الوقت- يرزح العراق اليوم تحت مرحلة حساسة و في ظروف معقدة جداً، فالإرهاب يضربه من كل ناح و القوات العسكرية تقاتل على غير جبهة و ساح، و الوضع الداخلي أصبح متوتراً أيضاً خصوصاً بعد الخطوات المتتالية التي حصلت على صعيد الحكومة و البرلمان و الشارع و ما تخلل ذلك من مظاهرات و احتجاجات، و اليوم نرى عدداً من القوى السياسية في لبنان في زيارة للسيد نصرالله ربطها البعض بمساعِ لحل الأزمة في العراق، كل هذه الأمور و غيرها من المستجدات العراقية طرحناها في حوارنا مع الكاتب والاعلامي "عبد الزهرة الطالقاني".
أول أسئلتنا كان حول الحديث عن تدخلات خارجية دفعت الى الأزمة السياسية الحالية في العراق بهدف تشتيت الجهود و الانتباه عن المعركة الأساسية في العراق أي المعركة ضد الإرهاب؟
فأجاب الطالقاني: "في الحقيقة إن الأزمة السياسية ليست وليدة اليوم، مع عدم نفي إن كان هناك تدخلات خارجية سواء إيجابية كانت أم سلبية، فالأزمة بدأت بعد أيام فقط من تشكيل حكومة السيد "العبادي" و كانت هناك أزمة قبلها، و في العراق كلما تشكّلت حكومة هناك أزمة قبلها و بعدها، لم تستقر الحكومة و تمضي في تنفيذ خطتها و برنامجها منذ ذلك الوقت و حتى الآن، و لذلك ما يحدث الآن هو وليد تلك الفترة المتلاحقة من ردود الأفعال و الإعتراضات و من ثم الإعلان عن ورقة الإصلاح الحكومية، و ورقة الإصلاح البرلمانية و المضي لتنفيذ بعض بنود هذه الورقة، حتى وصلت الحال إلى ان يصار إلى تشكيل حكومة جديدة و أعلن السيد "العبادي" حينها قائمة اودعها مجلس النواب العراقي، ثم أعقبها بقائمة أخرى، و لم يُصَوّت على القائمتين حتى هذه اللحظة حتى صارت ثورة البرلمان اعتراضاً."
و تابع قائلاً: "ما استنتجناه أن المشكلة ليست في الحكومة إنما في البرلمان، و موضوع التدخلات الخارجية سواء كانت اقليمية أو غربية فهو وارد جداً، و لكن انا شخصياً أعتقد أنها أزمة داخلية أكثر من كونها خارجية، مع انه حتماً لها تأثير سلبي على المعارك مع داعش، كون هذه الأزمة و هذه الاشكالات السياسية تؤثر أمنياً من خلال التظاهرات و الإحتجاجات التي تتطلب احترازات أمنية تتخذها السلطات الأمنية حتى لا تتفلت الأمور و تصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها، و هذا قد يتطلب استدعاء وحدات امنية هي في الأصل مشغولة في القتال على الجبهات او الإمساك بأراضٍ معينة، و بهذا تؤثر سلباً و قد أشار رئيس مجلس الوزراء في خطابه الى هذه الحالة و قال أن ذلك يؤثر سلباً على قتالنا مع داعش."
الوقت : برأيكم ما هو مستقبل مجلس الوزراء بعد طرح القائمة من الرئيس "العبادي"؟ و ما هو مستقبل مجلس النواب في العراق بعد ما شهدناه يوم الخميس من تجمع نيابي و محاولة لإقالة رئيس المجلس؟ إلى أين نحن ذاهبون؟
الاستاذ عبد الزهرة: "لا زال صعباً التكهن إلى ما ستؤول إليه الأمور، ثورة مجلس النواب العراقي كانت مفاجئة للوضع السياسي العراقي، فلم يكن يتصور أحد ان مجموعة كبيرة من النواب، 174 نائباً يتمردون على كتلهم و أحزابهم و يخرجون من القمقم و يعلنون انهم مع الإصلاح و ضد المحاصصة و ضد ما اوصل العراق سياسياً الى هذا الوضع، و هذا لا يعجب الكتل و لا حتى الأحزاب لذلك نرى ان هناك مبادرات و محاولات و هناك تكتل آخر تمثل برئيس مجلس النواب الذي اعتبر أن ما حصل في الجلسة من إقالته و غيرها غير قانوني و غير دستوي، و ان كل ما صدر عن تلك الجلسة غير ملتفت اليه، و ما زال السيد رئيس مجلس النواب يصر على هذا الموضوع و هناك تكتل جديد تمثل باتحاد القوى و أطراف اخرى قد يمثلون عدداً لا بأس به من النواب مقابل التكتل الذي اجتمع الخميس."
