الوقت- بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" حدوث تطورات مهمة في ملف الأسرى الإسرائيليين سارعت كتائب القسام إلى الرد على تصريحات "نتنياهو" بشكل شديد اللهجة حيث أكد المتحدث العسكري باسم "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، "أبو عبيدة" أنه "لا توجد أي اتصالات أو مفاوضات بشأن الجنود الأربعة، ولن يحصل العدو على معلومات عن مصيرهم سوى بدفع أثمان قبل وبعد المفاوضات"، وأضاف "أبو عبيدة"، الذي رفعت خلفه صورة للجنود الإسرائيليين الأسرى، أن "نتنياهو يكذب على شعبه ويضلل جمهوره ويمارس الخداع مع ذوي جنوده الأسرى".
الخطوة الإعلامية التي أقدمت عليها كتائب القسام تعزز معادلة الردع التي بدأت الفصائل الفلسطينية تفرضها على الكيان الإسرائيلي، هذه المعادلة التي أثبت التاريخ فاعليتها في إجبار الكيان الإسرائيلي على إطلاق سراح المعتقلين لديه بدأت تتخذ منحى أكثر فاعلية، وهذا يحمل رسالة مهمة للإسرائيليين، إذ أن إعلان كتائب القسام جاء بعد تمادي الكيان الإسرائيلي في حملات الاعتقالات التي شنها في الفترة الأخيرة فمنذ اندلاع انتفاضة القدس تجاوز عدد المعتقلين الفلسطينيين أكثر من 4700 فلسطيني بينهم 700 شخص تم اعتقالهم خلال الشهر الماضي.
تأكيد كتائب القسام على أن "العدو لن يحصل على معلومات عن مصيرهم سوى بدفع أثمان قبل وبعد المفاوضات" إشارة واضحة إلى تزلزل القوة الاستخباراتية للكيان الإسرائيلي، وفي الطرف المقابل يتضح من لهجة كتائب القسام أنها أصبحت في مكانٍ تستطيع فرض شروطها على الكيان الإسرائيلي، وهذا ما تخشاه حكومة "نتنياهو" التي لا ترغب في أن يتم إدراج سياسة تبادل الأسرى مع الفصائل الفلسطينية على قائمة استراتيجيات المعارك لأن ذلك يعرض نتنياهو وكبار قادة الجيش الإسرائيلي إلى انتقادات كبيرة في الداخل الإسرائيلي.
أكثر ما يقلق الكيان الإسرائيلي من تصريح القسام أمران اثنان، الأول أن الكشف عن الأسرى الإسرائيليين سيضع حكومة "نتنياهو" أمام ضغوط من المستوطنين وخاصة أهالي الأسرى بالإضافة إلى قادة الجيش وكبار العسكريين، وهذا سيجبر الكيان الإسرائيلي على تقديم تنازلات كبيرة تسجل لصالح حركات المقاومة الفلسطينية، والأمر الثاني هو أن أي عملية تبادل للأسرى ستزيد من القاعدة الشعبية للحركات المقاومة في فلسطين، وسيتوسع جمهورها وخاصة أن العديد من العائلات الفلسطينية ستسترجع أبناءها من السجون الإسرائيلية وهذا يعزز الفكر المقاوم في فلسطين.
تصريحات كتائب القسام أظهرت نقلة نوعية في استراتيجيات المواجهة، وقد بدى واضحًا أن حركات المقاومة الفلسطينية حققت قفزة نوعية في معادلات المواجهة مع الكيان الإسرائيلي، ما يمكن أن يشكل دفع معنوي كبير لكافة الفصائل والانتفاضات الفلسطينية، كما أنه يمكن أن يفتح جبهة "الأسر" على الجنود الإسرائيليين غير جبهة "الطعن" وهذا من شأنه أن يتسبب بإضعاف معنويات الجندي الإسرائيلي في المعركة، بالإضافة إلى تقليل دوافع ثباته في أي مواجهات محتملة.
رغم كل ما تعانيه البلاد العربية والشعوب العربية والإسلامية من أزمات داخلية وحروب مفروضة عليها، إلا أن المواطن العربي ليس بمنئى عن متغيرات القضية الفلسطينية القضية المركزية، وتحقيق فصائل المقاومة لأي انتصار على الكيان الإسرائيلي يؤثر إيجابًا على شعوب المنطقة، ويدفعها لمواصلة دعم القضية الفلسطينية.
أول من أدرك الآثار الهامة والأبعاد الكثيرة لموضوع الأسرى الذي طرحته كتائب القسام هو الإعلام الإسرائيلي، ولهذا حاولت القنوات الإسرائيلية التغطية الإعلامية على تصريحات القسام محاولةً تقليل الإنجاز وتصويره بطريقة أكثر سطحية، فبدل الإعتراف بضعف القدرات الإسرائيلية وعجزها أمام حركات المقاومة المتنامية والمتصاعدة، وصف الإعلام الإسرائيلي إنجاز القسام على أنه مجرد محاولة لتحريض الرأي العام الإسرائيلي ضد نتنياهو!.
وأما عن مدى فاعلية استجابة الكيان الإسرائيلي ورضوخه لضغوطات الأسرى فقد أثبت التاريخ أن السلطات الإسرائيلية مستعدة للإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين الفلسطينيين، فمثلا بعد وقوع الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في الأسر، أفرجت السلطات الإسرائيلية عن 19 أسيرة فلسطينية من ذوات المحكوميات العالية مقابل إصدار دليل مادي يثبت بأن الجندي الأسير لا يزال على قيد الحياة، وفي عام 2011 تم إطلاق سراح جلعاد شاليط وتم تسليمه من حركة حماس إلى السلطات المصرية مقابل 1027 أسير وأسيرة من الفلسطينيين، ويحاول البعض تفسير هذه الأرقام الضخمة بأن الكيان الإسرائيلي حريص على حياة جنوده، وهذا بعيد عن الواقع، وحقيقة الأمر أن السلطات الإسرائيلية تنفذ هذه الصفقات حفاظًا على معنويات الجنود وليس على أرواحهم، كما أنها تحاول تجنب ضغوط المستوطنين والتعرض لهم كي لا يتم فتح باب الهجرة العكسية من الكيان الإسرائيلي.
في النهاية يمكن القول أن تصريحات القسام تعني أن المعركة مستمرة، وعدم وجود مواجهات مباشرة بين الفصائل الفلسطينية والكيان الإسرائيلي لا يعني انتهاء الصمود والمقاومة، فالحرب مستمرة وعلى كافة الصعد والأسالیب، وكل يوم يمضي تصبح حركات المقاومة الفلسطينية أكثر قدرة على المواجهة، كما تصبح خياراتها أوسع، وخاصة أن الكيان الإسرائيلي لم يستطع تحقيق أي انتصار منذ أكثر من عقد، فقد فشل في مواجهات مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، كما فشل في جنوب لبنان، بالإضافة إلى أن مشروع كسر محور المقاومة من خلال إزاحة سورية عن مسار دعم القضية الفلسطينية فشل، وكل هذا ينبئ بأيام صعبة تنتظر الكيان الإسرائيلي.