوع الماضي والذي يتيح لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول /سبتمبر 2001 رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية للمطالبة بتعويضات تقدر بمليارات الدولارات؛ تساؤلات بشأن إمكانية تعميم هذا القانون ليشمل ضحايا الجرائم السعودية في كل من العراق وسوريا واليمن ودول أخرى في المنطقة والعالم والتي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء جراء دعم الرياض للجماعات الإرهابية ضد شعوب وأمن واستقرار هذه الدول.
وعلى الرغم من تهديد الرياض باتخاذ إجراءات ضد قانون "جاستا" بينها سحب أرصدتها المالية من البنوك الأمريكية، وبيع سندات خزانة وأصول أخرى في أمريكا تقدر قيمتها 750 مليار دولار، يعتقد خبراء القانون بأن "جاستا" أصبح نافذ المفعول بعد إقراره من قبل مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي، ويمكن تحريكه ضد السعودية ليس فيما يتعلق بتعويض عوائل ضحايا 11 سبتمبر فحسب؛ بل يمكن تعميمه على باقي الجرائم السعودية وفي مقدمتها عدوانها المتواصل على اليمن منذ أكثر من عام ونصف العام والذي أدى إلى استشهاد وجرح الآلاف من المدنيين وتدمير البنى التحتية لهذا البلد في كافة المجالات خصوصاً المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والوقود والطاقة الكهربائية ومستودعات الأغذية والأدوية، وكذلك يشمل دعم السعودية للجماعات الإرهابية بالمال والسلاح ضد الشعبين العراقي والسوري والذي أدى أيضاً إلى استشهاد وجرح آلاف المدنيين بينهم الكثير من الأطفال والنساء، وتدمير البنى التحتية في هذين البلدين.
كما يعتقد خبراء القانون بأن جريمة قتل الحجّاج في مشعر "منى" العام الماضي والتي تتحمل مسؤوليتها سلطات الرياض؛ تتيح أيضاً لذوي ضحايا هذه الفاجعة مطالبة السعودية بالتعويضات باعتبارها مصداق بارز لقانون "جاستا" الذي أقره الكونغرس الأمريكي.
وتجدر الإشارة إلى أن الفكر الوهابي الذي تتبناه السعودية والذي يبيح إراقة دماء كل من يخالف هذا الفكر قد تمت إدانته بشكل واضح في مؤتمر علماء أهل السنة الذي عقد مؤخراً في العاصمة الشيشانية "غروزني"، وقد أكد المشاركون في المؤتمر بأن "الوهابيّة" ليست من المذاهب الإسلامية المعتبرة، وإنّما هي دخيلة على الإسلام.
ويمثل قانون "جاستا" فضيحة جديدة تضاف إلى سجل الفضائح السعودية، ويخلق لها في الوقت ذاته أزمة جديدة تضاف إلى أزماتها الكثيرة وفي مقدمتها التورط في المستنقع اليمني والتكاليف الباهظة التي تتحملها بسبب عدوانها المتواصل على هذا البلد، إلى جانب تدهور وضعها الاقتصادي جراء انخفاض أسعار النفط وتراجع احتياطيها من العملة الصعبة والذي أدى بدوره إلى حصول عجز في ميزانيتها يقدر بنحو 100 مليار دولار.
وتحاول السعودية تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج عبر افتعال أزمات أخرى في مقدمتها تكريس العداء للجمهورية الإسلامية في إيران التي تمكنت من انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بحقها في امتلاك التقنية النووية السلمية من خلال توقيعها الاتفاق النووي مع مجموعة ( 5+1) قبل أكثر من عام والذي دخل حيز التنفيذ منذ نحو تسعة أشهر وهو يتيح لها التخلص من الحظر الاقتصادي المفروض عليها منذ سنوات على خلفية الأزمة النووية مع الغرب. هذا النجاح المتميز الذي حققته طهران قد أغاض الرياض التي تسعى من خلال تصوير إيران على أنها العدو الأول للمنطقة إلى حرف الأذهان عن جرائمها الموثقة والتي بات يعرفها القاصي والداني خصوصاً في اليمن والعراق وسوريا.
وينبغي التذكير بأن القانون الأمريكي "جاستا" قد فتح الباب أمام إعادة تقييم العلاقات بين واشنطن والرياض. فرغم تهديد الأخيرة ببيع أصول في أمريكا تقدّر قيمتها بمئات مليارات الدولارات، يبدو هذا الأمر صعب التطبيق بسبب الانعكاسات السلبية التي سيتركها على الاقتصاد السعودي، الذي سيعاني تضخماً في حال سحب رجال الأعمال السعوديون استثماراتهم من الأراضي الأمريكية، فضلاً عن الضرر الذي سيلحق بالعملة السعودية المرتبطة بالعملة الأمريكية.
كما هددت السعودية بوقف شراء السلاح من أمريكا، وهو أمر لا يشكل معضلة كبيرة لواشنطن باعتقاد المراقبين، خصوصاً مع وجود زبائن آخرين لاسيّما الدول الأخرى في مجلس التعاون.
خلاصة القول تبدو الخيارات السعودية في مواجهة القانون الأمريكي" جاستا" ضعيفة التأثير، علماً أن واشنطن تمتلك في المقابل خيارات متعددة في حال قررت الرياض التصعيد بدءاً من تجميد الأرصدة المالية السعودية إلى وقف واردات السلاح و عزل السعودية سياسياً، ليس هذا فحسب؛ بل يعتقد الكثير من المتابعين بأن قانون "جاستا" قد وضع مصير أموال السعودية بيد القضاء الأمريكي، ومن ثم جعل الحكومة الأمريكية مشلولة في حماية النظام السعودي من تبعات هذا القانون.