ثم سألناه إن كان ما أقدم عليه النواب المعترضون من الدعوة لجلسة و التصويت على اقالة رئيس مجلس النواب و تعيين رئيس مؤقت بدلاً منه دستوري و قانوني؟
فأجاب السيد الطالقاني: "هذه المسألة انا لا أستطيع ان أحكم فيها صراحة و يجب على المختصّين الإجابة عنها إجابة دقيقة، و لكن هناك تصريحات النواب الذين اجتمعوا و ما جاء على لسان الناطق باسم هؤلاء النواب بأنهم متمسكون بما فعلوه و ان محاولتهم دستورية و قانونية و انهم لم يخرجوا عن الأطر الدستورية، و هذا ما صرحوا به."
الوقت: هل برأيكم النزول إلى الشارع و الضغط الشعبي هو الحل للأزمة أم يجب على الأطراف الجلوس على طاولة الحوار خصوصاً ان ظروف العراق اليوم حساسة جداً خاصة في موضوع محاربة داعش و الارهاب ككل؟
السيد عبد الزهرة: "هذه المسألة تحتاج إلى وعي كبير، و فعلاً الوقت غير مناسب لتغيير حكومي و تغيير برلماني و حتى أي تغيير سياسي و لا بد على القائمين و خاصة السياسيين أن يؤجلوا هذا التغيير و هذا الصراع و هذه الرؤى الاصلاحية مثل ما يسمونها إلى وقت آخر، خاصة أن داعش بدأت تندثر بعد الانتصارات التي حققها الجيش العراقي و الحشد الشعبي في صلاح الدين و بيجي و الرمادي مؤخراً و كبيسة و هيج و الآن يتوجهون الى القائم و غيرها و هي مناطق ليست سهلة لأنها محاذية للحدود العراقية السورية و الأردنية و هناك عمليات في الموصل أيضاً و هذه كلها جبهات تحتاج الى جهد و اموال و دعم لوجستي لحسم المعركة و لإلتفاف العراقيين، و هذا التشتت سيشغل القائد العام للقوات المسلحة و سيشغل القادة ككل، و قد يسبب تلكؤاً في الأداء العسكري اتجاه داعش و تكون فرصة مناسبة للأخيرة لتخترق بعض المناطق و تحقق انتصارات جزئية و يثبط ما تم تحقيقه في الأيام الماضية."
الوقت: البعض يتحدث عن زيارات قام بها عدة مسؤولين عراقيين للبنان وعن وساطة قد يقوم بها السيد حسن نصرالله بين الأطراف العراقيين لحل الأزمة السياسية، و هل يمكن بالأساس لحزب الله اللبناني ان يلعب هكذا دوراً في العراق؟
الطالقاني: "حزب الله اللبناني له علاقات طيبة مع الجهات العراقية المختلفة، و قليلة هي الجهات التي ليس لها روابط مع الحزب كهجة او اثنتين فقط، و السيد حسن نصرالله شخصية مرموقة و تمتلك الحكمة الكافية لحل أزمة معينة كالأزمة العراقية، اما تفاصيل هكذا خطوة فانا لست مطلعاً على ما جرى بين السيد الصدر الذي زار السيد نصرالله و التقى به، في ما اذا كان يحمل مبادرة اولاً، و فيما اذا كان السيد نصرالله اتصل بجهات عراقية أخرى أو لا، و لكن الأكيد ان السيد نصرالله حريص على وحدة العراق و على حل الأزمة السياسية الدائرة اليوم في الساحة العراقية."
الوقت: برأيكم اليوم من يملك الكلمة الفصل في العراق هل هي المرجعية ام انها الأحزاب و الزعماء السياسيين؟ أم أن الشعب فقد الثقة بالجميع و فضل اللجوء الى الشارع؟
الطالقاني: "مسألة المرجعية مع انها لم تصدر شيء مفصّل وواضح اتجاه موضوع التغيير، و تركت المسألة للشعب و السياسيين، و هي أيدت الاعتصامات و ما تقوم به القوى المعارضة و لكنها لم تبت أمرها، ما زالت هي القوة الكامنة التي تدخل في اللحظة الحاسمة و لديها الكلمة الفصل، و يمكنها أن تنهي هذا الصراع في خطاب قصير، و لكن هي تؤيد الديمقراطية و تؤيد الشعب للضغط على الحكومة و البرلمان حتى يحصل التغيير و نبدأ صفحة جديدة لعراق جديد و ديموقراطي و خالي من بؤر الفساد و الأزمات السياسية و السرقات و المحاصصة و مصالح الكتل و الأحزاب، و هذا صوت الشارع و ما ينادي به المواطن الذي بات لديه احباط من الصف الذي تبوأ المناصب بعد الانتخابات الأخيرة في البرلمان و الحكومة."
وأخيراً سألنا السيد عبد الزهرة أين الأمريكي و واشنطن من كل الذي يحصل في العراق اليوم؟
فأجاب السيد الطالقاني: "هم يقولون أنهم لا يتدخلون في الشأن العراقي خاصة السياسي و يتركون للعراقيين شأنهم في اختيار من يجدونه مناسباً، و لكن هناك معلومات صحفية انهم يدعمون السيد "العبادي" للاستمرار في منصبه، و يدعمون تصحيح المسيرة و الاصلاح، هذا ما يطفوا على السطح من ظاهر الامر، و لكن باطن الأمور قد تكون خلاف ذلك."